الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون.. مزيد من المعاناة وأخوات "أليكسا"

اللاجئون السوريون.. مزيد من المعاناة وأخوات "أليكسا"

19.12.2013
رشاد أبو داود


البيان
الاربعاء 18/12/2013   
يدللون الأعاصير العاصفة بأسماء أنثوية ناعمة، ربما ليخففوا قسوتها أو ليبطئوا سرعة الريح التي تقتلع الشجر والحجر وتسقط وابل المطر الأعمى، لا يفرق بين ناطحة سحاب وبين بناية أقيمت على عجل بأموال مسروقة، بين بيت من صفيح وبيت من حجر، بين ناس تعصر الهواء وتبيعه للناس، وناس لا يجدون متنفسا للحياة إلا بمساحة أجسادهم المتعبة.
"أليكسا"، إعصار بكل معنى الثلج والمطر والريح، ضرب شرق المتوسط، أغلق شوارع ومطارات وجسورا، هدم منازل وشقق جدرانا، وصفع أشجارا كانت تئن تحت ثقل برودة الثلوج. أما الخيام، تلك البثور في وجه الكرامة العربية، فحدث ولا حرج. لم يعد ثمة حرج وأنت تحت سقف بيتك ترى خلف الشاشة خياما تتطاير في مخيمات اللاجئين السوريين، عن أطفال يتجمدون بردا وعائلات تجري من تحتها المياه.. نفس المعاناة في مخيماتهم في تركيا والأردن ولبنان. تكالبت عليهم جيوش الجوع والوجع, نهشت أجسادهم أنياب الغربة وهدمت جدران أرواحهم آلام المنفى. لا وطن في الأفق يعودون إليه قريبا، ولا منفى في الدنيا كالوطن.
لكأن جراح السوريين كان ينقصها ملح الثلج، أو كان في مقدور أجسادهم أن تتحمل مزيدا من سياط الزمن. عبء على عبء على عبء.. لو أنهم كانوا حديدا لانصهروا، ولو كانوا أيوب لضاقوا بالصبر تحملا، فكيف حين يكون الوضع طينا تحتهم، ومطرا وثلجا فوقهم، وريح الغربة تخترق الروح قبل الجسد؟!
سوريا الوطن تبتعد أكثر فأكثر عن سوريا اللجوء والمنفى والمعاناة و.. حل الأزمة. لقد اختلطت الأوراق شر خلطة، وتغيرت أهداف ما يسمى بالثورة حسب بوصلة مصالح الدول الكبرى، إذ أن عدوا آخر أشد خطرا من النظام في الأراضي السورية الآن، عدو دخل تحت عباءة الثورة فمزقها وانقلب على الثورة. تسلل من العراق وأفغانستان والشيشان، ومن يعرف من أين أيضا! ليصبح مفصلا رئيسيا من مفاصل الأزمة السورية، ويجعل من سوريا قاعدة لـ"القاعدة".
التقرير الذي رفعه اللواء سليم إدريس للإدارة الأميركية عن حال المعارضة السورية، تحدث عن أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي ينضوون تحت لواء "داعش"، وعن قدرة التنظيم "القاعدي" على حشد عشرين ألف مقاتل آخرين، وصل عددهم مؤخرا إلى 45 ألفاً، أشدهم خطورة ودموية الشيشانيون الذين يقدر عددهم بـ250 مقاتلا، يقودهم أبو عمر الشيشاني، يأكلون ويشربون وينامون ويستيقظون، من دون أن تفارقهم الأحزمة الناسفة.
التقرير تحدث عن ممارسات "داعش" من قتل واعتقال ومطاردة، ومحاولات للاستيلاء على "المناطق المحررة" واستهداف الجيش، ليصل إلى إبداء الاستعداد لمقاتلهم والتعاون مع قوات النظام، بل وضم قواته إلى قوات النظام لمطاردة القاعدة، قبل أن يستدرك "بعد رحيل الأسد".
غير تقرير إدريس، ثمة سيل من التقارير والأخبار التي تتحدث عن "عودة عناصر ومجموعات من الجيش الحر" إلى حضن النظام، وأخرى تنفصل في اتجاه داعش والنصرة، وتقارير تتحدث عن "تعاون" و"تواطؤ" عسكري للجيش الحر مع الجيش النظامي، لتحييد مناطق أو تسليمها أو تسهيل دخوله لمناطق محررة، نكاية بـ"داعش" والنصرة وخوفاً من تمددهما.
لقد أصبحت القاعدة هي القوة العسكرية الأقوى من بين قوى المعارضة، التي لم تعد تسميتها "سورية" دقيقة. فأعضاء القاعدة ليسوا سوريين، لا بالجنسية ولا بالهوية ولا بالانتماء أو الهدف. فالقاعدة تنظيم تكفيري هلامي الشكل، غير واضح الهدف أو المعالم، والأهم التأسيس. ومنذ أن أعلن عن نفسه ومارس عملياته التي كان أبرزها تفجيرات 11 سبتمبر، لم يجلب التنظيم للإسلام سوى صفة الإرهاب وللمسلمين سوى الخراب والدمار، أما للغرب فقد قدم هدية على طبق من رقاب المسلمين، لاحتلال العراق ومحاولة زعزعة استقرار الجزائر ومصر والآن سوريا.
ولم نسمع يوما منذ تأسيس التنظيم، أنه جرح جنديا إسرائيليا أو قام بعملية حتى في مستوطنة، كي لا نقول تل أبيب. كما لم نر غيرة لدى القاعدة على الأقصى وهو تحت خطر الاختفاء بفعل الحفريات الإسرائيلية وعمليات الاستباحة، التي أصبحت ممنهجة ومبرمجة لجماعات متطرفين تحت حماية جيش الاحتلال.
بتعاظم قوة القاعدة لم يعد الحديث عن مؤتمر جنيف مجديا، سواء بحضور أطياف المعارضة كلها أو بعضها، بشروط أو من دون شروط، فالذي يقرر ما يجري على الأرض هو القوة، والطرف الأقوى الآن هو "القاعدة".
وليس مستغربا أن تتحول الأزمة السورية إلى تحالف بين النظام وبين الغرب بزعامة أميركا، ضد القاعدة. وإن حصل هذا فليعد ثوار الفنادق إلى أجنحتهم، ولينتظر اللاجئون السوريون مزيدا من المعاناة وأخوات "أليكسا"!