الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون في أوروبا: بحث عن الاستقرار في النصف الآمن من الكرة الأرضية

اللاجئون السوريون في أوروبا: بحث عن الاستقرار في النصف الآمن من الكرة الأرضية

29.06.2020
حسام محمد



القدس العربي
الاحد 28/6/2020
جسدت انطلاقة الثورة السورية في ربيع عام 2011 مشهد خروج الشعب من عنق الزجاجة بحثا عن حريته وحقوقه المسلوبة، فكل مقومات الحياة بدت معدومة وأركان الحاضر مع المستقبل قد تخلخلت جراء الفساد والتسلط الحكوميين والحكم بلا قانون ومن دون ضوابط رغم توفرها، ليحول النظام البلاد بحلوله العسكرية إلى بحر من الدماء، وأفواج من الضحايا والمهجرين، وثق التاريخ مشاهدهم الأولى من دون معرفة نهاية الطريق، فترى السوريين اليوم وقد انتشروا في قارات الأرض بحثا عن حياة كريمة وعادلة، فيما كانت أوروبا رغم الملايين التي تعيش في دول الجوار السوري، هي المبتغى لنسبة كبيرة لمن هجرهم الأسد، فمنهم من ركب البحر ووصل ومنهم من ركب البحر واختفى، وبعضهم حالفه الحظ فوصل دول الاتحاد عبر “فيزا اللجوء” وآخرون فشلوا  في الوصول لكنهم يحاولون دائما الوصول إلى “النصف الآمن من الكرة الأرضية” وفق ما وصف بعضهم سبب رغبته في الوصول إلى أوروبا.
الوصول إلى أوروبا لأي إنسان تعرض موطنه الأصلي لحرب مدمرة مثلما حصل في سوريا، هو حلم ومبتغى أول، وفق ما يقوله الإعلامي السوري الواصل حديثا إلى أوروبا منار عبد الرزاق، معتبرا، أن اللجوء إلى أوروبا يعود على اللاجئ المهجر قسريا من بلده، ببعض مزايا الاستقرار، منها الاستقرار “النفسي، والاجتماعي، والصحي والتعليمي”.
التهجير القسري
لم تكن أوروبا، هي أول محطة لجوء للسوريين، فكل سوري وصل إلى أوروبا، مر بعدة مراحل قبل ذلك، لا يمكن وصفها بأقل من المضنية من التهجير القسري، إلى النزوح مرات ومرات من مدينة إلى قرية ثم إلى الحدود داخل الجغرافية السورية، لتأتي الخطوة الثانية، وهي اللجوء إلى دول الجوار السوري.
سبع سنوات قضاها عبد الرزاق في تركيا، يقول عنها لـ “القدس العربي”: “الحياة هناك تجبرك على إيجاد فرصة عمل بغض النظر عن هويتها، وذلك بهدف تأمين الحاجة المادية، وبالتالي تحقيق استقرار الأسرة التي اتعبتها الحرب، فالسوري هناك – في تركيا- مضطر للعمل تحت أي ظرف كان” في المقابل، كانت تتوفر خدمات صحية وتعليمية تقدم للاجئ السوري من قبل الحكومة التركية، ولكنها لا تضمن الأمن العائلة للاجئ السوري على المدى الطويل.
دعم طبي والتعليم أولوية
يقول عبد الرزاق، أن أوروبا، تدعم اللاجئ السوري من الناحية الصحية منذ دخوله أراضيها، وذلك عبر تقديم خدمة التأمين الصحي الشامل لكافة أفراد الأسرة.
إضافة إلى توفير العملية التعليمية المتقدمة، والتي تُقدم للأطفال وبقية الفئات العمرية بشكل مجاني من عمر ثلاث سنوات في المدارس، لذلك فإن القطاعين الصحي والتعليمي في فرنسا “التي وصل إليها مؤخرا” أكثر مرونة من بقية الدول في تلك المجالات.
