الرئيسة \  تقارير  \  اللاجئون السوريون: ملف ثقيل وتعاطٍ دولي خجول

اللاجئون السوريون: ملف ثقيل وتعاطٍ دولي خجول

02.12.2013
اللجنة السورية لحقوق الإنسان




طفل سوري لاجئ يُخرج رأسه من خيمته في الزعتري
يُعدّ ملف اللاجئين السوريين واحداً من أكثر الملفات الإنسانية خطورة في القضية السورية، نظراً للأبعاد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية الخطيرة التي يُخلّفها اللجوء على مجتمع اللاجئين وعلى ذويهم من غير اللاجئين، وما يتركه من آثار مماثلة على المجتمعات المضيفة، فيعطي هذا الانتهاك بُعداً دولياً وإقليماً، بخلاف بقية الانتهاكات التي يجري تجاهلها من المجتمع الدولي، والتي ينحصر أثرها على الإنسان السوري بصورة أساسية.
كما تُمثّل قضية اللجوء مُحصّلة لبقية الانتهاكات، حيث تُظهر بحجمها الكمي غير المسبوق في العصر الحديث مستوى الوحشية التي مُورست على الشعب السوري من قبل النظام، والتي دفعت ملايين الأشخاص للتخلّي عن بيوتهم والعيش في أماكن لا يصلح بعضها للعيش البشري.
وفي هذا التقرير سوف نستعرض الأسباب الرئيسية التي دفعت السوريين للهجرة، والأثر الذي يُخلّفه اللجوء على اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حد سواء، والتعامل الحكومي السوري مع قضية اللجوء، والتوصيات والنتائج التي يمكن استخلاصها.
ولن يتناول هذا التقرير قضية النازحين الذين غادروا مناطق سكانهم، لكنهم بقوا داخل سورية.
بداية اللجوء
بدأت مشكلة النزوح واللجوء في الأشهر الأولى للثورة عندما بدأت السلطات السورية باستعمال العنف المفرط تجاه المناطق المدنية، حيث استخدمت الأسلحة الثقيلة في اللاذقية ودرعا في نيسان/أبريل وأيار/مايو 2011، أي بعد حوالي شهرين من بداية الثورة، مما اضطر الأهالي إلى الانتقال إلى أماكن أخرى داخل محافظتهم أو إلى محافظة مجاورة.
إلا أن العنف المتزايد من طرف السلطة أدّى إلى تشكيل أول حالات الهجرة إلى خارج سورية، حيث سجّلت أولى حالات اللجوء في الأراضي اللبنانية مع بداية شهر مايو/أيار 2011، عندما بدأت قوات الجيش السوري هجومها الواسع على مدينة تلكلخ الحدودية، فانتقلت مئات من العائلات السورية إلى منطقة وادي خالد اللبنانية، والمحاذية لتلكلخ. ولم يعرف عدد تلك العائلات، نظراً لأنّ السلطات اللبنانية لم تقم بالإعلان عن أعداد هؤلاء اللاجئين، ولم يكونوا مسجلين كلاجئين مع أي منظمة دولية.
وفي 7/6/2011 سُجّلت أول حالات اللجوء إلى الأراضي التركية عندما وصلت بطريقة غير قانونية أول مجموعةٌ من 122 شخصاً، معظمهم من مدينة جسر الشغور إلى قرية كربياز كيو في محافظة هاتاي جنوبي تركيا، تزامناً مع الحملة الموسعة التي قادها الجيش آنذاك على مدينة جسر الشغور، واستخدمت فيها المروحيات بشكل مكثف.
ومع نهاية الأسبوع الثاني من شهر يونيو/حزيران 2011 كان عدد اللاجئين في تركيا قد وصل إلى 8500 شخص.
وقد دفع تسارع وصول اللاجئين السوريين إلى تركيا إلى بناء أول مخيم للاجئين في الأسبوع الأول من يونيو/حزيران 2011 ، وذلك في قضاء التن أوزو في محافظة هاتاي، بسعة 5000 آلاف شخص. إلا أن المخيم امتلأ في الأيام الأولى لإنشائه، حيث بلغ عدد الذين لجؤوا إلى تركيا في الأسبوع الثاني من ذلك الشهر 8500 شخص، مما استدعى بناء المخيم الثاني في منطقة يايلاداجي.
