الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون في العراق

اللاجئون السوريون في العراق

31.03.2014
عارف حمزة


المستقبل
الاحد 30/3/2014
بعد الجمهورية التركية، يأتي إقليم كردستان العراق كثاني أفضل مكان استقبل اللاجئين السوريين، منذ الأشهر الأولى للنزوح الجماعيّ، بسبب آلة القمع الوحشيّة للنظام السوريّ. وفي كلّ الأحوال، كلّ الدول المجاورة لسوريّا، والتي استقبلت ما يزيد على الخمسة ملايين نازح سوريّ، بينما عددهم في سجلات المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يُقارب الثلاثة ملايين نازح، تعاني من صعوبات مختلفة، بسبب العدد الهائل من النازحين، وبسبب عدم جهوزيّة تلك الدول لاستقبالهم وإغاثتهم من جهة، وبسبب الضغط الكبير الذي تعانيه المنظمات الدوليّة في توزيع جهودها ومعوناتها بشكل صحيح. وكلّ تلك المعاناة، حصلت بسبب عدم توقّع نزوح تلك الأعداد الهائلة. كما بسبب أنّ كلّ دفقة من النازحين لا تكون بأعداد قليلة؛ فعلى سبيل المثل دخل إلى لبنان خلال عشرين يوماً من شهر شباط لعام 2014 ما يُقارب الخمسين ألف لاجئ. وهذا العدد يبقى ضخماً جداً على القدرة الاستيعابية خلال أسابيع، وليس خلال ساعات كما هو مطلوب في الحالات الاعتياديّة. أو كما حصل مع نزوح أكثر من ثلاثين ألف شخص خلال ثلاثة أيّام إلى كردستان العراق.
كرد فقط
لا يستقبل إقليم كردستان العراق حاليّاً سوى اللاجئين السورييّن ذوي الأصول الكرديّة. بالإضافة إلى الحالات المرضيّة الحرجة، مهما كان الشخص.
تفوح من هذه الحالة رائحة العنصريّة الكريهة، ويبرّر أحد المسؤولين عن ملف الإغاثة واللاجئين بأنّه "تمّ استقبال لاجئين من العرب السورييّن، إلا أنّه حدثت بعض التفجيرات، وتشكيل خلايا نائمة في المناطق الكرديّة، ما جعلنا نحترس من ذلك، ومن انتشار الاضطرابات أو حالة من الكراهية. وبعد الكشف عن تلك الخلايا النائمة، وهي قليلة ولا تمت لإخوتنا في سوريّا بصلة، وبعد منع دخول غير الكرد من اللاجئين، توقّفت تلك الحوادث نهائيّاً. إلا أنّ هذا لا يعني أنّنا غير مستعدّين لاستقبال الحالات المرضيّة الحرجة، التي تحتاج لعناية طبّية فائقة لأيّ لاجئ كان".
لتوضيح هذا المنع فإنّه لا بدّ من القول بأنّ هذا المنع لم يكن مطلقاً للعنصر أو الشخص العربيّ؛ فهناك الكثير من العائلات التي نزحت كان أحد الأبوين فيها غير كرديّ، ولم يتم منع تلك العائلات بالكامل بسبب ذلك. المنع الذي وقع على الأفراد، أو بالأحرى، غير المتزوّجين من العرب، ومؤخراً على العائلات العربيّة. ومن جهة أخرى فإنّ العائلات العربيّة لم تشهد حركة نزوح نحو المناطق الكرديّة في شمال العراق بكثافة؛ بل إلى الأنبار أو إلى تركيّا.
لم يكن توجّه لاجئين سورييّن إلى الأنبار العراقيّة، على سبيل المثال، لعدم استقبالهم من معبر "سيمالكا" في إقليم كردستان العراق؛ بل بسبب نزوحهم من مناطق محاذية لمحافظة الأنبار (أكبر المحافظات العراقيّة، حيث تشكّل مساحتها ثلث العراق تقريباً) كقرى ومدن محافظة دير الزور السوريّة، بالإضافة إلى النازحين الآتين من مناطق الداخل.
مخيّمات ومساعدات غير متوازنة
هناك أربعة عشر تجمعاً دائماً وموقتاً لإيواء اللاجئين السورييّن في العراق، منها ثلاثة مخيّمات كبيرة موزّعة في مدن دهوك وأربيل والسليمانيّة، التابعة لإقليم كردستان العراق، ومخيم العبيدي في مدينة القائم التابعة لمحافظة الأنبار.
بلغ عدد اللاجئين السورييّن 227 ألف لاجئ مسجّل لدى المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، بينما تقدّر وزارة الهجرة والمهجّرين العراقيّة عددهم بما يُقارب 500 ألف لاجئ. إضافة إلى عودة ما يُقارب 150 ألف لاجئ عراقي كانوا قد لجأوا سابقاً إلى سوريّا، وعادوا إلى وطنهم الأم بعد استخدام النظام السوريّ للقوّة العسكريّة على نطاق واسع.
ما يُميّز الحكومة العراقيّة هو محاولة وضعها لخطط استباقيّة لاستيعاب اللاجئين الجدد، الذين قد ينزحون من الأراضي السوريّة. فهي دائمة البحث عن مصادر وأماكن جديدة لاستيعاب ما قد ينزح إليها من لاجئين. ولكنّها تضغط دائماً باتجاه أن يتحمّل المجتمع الدوليّ مسؤوليّاته تجاه معاناة اللاجئين السورييّن.
