الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الكيميائي السوري والخط الأحمر الأميركي

الكيميائي السوري والخط الأحمر الأميركي

28.08.2013
اوكتافيا نصر


النهار
الثلاثاء 27/8/2013
اعتبرت روسيا أن "حالا من الهستيريا" تحيط بمسألة استخدام السلاح الكيميائي، لكن الولايات المتحدة وصفته بأنه "خط أحمر". يجب ألا يُفاجأ أحد بالتدخّل العسكري إذا حصل، وخصوصا روسيا التي وجهت اليها نداءات متكررة لتساعد على إيجاد مخرج للأزمة السورية ولكن من دون جدوى. تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا - وقريباً مزيد من دول حلف شمال الأطلسي - على تعزيز حضورها العسكري والبحري حول سوريا، في ما يمكن اعتباره إنذاراً أخيراً في سلسلة من الرسائل الديبلوماسية والتحذيرات بالتدخّل التي لم تلق استجابة من قبل.
تُطرح علامات استفهام أيضاً حول الخطوة الأميركية المتأخّرة جداً لـ"مساعدة" السوريين في معركتهم ضد النظام الاستبدادي. فغالب الظن أنها ستؤدي إلى النتائج نفسها التي أسفرت عنها التدخّلات الأميركية في أماكن أخرى، وربما أسوأ من ذلك. يكفي أن ننظر إلى العراق والفوضى التي يغرق فيها لندرك ما جنته يدا الولايات المتحدة في ذلك البلد. فالتفجيرات تؤدّي بوتيرة شبه يومية إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وتبلغ أزمة اللاجئين أحجاماً هائلة، كما أن البنى التحتية مدمّرة ويحتاج اعادة بنائها إلى سنوات طويلة، وتشهد البلاد انقساماً مذهبياً لم تعرفه من قبل. ويمكننا أن نعرّج أيضاً على بلدان أخرى تدخّلت فيها الولايات المتحدة، وحيث المشهد ليس أفضل.
في الولايات المتحدة، يستشهدون بكوسوفو عند الحديث عن تدخّل محتمل في سوريا. وهذا خطأ بالتأكيد. ففي حين تكثر أوجه الشبه بين كوسوفو عام 1999 وسوريا اليوم، تستدعي الاختلافات الانتباه إلى حد اكبر، ولا بد من أخذها في الاعتبار.
منطقة الشرق الأوسط في حال غليان على وقع الانقسامات والنزاعات، القديمة والجديدة. والحريق الأحدث مسرحه سوريا حيث يسود انقسام حاد بين مؤيّدي الأسد ونظامه البعثي ومن يرغبون في رحيله.
ويجب التعامل بجدّية شديدة مع الدور الجديد الذي تضطلع به إيران باعتبارها قوة عظمى في المنطقة، واستهزائها بالتأثير الغربي، وموقفها الداعم بقوّة للأسد حتى الآن.
ثم نصل إلى تدخّل "حزب الله" في الحرب السورية إلى جانب الأسد واستعداد عناصره للقتال حتى الموت دفاعاً عنه.
كما أن إسرائيل لن تلزم الصمت اذا تعرّضت حدودها للاعتداء أو مصالحها للتهديد.
أخيراً، تحوّل لبنان منطقة حربية مفتوحة ويمكن أن تنفجر في أي وقت وتتسبّب بأزمة جديدة تضاف إلى الأزمات الأخرى في المنطقة.
وما يمكن أن يبدأ كـ"تدخّل" عسكري في سوريا قد يؤدّي إلى تفجير المنطقة بكاملها على رغم كل الجهود التي تُبذَل للحد من الأضرار، وحتى في إطار أهداف محدّدة جيداً واستراتيجيا محكمة للخروج.
سوف تُظهِر الأيام أن تأخّر أوباما في التحرّك في الشأن السوري أكثر كلفة ودموية من مماطلة كلينتون وتخبّطه قبل التدخّل في كوسوفو. وقد لا يكون في الإمكان تحقيق الفوز إلا بكلفة باهظة جداً. لكن التدخّل في سوريا قد يؤدّي إلى نزاع إقليمي بات من الصعب تفاديه، الأمر الذي يمكن أن يولّد بدوره توازن قوى جديداً ويخطّ مساراً جديداً في المنطقة. من الصعب معرفة ما إذا كان هذا المسار سيحمل الخير أو السوء، ولمصلحة من سيكون. لكن ما نعرفه الآن هو أنه ثبت أن المسار القديم عصيٌّ على الإدارة من الأفرقاء، كما أن الوسطاء لا يستطيعون التحكّم به، والناس لا يتقبّلونه.