وتحدّثت التقارير الصحفية والحقوقية عن لجوء نحو 3000 سورية إلى الأردن في الفترة من شهر مايو/أيار-وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2011، وتحديداً من درعا، بعد الهجوم الكبير الذي شنّته القوات الحكومية على المدينة، إلا أن اللاجئين السوريين في الأردن لم يكونوا في ذلك الوقت متواجدين في مخيمات، حيث عمدت السلطات الأردنية إلى دفعهم للإقامة في شقق مع أقاربهم، أو من خلال شقق قدّمها بعض المحسنين، وخاصة في مدينة المفرق والرمثا الحدوديتين، وقد بقي الأمر على هذا الحال حتى افتتاح مخيم الزعتري بتاريخ 29/7/2012.
 
دوافع اللجوء
بدأت عملية اللجوء والنزوح بعد استعمال السلطات السورية للعنف المفرط في التعامل مع المناطق التي شهدت احتجاجات ضد النظام، حيث تمّ قصف هذه المناطق بشكل عشوائي، مما دفع الأهالي للفرار إلى مناطق أخرى في داخل مناطقهم أو في محافظات أخرى، أو اللجوء إلى دول الجوار.
لكن انتهاكات أخرى تمّ ممارستها بشكل ممنهج ساعدت في زيادة موجات اللجوء بشكل كبير، وتالياً سنعرض لأبرز الممارسات التي أدّت إلى موجات النزوح واللجوء التي شهدتها سورية منذ بدء الاحتجاجات في 15/3/2011 وحتى تاريخ إعداد التقرير:
العنف المفرط تجاه المناطق التي تشهد احتجاجات على الحكومة، حيث تم استخدام القصف العشوائي، واستخدام الأسلحة الثقيلة بكل أنواعها منذ الشهر الثاني للثورة، وما زال استعمالها مستمراً حتى اليوم، وبشكل مضطرد، وقد ارتبط اللجوء بشكل مباشر مع حجم العنف المستخدم ومدى استمراريته، حيث أدّى القصف المتواصل إلى وقوع خسائر مستمرة في صفوف المدنيين بشكل عشوائي، كما أدّى إلى تدمير الكثير من البيوت، ولم تعد صالحة للسكن، كما أصبحت الكثير من العمارات مهددة بالسقوط.
سياسة المجازر الممنهجة، حيث أدّت المجازر التي ارتكبت في محيط مدينة حمص ودرعا وحلب إلى موجات من النزوح في المناطق المجاورة لها، تحسباً من مجازر مشابهة.
سياسة الحصار الممنهج، والتي بدأ استخدامها منذ الشهر الثاني للثورة، عندما فُرض الحصار على مدينة درعا في 4/5/2011، تلاه الحصار على مدينة بانياس، ثم الرستن وتلبيسة، ثم استخدم على نطاق واسع بعد ذلك في حمص وريف دمشق وحلب. وقد دفعت هذه السياسة إلى زيادة معاناة المدنيين المعيشية، ودفعتهم للبحث عن مخرج من هذه المناطق المحاصرة.
سياسة الاغتصاب الممنهج، وخطف الفتيات، والتحرّش الجنسي من قبل عناصر الأمن والشبيحة، وهي سياسة تم استخدامها بشكل ممنهج في عدة مناطق، خلال عامي 2011 و2012، مما دفع عدداً كبيراً من العائلات لمغادرة سورية خوفاً من وقوع هذه الانتهاكات على أحد من أفراد أسرتهم، لما لهذا الأمر من حساسية بالغة في السياق الاجتماعي السوري.
سياسة التجنيد الإلزامي، واستدعاء الاحتياط، خاصة بعد صدور المرسوم رقم 104 لعام 2011، مما دفع عدداً كبيراً من الأسر للخروج من البلد خشية استدعاء أبنائها الذكور إلى الخدمة الاحتياطية، والتي أصبحت تشكل خطراً على حياة أولادهم من جهة، أو عدم رغبة آخرين بالخدمة في جيش يوجّه بنادقه نحو شعبه.