أما من ناحية العمل، ففي أوروبا، لديك إمكانية للبحث عن العمل الذي يحقق الأحلام والطموحات، وهنا – أي في فرنسا، اللاجئ السوري غير مضطر للقبول بأي عمل مجحف بحقه، حيث أن الحكومة الفرنسية تقدم “تعويض بطالة” لأي شخص لا يملك عملا، لذلك تبقى أوروبا “الخيار الأفضل للاجئ”.
اللغة والاندماج
حول أبرز الصعوبات التي تواجه اللاجئ السوري في أوروبا، فيقول المصدر لـ “القدس العربي”: عامل اللغة، والاندماج مع المجتمع الجديد المختلف كليا عن المجتمع السوري، إذ يحاول اللاجئ التكيف مع الواقع المغاير بكافة المعايير عن تلك العادات المتبعة في سوريا.
معتبرا أن اللاجئ، يشعر بغربة أخرى في أوروبا، وأن سوق العمل يحتاج إلى جهود كبيرة للوصول إلى الفرصة الأفضل كـ “الدخول في ورشات التدريب المهني للأعمال” وهي ورشات مدفوعة التكاليف، يمكنها أن تشكل مدخلا للحصول على عمل مناسب.
أما فيما يخص لم الشمل للعائلات السورية، فقد وصفها عبد الرزاق بـ “المتباينة والمتفاوتة” حيث أن إجراءات لم الشمل سابقا، كانت تحصل بمتطلبات أقل تعقيدا، ولكنها مؤخراً باتت أصعب من السابق.
إضافة إلى المدة الزمنية الطويلة لحالات لم الشمل، وإلى إغلاق هذا الباب من قبل بعض دول الاتحاد الأوروبي، وهنا يحاول اللاجئ السوري إتباع عدة طرق لجلب عائلته، وفي غالبيتها تكون تلك الخطوات بالغة الصعوبة.
يتوزع اللاجئون السوريون في كافة دول الاتحاد الأوروبي، فيما تعتبر ألمانيا وفرنسا والسويد من أبرز الدول الحاضنة لهم أوروبا، أما تركيا فهي في صدارة الدول المستقبلة للسوريين بواقع قرابة 3.4 مليون لاجئ، وتشير دراسات متقاطعة إلى نزوح قرابة 14 مليون سوري من مدنهم وقراهم منذ عام 2011 وهو ما يشكل نسبة 60 في المئة من إجمالي عدد السكان في سوريا.
المأساة تتعاظم
منذ إنقلاب حزب البعث على الحكم في سوريا، والإنسان السوري أما مهجر أو معتقل أو مفقود، وكل ما ذكر يعد انتهاكا لحقوق الإنسان في حقه بالعيش الكريم ضمن حدود وطنه.
ما بعد الثورة على النظام السوري في آذار/مارس 2011 بدأت تتعاظم مأساة السوريين، حسب ما قاله السياسي السوري درويش خليفة، معللا ذلك بطبيعة وسياسة النظام، وبدأ السوريون يستشعرون مدى حجم إجرامه وقبضته الحديدية التي مارسها في الماضي على مناهضيه في حماة وحلب وجسر الشغور.
ولكن ما أفقد السوريين صوابهم، ما بعد ثورة 2011 يكمن في تجاهل المجتمع الدولي معاناتهم وهم يشاهدون استفحال إجرام النظام القابض على حكم البلاد، حتى رأى العالم بمختلف تقنيات التصوير، طائراته ومدفعيته وهي تدك المدن والبلدات المناهضة للأسد، فتدمر المنازل فوق قاطنيها، من دون تحريك ساكن، رغم استخدامه كافة الأسلحة المحرمة من العشوائية إلى الغازات السامة والكيميائية.
منع اللجوء
لكن المستغرب بالنسبة للسوريين، وفق ما يقوله خليفة لـ “القدس العربي” هو تحرك الدول بوضعهم استراتيجيات أمنية واقتصادية في سبيل منع وصولهم لهذه الدول، إن كانت دولا عربية أو حتى غربية “دول اليورو”.