من جهتها تقوم حكومة الإقليم بتقديم مكان إقامة المخيّمات، وبحراسته من خلال أفراد "الأسايش" داخل المخيّم وحوله. وتساعد الفرق الطبيّة الخاصّة بالإقليم بتقديم بعض المعونات الطبيّة داخل المخيّمات.
المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين هي التي تشرف وتتكفّل تقريباً بكلّ شيء. فهي التي قدّمت الخيام، غير الجيّدة لمقاومة البرد الشديد في مناطق كردستان العراق، المعروفة بشتائها القارس. كما أنّها تشرف على منح الإقامات الموقّتة للمسجّلين على قوائمها، بالتعاون مع حكومة الإقليم. فمن دون وثيقة الإقامة لا يمكن للاجئ السوريّ أن ينتقل من مدينة إلى أخرى داخل الإقليم، وعدم منحها يمنعه من الحصول على المساعدات، إذا كان غير مقيم في المخيّمات، ويمنعه من العمل بشكل رسميّ. وفي الوقت نفسه، علينا القول، بأنّ منح هذه الوثائق سهل ولا يحتاج إلى روتين كبير.
المفوضيّة قدمت تجهيزات المخيّمات، من أغطية وفرش نوم وأدوات كهربائيّة للإنارة والتدفئة، كما تقدّم لكلّ فرد من العائلة شيكاً شهريّاً بقيمة 31 دولاراً لشراء المواد الغذائيّة. وهذا المبلغ قليل جداً سواء بالنسبة للفرد أم العائلات الكبيرة. هذا المبلغ لا يُقدّم فقط للمقيمين في المخيمات؛ بل يمنح كذلك للاجئين السورييّن الذين استأجروا بيوتاً، ولم يُقيموا في المخيّمات. بمعنى آخر، إنّ كلّ لاجئ سوريّ مسجّل لدى المفوضيّة وحاصل على وثيقة الإقامة يستحق "الأرزاق"، وهي المعونة الماليّة التي ذكرناها، وبعض المعونات الغذائيّة الأساسيّة والصحيّة، وكذلك الأدوات الكهربائيّة وبعض الفرش، من بطانيّات وحصر وسجاجيد، سواء كان مقيماً داخل المخيّمات أم خارجها.
انخفاض نسب النزوح وأفراح وأحزان
انخفضت نسبة النزوح إلى العراق بشكل كبير، حتى إنّ أشهراً مرّت لم نشهد فيها حركة نزوح نهائيّاً، ويعود ذلك لعدم وجود اشتباكات دائمة في المناطق المحاذية للعراق، كما يحدث من وحشيّة ودمار في مناطق أخرى أبعد. وكذلك تناوب إغلاق المعابر الحدوديّة سواء من الجانب العراقيّ أم من الفصائل المتغيّرة التي تتحكّم في الجانب السوريّ من المعابر.
يمكن للسوريّ العمل في العراق برواتب أقلّ من اليد العاملة العراقيّة، ولكنّها جيّدة بالمقارنة مع أسعار المواد الاستهلاكية الأقل ثمناً مما هي في بلدان اللجوء الأخرى. وكذلك هناك وفرة نوعاً ما في فرص العمل العضليّة واليدويّة. ولكنّ أصحاب المهن العلميّة، من أطباء وصيادلة ومهندسين... قد يجدون عراقيل كثيرة لمزاولة مهنهم الأصليّة.
لا توجد حوادث استغلال جنسيّ كثيرة في العراق، سوى حالات فرديّة قليلة تمّ قمع إحداها بإعدام الجناة في حادثة شهيرة وغريبة وقعت في كردستان العراق، مع اعتذار رسميّ لأهالي الضحيّة. كما أنّ هناك عدّة حالات تمّ فيها تزويج القاصرات.
في يوم ميلاد القائد مصطفى البرزاني، والذي يُصادف ذكرى محرقة حلبجة، في 15/3/2014 تكفّلت حكومة الإقليم بتزويج 120 شاباً وشابة في مخيم دوميز في دهوك، في حفل زواج جماعيّ، وتحمّلت حكومة الإقليم جميع مصاريف العرسان، من لباس وزينة وإقامة لليلة واحدة في الفنادق، إضافة لمصاريف الحفل.
في كلّ المناطق التي لجأ إليها السوريّون هناك امتعاض من قلّة المساعدات أو بطء وصولها أو أماكن تخصيص المخيّمات. ولكنّ اللاجئين السوريّين، وكذلك المسؤولين المحليّين في المخيمات، يشكون دائماً من تمييّز حاصل ضدهم مقارنة بأوضاع اللاجئين في باقي بلدان اللجوء.
هناك شكوى متصاعدة حول نقص الخدمات، من ماء ونقاط طبّية وحليب أطفال ومعالجة المعوقين، في جميع المخيّمات سواء في إقليم كردستان أم في محافظة الأنبار.
يظنّ اللاجئون العرب في الأنبار بأنّ وضع إخوتهم الكرد في كردستان العراق أفضل بكثير من وضعهم؛ لأنّهم يُدعمون من قبل بني جلدتهم في حكومة الإقليم. في الوقت نفسه يظنّ اللاجئون الكرد بأنّ وضع إخوتهم العرب أفضل بسبب التفاف العشائر العربيّة حولهم هناك.
كلّ لاجئ لا يشعر بالرضى لأنّه بالأصل فقد، ولو موقّتاً، أعزّ مكان على قلبه، ولأنّه يرى، طوال تلك السنوات الثلاث الثقيلة من المعاناة واللجوء، بأنّ أمر عودته ربّما يتطلّب سنوات وسنوات.