- الوضع الاقتصادي العام، والذي دفع الكثيرين إلى مغادرة بلدهم دون وجود خطر مباشر على حياتهم، نتيجة لتوقف حركة الاقتصاد بشكل عام، ووصول نسبة البطالة إلى 80% تقريباً، بالتوازي مع الارتفاع الكبير في الاسعار، وتوقف الخدمات العامة.
تعاطي الحكومة السورية مع ملف اللاجئين
عمدت الحكومة السورية إلى تجاهل مشكلة اللجوء مثل تجاهلها لبقية الانتهاكات التي وقعت على السوريين، ولم تصدر تصريحات أو مواقف رسمية توازي حجم هذه المشكلة، وقامت في العام الأول للأزمة بالتقليل من حجمها أو إنكارها بالكلية.
ففي بداية شهر يونيو/حزيران 2011 قالت ريم حداد مدير التلفزيون السوري آنذاك في مقابلة مع قناة BBC باللغة الإنجليزية بأن اللاجئين السوريين الذين ذهبوا إلى تركيا إنما هم في زيارة لأقاربهم هناك، وليسوا في حالة لجوء.
وفي 20/6/2011 قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في لقاء مع جيكوب كلينبرغر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن مئات العائلات التي هربت إلى تركيا من جسر الشغور قد بدأت بالعودة إلى بيوتها بعد استباب الأمن هناك على حدّ وصفه، رغم أن العمليات العسكرية لم تنته وقتها، ولم تسيطر الحكومة بشكل كامل على جسر الشغور منذ ذلك الحين. وقد عملت وسائل الإعلام السورية الرسمية ووسائل الإعلام الموالية لها على الترويج لهذا الخبر، باعتباره نهاية لمشكلة اللجوء.
وفي 1/10/2012 تحدّث وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن مشكلة اللاجئين السوريين لأول مرة بشكل مباشر، عندما قال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن بعض الدول تدفع الجماعات المسلحة لترهيب السكان في المناطق الحدودية، مما يدفعهم للهجرة إلى دول الجوار، ليتم وضعهم في أماكن وعرة أو قاحلة، من اجل استغلال محنتهم للحصول على المساعدات التي يُصرف جُلّها على غايات لا علاقة بالمبررات الإنسانية، وناشد في خطابه اللاجئين العودةَ إلى بلادهم، وقال بأنّ حكومته تضمن لهم الحياة الكريمة.
ولكن فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السورية أكّد في 5/11/2011 أن ما يسمى بمشكلة اللاجئين السوريين هي مشكلة مفتعلة لتبرير تدخل بعض الدول الإقليمية والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية في الشؤون السورية.


طفل يحاول الاحتماء من الثلج في مخيم الزعتري في الأردن
أوضاع اللاجئين في دول اللجوء
تختلف أوضاع السوريين اللاجئين من دولة أخرى، وفقاً لثلاثة عوامل، هي: عدد اللاجئين السوريين في هذه الدولة، وسياسة هذه الدولة تجاه الأحداث في سورية بشكل عام، وسياستها تجاه اللاجئين بشكل خاص، والإمكانيات المالية لهذه الدولة.
وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإنّ عدد اللاجئين إلى اليوم (20/11/2013) يبلغ 2244760 لاجئاً، منهم 824288 في لبنان، و553311 في الأردن، و521493 في تركيا، و202976 في العراق، و127733 في مصر.
ولكن أرقام المفوضية لا تشمل أعداد اللاجئين السوريين الذين يعيشون في دول الجوار دون أن يُسجّلوا كلاجئين، وخاصة ممن دخلوا إليها بطرق شرعية، خاصة وأن هذه الدول (بما فيها مصر حتى شهر يوليو/حزيران 2013) لا تطلب حصول السوريين على تأشيرة عبور، كما لا تشمل أعداد اللاجئين الذين انتقلوا إلى دول أخرى في المنطقة أو إلى بقية دول العالم، حيث يمكن أن يصل عدد اللاجئين السوريين إلى حوالي 5 ملايين شخص.
