الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الكيماوي كسر قاعدة (ماشي الحال)

الكيماوي كسر قاعدة (ماشي الحال)

31.08.2013
سهيل كيوان


القدس العربي
الخميس 29/8/2013
أكثر من 120 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمشوهين وملايين اللاجئين ودمار مدن وقرى ومذابح لا حصر لها، وتحويل آلاف المدارس إلى ثكنات عسكرية، لم تُحرِّك الولايات المتحدة ولا أوروبا ولا ما يسمى العالم الحر للقيام بعمل جدّي ضد النظام السوري والضغط عليه لإرغامه على الجلوس حول طاولة المفاوضات مع المعارضة السورية للتوصل إلى تسوية وحقن دماء هذا الشعب، فالحرب الأهلية سارت على أفضل وجه ممكن من وجهة نظرهم، لدرجة أنه لا تضاهيها في جمالها وروعتها سوى حرب العراق وإيران التي استمرت بضع سنوات، وكأن هذه الحرب الأهلية مفصلة تفصيلا دقيقًا حسب طلب إسرائيل وأمريكا الرسمية، فالقوات السورية تتآكل وتنهك دون جهد يذكر من قبل إسرائيل، والشعب تقطع أوصاله دون أن يحظى بحريته، والمعارضة والنظام لا يستطيعان الحسم، وهذا ويا للسعادة يعني أن أمد هذه الحرب سيطول أكثر وأكثر، وما كان يسمى الجبهة الشرقية ضد إسرائيل في يوم من الأيام صار اسمه الكارثة الشرقية، وهذا يأتي بعد هدوء وانضباط وتربص بالعدو استمر أربعين عامًا، ولكن الأهم من منابع النفط ومناجم الذهب والغاز هي منابع الحقد الطائفي والمذهبي التي تفجّرت، والتي تعني تقسيم وتجزئة المجزّء، ومواصلة تقهقر الأمة وتشرذمها، حتى تكاد كل حارة ترفع راية مختلفة، وبالتالي مواصلة السيطرة على مقدراتها من خلال أنظمة الحلال وطاعة أولي الأمر، ومواصلة إسرائيل تهويد ما تبقى من فلسطين بدون رادع، بل ومنح قيادة رام الله غطاء لمزيد من التنازلات بحجة ضعف الأمة الذي لا يترك خيارًا سوى التنسيق الأمني وقبول مكرمات دعاة أرض إسرائيل الكاملة!
لقد نجح النظام بممارساته الوحشية بحرف بعض قوى المعارضة عن مسار الثورة التي بدأت مطالبة بالحرية، وتحويلها إلى حرب مذهبية طائفية قذرة، تزداد قذارة وفظاعة كلما طال أمدها،حتى باتت تداعياتها تهدد دول الجوار كلها باستثناء اسرائيل!
لقد حاول النظام أن يجعل من الثورة السورية مجموعة من التكفيريين، حوّل بدعايته أجمل شعوب الأرض إلى أناس متعطشين للدماء، يذبحون الناس وحتى الأطفال وهم يرددون صيحات الله اكبر، وكانت رسالة النظام للعالم بأنه ومهما كان فاسدًا ودكتاتوريا، ومهما كانت جرائمة بشعة، فهي مبررة لأنها ضد تكفيريين وأكلة كبود وقلوب البشر.
هكذا تحول مطلب الحرية المشروع إلى كابوس، حتى أن كثيرين من العرب باتوا على قناعة بأن العرب لا يستحقون سوى حكم البسطار العسكري، وأننا متوحشون نأكل لحم وكبود وقلوب البشر حتى دون ملح أو شواء.
منذ بداية الثورة المضادة للربيع العربي كرّست آلة الإعلام الرسمية العربية وأشدّها السورية كل جهودها لدمغ المعارضة بأنها تكفيرية، في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا وحيث حدث أي تحرك ساووا بين الإشتراكي والقومي واللامنتمي والليبرالي وحتى الملحد بالتكفيري، كي يظهر النظام أمام الغرب بأنه أكثر تحضرًا وتنويرًا، فهو يحارب الأصوليين التكفيريين الذين لا يعرفون أصول اللعب، وقد تصل نيرانهم الجاهلة في يوم ما إلى منابع النفط وإلى منابع الديمقراطية في إسرائيل، وكانت أمريكا تهز برأسها من بعيد وتقول (ماشي الحال)، النظام يقتل التكفيريين والتكفيرون ينهكون النظام وكلاهما في النار.
