الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون والجدل العقيم

اللاجئون السوريون والجدل العقيم

08.09.2015
منار الرشواني



الغد الاردنية
الاثنين 7/9/2015
فيما يتساءل البعض: "لماذا لا تتحمل دول الخليج العربية جزءاً من عبء استقبال اللاجئين السوريين؟"، يرد آخرون بالسؤال ذاته بشأن روسيا وإيران المتورطتين مبكراً جداً في المأساة السورية، حتى وصل الأمر الآن حد إرسال روسيا، بعد إيران السباقة إلى ذلك، ضباطاً وجنوداً يقاتلون إلى جانب بشار الأسد. بل وتُظهر بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والصادرة بتاريخ 25 /8 /2015 بشأن "خطة الاستجابة الإقليمية الإنمائية للاجئين السوريين"، أن دول الخليج العربية، الداعمة بشكل عام للمعارضة السورية، قدمت ملايين الدولارات للمفوضية (أكثر من مائة مليون دولار في حالة الكويت تحديداً). في المقابل، يقتصر الدعم الإيراني والروسي بشكل شبه كلي على الجانب العسكري لنظام الأسد؛ فلا يظهر اسم إيران على الإطلاق بين المانحين للمفوضية، بينما لا تتجاوز مساهمة روسيا هنا 300 ألف دولار.
لكن حتى بافتراض أن دوافعه إنسانية خالصة فعلاً، يظل هذا الجدل محض جدل عقيم تماماً. وبشديد وضوح ويقين، سيظل هدف اللاجئين الوصول إلى أوروبا الغربية، كما أستراليا ونيوزيلاندا، وصولاً إلى الولايات المتحدة وكندا، حتى في حال تحقق ما يبدو مستحيلاً تماماً؛ وهو قبول دول المنطقة وروسيا استقبال اللاجئين وتخفيف العبء عن دول الجوار السوري، لاسيما الأردن وتركيا ولبنان، أو على الأقل تغطية المجتمع الدولي كامل احتياجات المفوضية الدولية والدول المضيفة السابقة.
فبداهة أن اللاجئين يسعون بداية إلى النجاة بحياتهم والوصول إلى منطقة آمنة، وهو ما يتوفر فعلاً في الأردن وتركيا خصوصاً. لكن في مرحلة لاحقة، يبدأ هؤلاء بالبحث عن حياة يعيشونها، ولو بالحد الأدنى. وهنا تبدو خصوصية مأساة اللجوء السوري إلى حد كبير، والتي يتحملها حتماً نظام الأسد، مع حلفائه الإيرانيين والروس.
إذ كما هو معروف، أوقف هذا النظام إصدار جوازات السفر، وغيرها من الأوراق الثبوتية، لكل السوريين في الخارج (باستثناء الموثوق تماماً بولائهم)، منذ خروج الثورة عن سيطرته، رغم أن هؤلاء -بداهة- لا يقاتلون ضد النظام. وهذا الأمر لا يعني فقط الحرمان من التنقل، ولو للعمل والتعلم وسواهما، بل وايضا الحرمان من القدرة على ممارسة أبسط أشكال الحياة في بلد اللجوء الأول.
وإذا كان هذا النظام قد عاد إلى إصدار الجوازات الآن، فقد جاء ذلك تحت ضغط الأزمة المالية التي يعانيها، وبعد رفع الرسوم إلى أرقام فلكية بالنسبة للاجئين. وهذا يعني إمكانية عودة النظام إلى حرمان السوريين في الخارج من جوازات سفرهم وسواها من الأوراق الثبوتية، في أي لحظة يشعر فيها باستتباب الأمر له، وليعيد اللاجئين بالتالي حبيسي بلدان لجوئهم، بلا أدنى فرصة. والجميع يعرف تماماً (بمن في ذلك اللاجئون الجدد) أن الفارين من بطش نظام الأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومعهم أبناؤهم الذين ولدوا في الخارج، لم تبدأ سفارات "بلدهم" باستقبالهم إلا "بفضل" الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، بدافع خوف النظام أن يكون التالي بعد "بعث العراق". لكن ما إن اطمأن إلى فشل الغزو الأميركي حتى عاد إلى الانتقام من المواطنين السوريين في الخارج بالعودة إلى السياسات ذاتها القائمة على الإساءة والامتهان والترهيب الأمني، باعتراف بشار الأسد علناً في خطابه الثاني بعد اندلاع الثورة.
باختصار، ومرة أخرى كما يعرف الجميع، تؤكد تجربة عقود من حكم الأسد وحتى الآن، أنه لا يكتفي بتهجير السوريين، بل هو يطاردهم إلى خارج الحدود ما استطاع ذلك. ولذلك، يبحث اللاجئون عن "جنسية/ مواطنة" تحميهم منه حتى في الخارج، وهو ما يتوفر في الدول الغربية.
بالنتيجة، فإن بقاء الأسد لا يعني إلا تعميق مشكلة اللاجئين لدول الجوار وأوروبا على حد سواء؛ لاسيما وأن الحديث الآن عن الرغبة في خلق سورية "مفيدة" إيرانية أساساً، عرقاً وولاء.