ورغم تواجد العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في لبنان، إلا أنّ لبنان لا تضم أي مخيم رسمي للاجئين، لكن مع ازدياد أعداد اللاجئين أصبحت هناك تجمعات عشوائية لمخيمات صغيرة يقدر عددها بالعشرات في مناطق مختلفة من لبنان.
ويحصل كل لاجئ مسجّل مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان على مبلغ 27$ شهرياً، ويحصل عدة آلاف من اللاجئين فقط على خدمة الإيواء.
ويسمح للطلبة السوريين بالدخول الى المدارس الرسمية اللبنانية مجاناً، لكنّ المشكلة تكمن في عدم قدرة المدارس الرسمية على استيعاب تستوعب عدد السوريين ممن هم في سن الدراسة، مما حدا بالحكومة اللبنانية للإيعاز بفتح دوام مسائي في حوالي 70 مدرسة موزعة على مختلف المناطق اللبنانية.
أما في الأردن، فيقيم معظم اللاجئين في مخيم واحد هو مخيم الزعتري، والذي تأسس في 29/7/2012، وتوفّر لهم خدمات الطعام والصحة والطبابة والتعليم في داخل المخيم، ويمكن للاجئين المقيمين خارج المخيم تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية، ويعاملوا معاملة الطالب الأردني. لكن المدارس الحكومية لم تعد قادرة على استيعاب العدد المتزايد من اللاجئين، مما حدا بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لاستخدام المدارس الحكومية في فترات مسائية، كما تمّ فتح مدرسة بحرينية وأخرى سعودية داخل مخيم الزعتري.
ويُعاني اللاجئون بصفة خاصة من ضعف الخدمات الصحية المقدمة لهم، وخاصة لذوي الأمراض المزمنة، مثل الفشل الكلوي والثلاسيميا.
وفي تركيا، بلغ عدد المخيمات 22 مخيماً، يبلغ عدد السوريين اللاجئين فيها حوالي 225 ألف نسمة، ويُعدّ وضع اللاجئين في تركيا من أفضل أوضاع اللاجئين في كل الدول.
وقد قامت الحكومة التركية بتوزيع بطاقات بنكية لكل اللاجئين، يتم وضع مبلغ شهري من قبل الحكومة التركية، بالإضافة إلى مبالغ خاصة موسمية (مبلغ خاص لملابس الشتاء، ومبلغ خاص لاحتياجات المدارس..)، وهي بادرة تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ التعامل مع اللاجئين في العالم.
أما بالنسبة للسوريين الموزعين على المدن التركية خارج المخيمات، فيُقدّر عددهم بحوالي 400 ألف سوري، وقد تمّ تمديد فترات الإقامة لهم، وهي الإقامة التي تمكّنهم من العمل، وتحمّلت الحكومة كل الغرامات المترتبة على المتأخرين.
كما وفّرت الحكومة الخدمات الطبية للسوريين في داخل وخارج المخيمات، كما غضّت النظر عن مدارس تم إنشاؤها (حوالي 60 مدرسة تقوم بتدريس المنهج الدراسي السوري المعدّل)، وتم دعم هذه المدارس بالقرطاسية والمستلزمات. كما قامت الحكومة بفتح مصحّات يقضي فيها المرضى الذين يُغادرون المستشفيات فترة نقاهة، حتى يكملوا استشفاءهم بشكل كامل، كما سمحت للأطباء السوريين بممارسة المهنة داخل المخيمات، رغم أن القانون التركي يمنع عمل الطبيب غير التركي على الأراضي التركية.
وبالنسبة للطلبة الجامعيين، فقد قدّمت الحكومة منحاً دراسية للطلبة السوريين للدراسة في الجامعات التركية، وسمحت للطلبة الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية من جامعاتهم باستكمال دراستهم في ست جامعات في جنوب تركيا.
