الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الكيماوي السوري والصواريخ الروسية.. لعبة الصفقة

الكيماوي السوري والصواريخ الروسية.. لعبة الصفقة

16.09.2013
رومان حداد



الرأي الاردنية
15/9/2013
ما حدث في ما يمكن تسميته بـ(الأزمة الكيماوية السورية) يذكرني إلى حد بعيد بما حدث بأزمة الصواريخ الكوبية قبل نصف قرن وعام، حين كشفت طائرة تجسس أميركية في تشرين الأول عام 1962 محاولة من الاتحاد السوفياتي لإدخال صواريخ تحمل رؤوساً نووية خلسة إلى كوبا، على بعد 150 كيلومتراً من ساحل الولايات المتحدة، فزعيم الاتحاد السوفييتي حينها نيكيتا خروشوف قرر خفية عبور الخط الأحمر الذي رسمه كينيدي ومفاجأة الأميركيين بالأمر الواقع.
قبل ذلك بعام وفي الثالث من حزيران عام 1961، جرت محادثات مطوّلة بين الرئيس السوفييتي نيكيتا خورتشيف، والرئيس الأميركي جون كنيدي في منزل السفير الأميركي الواقع في إحدى ضواحي العاصمة النمساوية فيينا. في الساعة الأخيرة من تلك المحادثات، اتخذ الزعيمان قرارا مهما وهو عدم وجود رغبة لدى كلا الزعيمين بتشجيع الحرب، على أن يشكلا تصوراً حقيقياً بشأن إمكانية أن يلعبا دوراً رئيسياً فاعلاً في عملية يكون هدفها تفادي حدوث موت مفاجئ لمئات الملايين من البشر.
هناك قراءات عدة لما حصل عام 1962 ولكن ما تظهره الحقائق بعد كشف الوثائق أن اتفاقاً بين الطرفين (الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة) قد حدث، ففي اليوم الثاني عشر من الأزمة أرسل الرئيس كنيدي شقيقه روبرت كيندي مبعوثاً إلى السفير السوفييتي أناتولي دوبرينين لنقل عرض أخير ونهائي، وقد وافق خورتشوف على الشروط الواردة في العرض حيث انتهت الأزمة من دون نشوب حرب بين القوتين العظميين، وكان مضمون العرض الأميركي أن تعود السفن السوفييتية المحملة بالصواريخ مقابل الوعد من جانب الولايات المتحدة بإزالة صواريخها من تركيا وإيطاليا بغضون ستة أشهر وتعهد الولايات المتحدة علناً بعدم غزو كوبا.
ما أدى إلى حل الأزمة، حينها، كان مزيجاً من تسوية عامة وإنذار خاص ومهدئ سري، فهل أعاد التاريخ ذاته، بعد واحد وخمسين عاماً في الأزمة الكيماوية السورية؟
فالباب الموارب الذي فتحه وزير الخارجية الأميركي جون كيري حين لمح بإمكانية وقف الحرب المتوقعة ضد سوريا إذا سلمت أسلحتها الكيماوية كان كافياً لمرور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منه، لإقناع السوريين بوضع أسلحتهم الكيماوية تحت المراقبة الدولية، وكانت السرعة التي استجاب فيها الروس للعرض الأميركي المبهم مؤشر على أن العقلية الروسية قادرة على التعامل بحيوية مع المستجدات، وأن الإدارة الروسية رشيقة وواعية في ذات الوقت.
قد يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يكن قادراً على قراءة الموقف بدقة، وأن العسكر في الإدارة الأميركية قد دفعوه ليعلن عن الرد الأميركي بصورة متسرعة، وأن الصورةة الرئاسية الأميركية قد اهتزت لغياب الحكمة والقدرة على اللعب بالورق السياسي بصورة جيدة، وهو ما سيعضف الرئيس الأميركي في الأيام المقبلة على الساحة الأميركية الداخلية، ولكن على الجاب الآخر يبدو أن اختيار أوباما لجون كيري قد كان في مكانه، لأنه استطاع تخليصه من مأزق حشره في الزاوية.
ويبقى السؤال ما هي الصفقة الحقيقية بين الولايات المتحدة وروسيا؟
رغم عدم اتضاح الصورة حتى الآن إلا أني أرى أن الصفقة هي بشار الأسد، فروسيا استطاعت أن تثبت بالبرهان القاطع وقوفها مع سوريا، ولكن اثبت بصورة أوضح أن لروسيا مصلحة مباشرة ببقاء سوريا موحدة ومركز نفوذ خالص لها، وهي جاهزة في سبيل ذلك أن تقوم بأي دور أو تحرك يحافظ على هذا الحال، وبالتالي فإن بشار الأسد غير القادر على بطء الإيقاع وإنهاء الأزمة لا يخدم المصالح الروسية، وعليه أن يتجهز للتنحي سريعاً، وإلا فإن رفع غطاء الحصانة الروسية عنه سيكون قريباً.
الولايات المتحدة قبلت ضمنياً أن سوريا منطقة نفوذ روسية، ولكنها أثبت أنها وإن لم تعد تسطع أن ترب بقبتها بالسرعة والقوة كما كانت سابقاً، إلا أنها قادرة عبر التلويح بالضرب أن تحرك المياه الراكدة، خشية من قوة ضربتها لدى البعض، وخشية من أن تفقد الولايات المتحدة هيبتها لدى البعض الآخر كالروس مثلاً، فالروس غير جاهزين هم وغيرهم لملء المكان الفارغ الذي قد تخلفه ولايات متحدة أميركية ضعيفة، وفي ذات الوقت يدرك الروس بشاعة العالم حين يفقد الشرطي دوره، حينها سيتحول العالم إلى أحياء تملؤها العصابات المتصارعة والأتاوات والدماء والرعب، وهو مكان ليس قابلاً للحياة.
سيأتي يوم قريب تقول فيه روسيا لحليفها الأسد شكراً لك ولكن آن الأوان أن ترحل، وستجد له معتزلاً مريحاً، أو ستضطر إلى تنحيته بصورة أبشع لا ترغبها ولكنها ضرورية للحفاظ على المصالح الروسية، فرأس الأسد ليس أغلى من الصواريخ الأميركية في تركيا وإيطاليا عام 1962.