الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون.. ماذا عن روسيا وإيران؟

اللاجئون السوريون.. ماذا عن روسيا وإيران؟

29.09.2015
خالد الحروب



الشرق القطرية
الاثنين 28/9/2015
السؤال الأول: لماذا لم تفتح ولا تفتح روسيا وإيران بلدانها للاجئين السوريين، وكلا البلدين ولغ في الشأن السوري تحت مزاعم حماية السوريين من الإرهاب، وبرر إرسال قنابله وخبرائه بمسوغ مساعدة الشعب السوري في محنته؟ السؤال الثاني: لماذا لا يتوجه اللاجئون السوريون أنفسهم وبمحض إرادتهم إلى روسيا أو إيران، وهي الدول التي هبت لنجدتهم خلال السنوات الماضية فور اندلاع ثورتهم ضد الاستبداد الأسدي؟ لا يبحث هذان السؤالان الاستنكاريان عن إجابة هي واضحة لكل من يتابع المأساة السورية بقدر ما يسلطان الضوء على مفارقة مُمضة كبيرة تُضاف إلى مفارقات مواقف هاتين الدولتين. روسيا تقفل حدودها في وجه السوريين وربما الوصول للقمر أسهل لكثير من السوريين من الوصول إلى روسيا لو أرادوا التوجه إليها. روسيا أيضاً من البلدان غير الجاذبة أصلا بسبب تفاقم الشوفينية الروسية القيصرية وانبعاثها من القبور مع قدوم بوتين، وهي شوفينية يلحظها كل زائر، وتترجم عبر قوانين صارمة في الإقامة والعمل، ناهيك عن التجنيس الذي ربما يعد الأصعب منالاً في شمال الكرة الأرضية كلها. ولعدم وجود تكافؤ الفرص بين الأفراد بغض النظر عن خلفياتهم وجنسياتهم فإن روسيا ليست جهة مرغوبة للسفر أو العمل، بعكس الدول الغربية التي تتهكم عليها روسيا، والتي يرغب في الهجرة إليها كثيرون ومنهم روس أيضا.
إيران ليست بأفضل حالا بطبيعة الحال، ذلك أن الشوفينية الفارسية المُتصاعدة تكاد تنافس الروسية في انغلاقها على ذاتها وعدم تقبلها للآخر. والشيء المُفارق في الحالة الإيرانية هو قربها الجغرافي من سورية وبالتالي سهولة أن تكون جهة مطروقة من قبل اللاجئين السوريين. وبرغم إدعاء طهران الرسمي بأن إيران تفتح حدودها للسوريين، وهو إدعاء يحتاج إلى تحقق، فإن السوريين أنفسهم يديرون ظهرهم لها ويغامرون بأرواحهم ويلقون بأجسادهم في البحار والمحيطات عوض أن يصلوا لإيران بمخاطر لا تقارن مع تلك التي تواجههم عند توجههم لأوروبا.
إيران وروسيا مسؤولتان تاريخيا عن مئات الألوف من الضحايا السوريين الذين سقطوا خلال السنوات الماضية، سواء على يد النظام أم على أيدي الجماعات الإرهابية المتطرفة من داعش وأخواتها. وهما مسؤولتان عن تهجير ما يقارب من خمسة ملايين سوري إلى خارج بلادهم وأكثر منهم داخل بلادهم، فضلا عن إرجاع سوريا عقودا عديدة إلى الوراء عبر تدميرها التام. كل ذلك من أجل الحفاظ على حكم فرد واحد يحقق للدولتين ما تريدان من بسط البلاد بطولها وعرضها كحصير مفتوح للنفوذ الإيراني والروسي. والبلدان مسؤولان أيضاً عن أي تقسيم قد يحدث لسورية على رافعة إقامة وتأسيس "دولة الساحل العلوية" لتوفير قاعدة وجود دائمة للروس، وإطلالة دائمة للإيرانيين على البحر المتوسط. في خضم هذا الولوج "الاستراتيجي" في الشأن السوري والأرض السورية، وتحت لافتة الدفاع عن الأسد، يتحول الشعب السوري نفسه بملايينه إلى حطام يُداس تحت الأرجل. من يستطيع منه الهجرة والهرب لن يتأخر، فإما أن يلتهمه البحر أو تقذف بها الأمواج ميتا على شواطئها، والمحظوظون ينجون شبه موتى. يحدث ذلك ولا يراه الإيرانيون والروس ولا طبعا النظام في دمشق، وكأنه يحدث في كوكب آخر.
لا يكمن الخطر في لا مبالاة طهران وموسكو بملايين السوريين الذين لا يظهرون أساسا على شاشات رادارات الحسابات الإستراتيجية للعاصمتين، حيث ليس ثمة وقت للتفكير أساسا بقضايا هامشية و"تافهة" مثل لجوء ملايين إلى خارج سوريا، أو سقوط آلاف الضحايا. الضوء الأحمر يأتي من محاولة تبرير عدم استقبال إيران وروسيا للاجئين سوريين، وهو تبرير يكشف تفكيراً استئصالياً خطيرا كانت ترجمة نظيرة له قد حدثت في نطاق الاتحاد الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي خاصة في حرب بوتين النازية ضد الشيشان، وحدثت ولا تزال تحدث في إيران وإن كان بوتيرة أقل وحشية وأبعد عن الإعلام ضد كل المكونات غير الفارسية في إيران وعلى رأسها العرب على طول ساحل عربستان والداخل. ذلك أنه نسج وتناغم مع تجارب البلدين "الباهرة" في الإزاحة والإبادة الديموغرافية، يتصاعد حديث عنصري وإبادي يكرر بأن اللاجئين السوريين الذين أجبرتهم حرب النظام وحلفائه على ترك بلدهم هم أصلا من "اتباع" الجماعات التكفيرية أو المتعاطفين معها، ومن الذين لا يؤمنون بالعيش المشترك والتعددية الثقافية والدينية في سورية، وبالتالي فإن التخلص منهم شيء جيد ولا يجب أن يثير الشفقة ولا التحسر. وتبعا لهذا التفكير، إذا أضفنا الملايين السورية التي هجرت داخل سورية بعيدا عن مدنها وقراها وأريافها وأضفناها إلى معادلة "التحليل الإبادي" المذكور لوصلنا إلى نتيجة سريعة مفادها أن معظم الشعب السوري صاروا من اتباع الجماعات التكفيرية، ولا بأس من التخلص منهم، وإعادة تركيب سورية ديموغرافيا وجغرافيا.
بطبيعة الحال، وعلى خلفية البشاعة الطائفية والتقسيم الديني الحادث حاليا في قلب المأساة السورية، فإن استمرار سيل تدفق مئات الألوف من اللاجئين السوريين (اتباع الجماعات التكفيرية!) إلى خارج سورية يعني التأثير في التوازنات الديموغرافية وربما قلبها رأسا على عقب في بعض المناطق، مثلما يحدث في مناطق الساحل والمحاذية للبنان، وما حدث في القلمون ثم الزبداني أوضح دليل. خلاصة ذلك كله، أن التغول والاحتلال الإيراني الروسي لسورية يتم بأغلى الأكلاف على شعبها، وبأقلها على طهران وموسكو اللتين يأنف سياسيوها ويتكبرون على السوريين وآلامهم وهجراتهم ولا يبدون أدنى استعداد ولو تظاهري بتحمل جزء من مسؤولية الجريمة التاريخية التي أشرفوا على إنجازها