ما حدث في الأسبوع الأخير كسَر قاعدة (ماشي الحال) المتفق عليها، سواء كان النظام هو الذي استخدم الغازات ضد المعارضة أم أن المعارضة ألقت على نفسها وعلى أبنائها ورجالها الغازات،أو قتلتهم وقامت بحقنهم بالمواد السامة كي تدين النظام متفوقة بهذا على الجزيرة بـ’فبركاتها’!
فما حدث هو مؤشر بأن السلاح الفتاك خرج عن السيطرة والرقابة، وضاع المتفق عليه والعنوان المسؤول الذي يمكن محاسبته، سواء قرر استعماله ضابط في الميدان بدون علم سيادته أو أن سيادته يعلم ولكن الخطأ كان في كمية وحجم الوجبة.
الأسد الذي ما زال مستأسدًا حتى كتابة هذه السطور تساءل مستنكرا’كيف يعقل وأين المنطق بأن يلقي جيش الكيماوي على شعبه’، فالبراميل والصورايخ والراجمات والطيران ومائة وعشرون ألف قتيل كلها معقولة (ماشي الحال) أما الغازات فلا منطق لها لأن الغاز قد يحمله الهواء إلى جهة بلد المحبوب.
استخدام الكيماوي كان خطأ فاحشًا تجاوز المتفق عليه ضمنًا،فهو إشارة بالنسبة لإسرائيل وأمريكا والغرب بأن النظام قادر ومستعد لاستعماله بشكل واسع، وهذا المجال معروف بأنه حكر على إسرائيل، لأنها دولة ديمقراطية ومسؤولة، أما يكون بأيد غير ديمقراطية أصلا وربما يصل إلى أيدي ‘التكفيريين’ فهذا أخطر بل الأخطر.
لهذا يجب تأديب النظام على فشله في الحفاظ على (المتفق عليه)، وهي فرصة لصفعه كي يعود الى رشده التدميري بالوسائل التقليدية التي تضمن طول أمد الحرب، وتعمق الكراهية الطائفية، كذلك لمنح المعارضة حبّة سُكر، وإفهامها بأن أمريكا قد تكون مقصرة بحقّها ولكنها لا (تصفطها) للكيماوي.
أمريكا لن تشن حربًا شاملة على النظام، فهي لا تريد حشره إلى حتفه الأخير كي لا تتسع الدائرة لتشمل حزب الله وإسرائيل وربما إيران، ستكتفي بتكسير أنياب الأسد وفرك أذنه لتضعفه وبنفس الوقت لتقدم جائزة ترضية للمعارضة وتعويضها عن الغدر بها وتركها وحيدة مكشوفة لطيران النظام وبراميله ووليد المعلم، أما رد الأسد على إسرائيل فهو لن يكون سوى الخيار ما بعد الأخير، والذي يعني أنه قرر الإسراع بنهايته.
الضربة الأمريكية باتت حتمية فالكيماوي غير متفق عليه ،إنه يهدد إسرائيل من ناحية، ومن ناحية أخرى يهدد دور أمريكا كشرطي للعالم، فالقتل والجرائم لها أصول،ما جرى من قتل حتى الآن كان ممكن التعايش معه وتبريره، أما الكيماوي …فلا.
الموقف الروسي يعكس قناعة روسية بأن النظام استعمل الكيماوي، وإن كانوا قد حاولوا الكذب واتهام المعارضة على طريقة النظام، إلا أن إعلانهم بأنهم غير مستعدين لحرب مع أحد من تحت راس أسد مثلا، وقرارهم بسحب قطع بحرية من طرطوس في حال بدء الضربات، كل هذا يشير الى أن الروس غير مستعدين لتهديد مصالحهم وأمنهم لحساب حليف بات منهكًا يتصرف بجنون، ويبدو أنهم تعبوا من حقن الفيتامينات والدماء لنظام كان في حالة حرجة، وباستخدامه الكيماوي بات في حالة ميؤوس منها.