ومع اشتداد المعارك في الربع الأخير من 2012 حتى نهاية 2016 قبل أن تغلق تركيا حدودها الجنوبية، أصبح خروج السوري من حدود بلده غاية في الصعوبة، وبات يدفع كل ما يملك حتى يخرج من جحيم العيش في بلد تحكمه “فئة مجرمة” همها سلب المواطن ممتلكاته وأحيانا اغتصاب أبنائهم وهذا ما سمعناه مرارا ما بعد سيطرة النظام على حلب الشرقية في كانون الأول/ديسمبر 2016.
وفي الحقيقة تحملت دول الجوار العدد الأكبر من السوريين حيث يوجد في تركيا ما يقارب 3.5 مليون سوري يعيشون بمسميات قانونية متعددة أغلبهم يحمل “بطاقة الحماية المؤقتة-كمليك” ويتقاضون من خلالها 120 ليرة تركية تقارب 20 دولارا للشخص الواحد.
أما من يحمل الإقامة السياحية فمطلوب منهم تجديدها كل عام وفي العام الأخير بدأت السلطات التركية بمنحهم الإقامة السياحية كل عامين “وهي تعتمد على الحظ”.
معاهدة جنيف
تعد تركيا من البلدان الموقعة على معاهدة جنيف الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967. والمعاهدة هي الوثيقة الدولية الرئيسية التي تُعرّف من يكون اللاجئ، وما حقوقه/ها، وما واجبات الدولة المستقبلة للاجئين.
إذ تتميز سياسة اللجوء التركية بخضوعها للتقييدات الجغرافية لمعاهدة جنيف، كانت تركيا أصلا قد قبلت بالمعاهدة مشروطة بقيدين، زمني وجغرافي: تمنح مكانة اللاجئ فقط للأشخاص الذي صاروا لاجئين نتيجة أوضاع حدثت في أوروبا وقبل 1951 حصرا. ومع تبني بروتوكول 1967 رفع القيد الزمني، وبقي القيد الجغرافي (فقط من أوروبا) أي القادمين من حدودها الجنوبية لا تشملهم سياستها تجاه اللاجئين. وبالتالي ليست ملزمة بمنح السوريين حق اللجوء.
معاناة في دول الجوار
في الأردن يواجه السوريون من وجهة نظر خليفة، مصاعب قانونية عدة أبرزها تسجيل الولادات وعقود الزواج والأوراق الثبوتية. والأعداد هناك مقارنة بعدد سكان الأردن تعتبر مرتفعة جدا إذ يوجد 1.3 مليون سوري، وهم موزعون بين مدن المملكة الهاشمية وفي مخيم الزعتري الشهير بعدد قاطنيه.
أما في لبنان، فالسوريون هناك باتوا ورقة تتقاذفها القوى السياسية للهروب من مشاكلهم الداخلية لا سيما مع تدهور الاقتصاد وحصولهم على حصة من عقوبات قانون قيصر مؤخرا، بسبب سياسات حزب الله خارج حدود لبنان.
والمعاناة تزداد سوءا، بسبب ارتباط الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد السوري المنهك جراء فاتورة الحرب وشلل الحركة التجارية.
وفي نهاية المطاف الأكثر حسدا من السوريين من أقرانه اللاجئين تتمثل في من يصلون القارة العجوز حيث قوانين اللجوء واضحة ومحددة مسبقا مع معيشة توازي معيشة المواطن، وحتى يحق لمن ذهب بمفرده أن يلم شمل عائلته حسب قانون كل دولة والمدة المخصصة لذلك.
وما تعلمه المنفيون السوريون من التجربة، أن اللاجئ ورقة سياسية مهمة توضع على الطاولة حين الطلب وهذا ما يخالف القوانين والتشريعات الدولية ولكن.