أما في مصر، فلا توجد أي مخيمات للاجئين هناك، ويسكن هؤلاء السوريون في بيوت يقومون باستئجارها، ويقومون بأنفسهم بتأمين الموارد الكافية لحياتهم، سواء من خلال العمل، أو من خلال التحويلات التي يحصلون عليها من أقاربهم خارج مصر. كما أن بعض الجميعات الخيرية تساهم في دعم اللاجئين الذين لا تتوفّر لهم مثل هذه الموارد. حيث وفّرت بعض الجمعيات الخيرية مساكن للاجئين، فيما قدّمت جمعيات أخرى الطعام والألبسة والمساعدات المالية.
وكانت الحكومة المصرية السابقة قد أصدرت قراراً يقضي بمعاملة الطلاب السوريين كمعاملة الطلبة المصريين، وهو القرار الذي لم يصدر أي تعديل له إلى الآن، وقد ساعد هذا القرار في حل مشكلة التعليم المدرسي والجامعي للطلبة السوريين المتواجدين في مصر، رغم وجود عوائق بيروقراطية وإدارية تواجه بعض اللاجئين، نتيجة لعدم امتلاكهم للأوراق الثبوتية الكاملة.
ويواجه اللاجئون السوريون في مصر حملة تحريض من وسائل الإعلام المحلية منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، حيث اعتبرت الأطراف المعارضة له أن وجودهم في مصر قد حظي بدعم حكومته، مما يستدعي استهدافهم بعد إسقاطه، وهو ما تم توثيقه في تقرير خاص أصدرته اللجنة عن أوضاع اللاجئين السوريين في مصر، وقد أدّى هذا التحريض إلى تشكيل توتّر اجتماعي تجاه اللاجئين، وزاد من معاناتهم الحياتية اليومية، كما فُرض على السوريين الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر ابتداء من 8/7/2013.
ولابدّ هنا من الإشارة إلى أن عشرات الآلاف من السوريين وجدوا طريقهم إلى دول أخرى، مثل دول الخليج ودول المغرب العربي، كما أن كثيراً منهم يحاولون بشتى الطرق الوصول إلى أوربا والولايات المتحدة وكندا من أجل الحصول على اللجوء الإنساني والسياسي هناك. وقد سُجّلت في الأشهر الماضية عدّة حوادث غرق لقوارب كانت تقلّ لاجئين غير شرعيين كانوا يحاولون العبور إلى أوربا، كان آخرها في 25/9/2013 عندما غرقت سفنية قبالة السواحل الإيطالية، أمكن وقتها إنقاذ حوالي 700 لاجئ.
وقد أقامت عددٌ من الدول الأوربية معسكرات إقامة لمن يصل إليها من اللاجئين، حيث أقيمت مثل هذه المعسكرات في بلغاريا وإيطاليا واليونان، وتمّ توثيق العديد من الانتهاكات التي يتعرّض لها اللاجئون في هذه المعسكرات، وخاصة في إيطاليا، حيث يقوم حرس المعسكر بضرب اللاجئين بقسوة، وفصل الأطفال عن ذويهم، ومحاولة إجبارهم للعودة إلى بلادهم.
أثر اللجوء على المجتمعات المضيفة
يؤدّي اللجوء بشكل عام إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية في المجتمعات المضيفة، وهي مشكلة يُعنى بدراستها المختصون في مواضيع اللجوء، لما لها من أثر حيوي على اللاجئين والمجتمعات المضيفة، وحتى على المنظمات الدولية العاملة مع اللاجئين في هذه الدولة.
وقد أدّى تدفّق اللاجئين السوريين إلى دول الجوار بأعداد كبيرة، ولفترة طويلة من الزمن، قاربت عامين ونصف إلى الآن، إلى تفاقم العديد من الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول المضيفة، اختلفت من دولة إلى أخرى.
فمن الناحية الاقتصادية، شكّل وجود اللاجئين عبئاً كبيراً على الدول الأقل دخلاً في المنطقة (الأردن ولبنان)، واللتان تستضيفان حوالي مليوني سوري لوحدهما، كما أثّر على فرص العمل بشكل ملحوظ، نتيجة لدخول الكثير من اللاجئين إلى سوق العمل، وبأسعار تنافس العامل المحلي.
أما في العراق ومصر وتركيا، فإنّ قلة عدد اللاجئين مقارنة مع عدد السكان حدّ كثيراً من حجم هذه المشكلة، مقارنة مع الأردن ولبنان. ففي حين يبلغ عدد سكان لبنان حوالي 4 مليون نسمة، ويبلغ عدد سكان الأردن 6.5 مليون نسمة، يستضيف كل منهم حوالي مليون لاجئ سوري، بينما يبلغ عدد سكان مصر حوالي 85 مليون نسمة، ويبلغ عدد سكان العراق حوالي 35 مليون، تستضيفان معاً حوالي 400 ألف سوري، بينما يبلغ عدد سكان تركيا حوالي 77 مليون نسمة، وتستضيف حوالي مليون لاجئ سوري.
ولكن التأثير الاقتصادي الأبرز كان في قدرة الحكومة على تخصيص الموارد العاملة لدعم اللاجئين، وهو ما لم يحصل بصورة كبيرة إلا في تركيا، بينما تُرك العبء الأكبر في كل من لبنان والأردن على الدعم الدولي، رغم أن هذا الأخير لا يغطّي كل المتطلبات اللازمة، وخاصة المتطلبات على الخدمات العامة غير المباشرة، كخدمات التعليم والحماية والبنية التحتية.
وتشير التقديرات الدولية إلى أن النزاع في سورية سيكلّف لبنان على سبيل المثال 7.5 مليارات دولار بين عامي 2012 و2014، وفقًا لما صرّح به رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم خلال اجتماع مجموعة الدعم لأجل لبنان في 23/9/2013 الماضي، وأشار أيضاً إلى إنه بحلول نهاية 2014 سيبلغ عدد اللبنانيين العاطلين عن العمل 200 الى 300 الف ما سيضاعف نسبة البطالة لاكثر من 20%، وهو ما سيؤدّي إلى زيادة التوتر الاجتماعي، أما في الأردن فإنّ محافظ البنك المركزي توقّع في 28/10/2013 أن تنخفض نسبة النمو الإجمالي بمقدار نقطتين بسبب وجود اللاجئين السوريين في المملكة، كما أشارت دراسة أعدتها مجموعة أكسفورد الاقتصادية إلى أن المملكة شهدت ارتفاعاً في الأسعار نتيجة لوجود مئات الآلاف من اللاجئين فيها، رغم إشارة الدراسة إلى بعض الجوانب الإيجابية على الاقتصاد الأردني، مثل انخفاض نسبة البطالة، على عكس ما تشير إليه التقارير الصحفية التي تتداولها وسائل الإعلام الأردنية، فقد انخفضت نسبة البطالة في عام 2012 من 12.9% إلى 12.2%، بعد ضخ حوالي مليار دولار من قبل السوريين في السوق الأردنية، وهو الرقم الذي تتوقع الدراسة بارتفاعه هذا العام بمقدار 3% .
كما يثير وجود اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا إشكالات سياسية واجتماعية نتيجة لانقسام المواقف تجاه ما يجري في سورية، ففي لبنان تشارك قوات تابعة لحزب الله، الشريك في الحكومة اللبنانية، في القتال إلى جانب الحكومة السورية، وتقوم من خلال الأجهزة الأمنية التي تُسيطر عليها بالتضييق على اللاجئين واعتقالهم، مما يجعل من اللاجئين السوريين ووجودهم مصدر توتر سياسي واجتماعي فيها.
كما أن وجود اللاجئين السوريين في الأردن أصبح هو الآخر مصدراً للجدل الاجتماعي والسياسي، حيث يُعد اللاجئون السوريون موضعاً للنقاش اليومي، وخاصة بوجود نواب وإعلاميين موالين للنظام السوري، يقومون بالتحريض على اللاجئين، ونشر ثقافة الكراهية تجاههم، فعلى سبيل المثال قامت النائب في البرلمان الأردني ميسر السردية يوم 27/3/2013باتهام اللاجئات السوريات في الأردن بممارسة زواج المتعة وإدارة بيوت الدعارة .
وفي تركيا، تشكّل قضية اللجوء السوري في تركيا، وحجم المساعدات الحكومية للاجئين السوريين محوراً مستمراً لجدل سياسي واجتماعي، كما أن التنوّع الطائفي في تركيا، كما في لبنان، يترك أثره بشكل كبير على كيفية التعاطي الاجتماعي مع قضية اللجوء، وينعكس حتى في تعامل موظفي الحكومة والأشخاص العاديين تبعاً لتنوعهم الطائفي.
أما في مصر، فلم يؤثّر وجود اللاجئين السوريين بصورة كبيرة على المجتمع المصري، نظراً لقلة عددهم مقارنة مع عدد السكان من جهة، ولوجود نسبة كبيرة منهم من المقتدرين مالياً، لكن تقارير اقتصادية مصرية أشارت إلى ارتفاع في أسعار العقارات المخصصة للإيجار أو للبيع بسبب ضخ الأموال التي أحضرها هؤلاء، وكثير منهم من أصحاب رؤوس الأموال الهاربة من سورية.


أحد مخيمات اللجوء في تركيا
أثر اللجوء على حياة اللاجئين
يواجه اللاجئون السوريون في مختلف دول اللجوء العديد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تترك أثرها عليهم بصورة آنية أو بعيدة المدى، وهي آثار تختلف بحسب الدولة المضيفة من جهة، وبحسب الظروف الاجتماعية للاجئ (وجود أقارب مقتدرين، أو وجود أشخاص قادرين على العمل في مهن مرغوبة في البلد المضيف، أو امتلاك اللاجئ لوثائقه وشهاداته، وطبيعة الخبرات والثقافة التي يمتلكها اللاجئ، والتي تنعكس على قدرته على التأقلم الإيجابي مع الظروف غير الطبيعية الجديدة..).
ومن أهم ما يواجهه اللاجئون السوريون، مثلهم في ذلك مثل بقية اللاجئين حول العالم، مشكلةالتنميط الاجتماعي، المرتبط بالنظرة الدونية للاجئ؛ باعتباره شخصاً محتاجاً للمساعدة والدعم من جهة، وشخصاً يفتقر إلى شبكات الحماية الاجتماعية التي يكوّنها الأشخاص في بيئاتهم، وتغيب عنهم في حال خروجهم منها. وتزداد حدّة هذه المشكلة في ظل الهجمات الإعلامية والتصريحات السياسية التي يقوم بها مؤيدو النظام السوري في دول اللجوء، مثل لبنان ومصر والأردن، والتي تساعد في تكريس الصفات السلبية التي يطرحها هؤلاء المؤيدون، وخاصة ما يتعلق منها بالجانب الأخلاقي، نظراً لحساسية هذه الأمر في المجتمع العربية.
ويواجه اللاجئون مشكلة التعليم بصورة كبيرة، فرغم أن معظم الدول المضيفة تسمح قانونياً بضم تلاميذ اللاجئين إلى المدارس الحكومية، إلا أنّ المدارس الحكومية في هذه الدول -المكتظة أصلاً- لم تستطع استيعاب هؤلاء الطلبة، كما واجهت مشكلة ضم الطلبة الذين لا يحملون وثائق رسمية من مدارسهم في سورية، وهو حال معظم اللاجئين، مما أدّى إلى ضياع عام دراسي واحد على الأقل لكثير من الطلبة، وخاصة في تركيا ولبنان والأردن.
وفي تركيا واجه الطلبة المشكلة اللغوية، حيث لم يكن من الممكن دمج الطلبة في النظام التعليمي الحكومي، الأمر الذي استدعى إنشاء مدارس خاصة داخل المخيمات، أو تخصيص عام دراسي كامل لتعلّم اللغة التركية، وهو ما زاد من معدلات التسرب المدرسي لدى الطلبة اللاجئين.
ومما لا شكّ فيه، فإنّ انقطاع عشرات الآلاف من الطلبة عن التعليم سوف يترك أثراً كبيراً في المستقبل على جيل بأكمله.
كما يواجه اللاجئون مشاكل صحية، وخاصة في لبنان والأردن، حيث لا تستطيع الخدمات الصحية التي توفّرها الدولة والمنظمات الدولية تأمين جميع الخدمات التي يحتاجها اللاجئون، مما سبب في انتشار الكثير من الأمراض، وتسبب بعدد من الوفيات، خاصة مع وجود مشاكل حياتية واسعة، نتيجة لضعف الخدمات المقدمة، حيث لا تستطيع خيامهم مقاومة برد الشتاء ولا حر الصيف، في 4/12/2012 توفي ثلاثة أطفال في مخيم الزعتري بسبب البرد، وفي 9/1/2013 توفي طفلان بعد سيول غمرت المخيم.
كما يعاني اللاجئون السوريون في العراق ولبنان ومصر من مشكلات أمنية، نتيجة لقيام السلطات هناك باعتقالات تعسفية بحق اللاجئين، أو القيام بتسفيرهم بشكل تعسفي، أو اختطافهم من قبل ميليشيات كما حصل في لبنان أكثر من مرة، بعد خطف لبنانين قيل إنهم من المقاتلين إلى جانب النظام السوري.
ويواجه الأطفال في المخيمات في كل الدول مشاكل تربوية تؤثّر في منظومة القيم التي ينشأون عليها، حيث يلاحظ القائمون على المدارس في داخل المخيمات انتشار ظاهرة العنف بين الكثير من الطلبة، وعدم احترام القانون، بالإضافة إلى أثر إهمال المجتمع الدولي للقضية السورية بشكل عام، وقضية اللاجئين بشكل خاص، على انتشار ظاهرة التطرّف والأصولية بين اللاجئين، والسوريين بصفة عامة، وما سيتركه ذلك من أثر على المجتمع السوري في المستقبل.
التوصيات
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذا تشير إلى المخاطر والصعوبات الراهنة التي يواجهها اللاجئون حالياً، وإذا تشير إلى خطورة الآثار المترتبة على استمرار فترة اللجوء لأكثر من خمسة ملايين سوري، فإنّها تؤكّد على التوصيات التالية:
* ينبغي عدم فصل مشكلة اللجوء عن المسببات الأساسية التي دعت هؤلاء اللاجئين لمغادرة بيوتهم واللجوء إلى دول الجوار وبقية الدول، وبدون معالجة هذه المسببات من خلال وقف النظام المتسبب بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في داخل سورية فإنّ مشكلة اللجوء سوف تبقى في تزايد مستمر.
* ضرورة قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته التضامنية بصورة أفضل تجاه اللاجئين، خاصة وأنّه يتحمل المسؤولية عن تصاعد الانتهاكات الخطيرة التي أدّت إلى أزمة اللجوء، من خلال تجاهل المجتمع الدولي لهذه الانتهاكات، وعجزه عن القيام بأي موقف حقيقي وفعّال لوقفها.
* ضرورة بذل جهد أكبر من كافة المنظمات الحقوقية، المحلية والدولية، على توثيق الانتهاكات التي يتعرّض لها اللاجئون في مختلف دول العالم، والظروف الحياتية التي يتعرّضون لها، والتركيز بشكل خاص على معاناة الأطفال والنساء والجرحى وكبار السن.
* من المهم توثيق الشهادات الشفهية للاجئين من أجل توثيق الانتهاكات التي تعرّضوا لها قبل مغادرتهم لسورية، والتي دفعتهم للجوء، وتحمل الظروف المعيشية الصعبة في المخيمات، فتسجيل هذه الانتهاكات هام وضروري لسير العدالة الانتقالية، وهو حقّ للأجيال القادمة في سورية لمعرفة حجم الوحشية التي تعرّض لها المدنيون.
* ينبغي على الجهات السياسية في المعارضة السورية، وخاصة الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة، والحكومة الانتقالية المؤقتة، تسليط مزيد من الضوء على معاناة اللاجئين، وتخصيص موارد أكثر لتحسين ظروفهم المعيشية.
* تناشد اللجنة السورية لحقوق الإنسان كافة منظمات المجتمع المدني السورية والدولية تنفيذ مشاريع إنمائية وتعليمية موجّهة للاجئين، وخاصة الأطفال منهم، من أجل إكسابهم خبرات ومهارات حياتية تساعدهم على استثمار فترة اللجوء بشكل إيجابي، وتقدّم لهم أدوات لتجاوز هذه المرحلة لاحقاً.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
23/11/2013