الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون في مهب التفسخ اللبناني

اللاجئون السوريون في مهب التفسخ اللبناني

15.09.2014
يوسف بزي



المستقبل
الاحد 14-9-2014
كذّابون.. الوزراء ومراسلو التلفزيونات ورؤساء البلديات والأحزاب وزعماء الطوائف والأجهزة الأمنية. كذابون ومجرمون. هؤلاء ليسوا "شباب المنطقة" ولا "لجاناً شعبية"، هؤلاء ليسوا فقط زعراناً ولا مجرد رعاع وحثالة. هؤلاء أنتم، نتاجكم النقي، عصارة ثقافتكم العنصرية الطائفية، الترجمة الأمينة لسياستكم ولتربيتكم ولغتكم وسلوككم.
 
كل قطعان الضباع الفاشية، التي انفلتت لتعتدي على السوريين في لبنان، أكانوا مقيمين منذ عقود أو عمالاً أو نازحين أو حتى زائرين، هي نفسها قطعان الشبيحة التي تطعن بالسكاكين عائلات عائدة من تظاهرة سلمية، هي نفسها قطعان توزيع الحلوى عند كل اغتيال أو مجزرة، هي ذاتها "المحلل السياسي" على التلفزيون الذي يهدد ويتوعد ويحرض وينز من فمه لعاب الكراهية، هي نفسها عصابات 7 أيار 2008 في غزو بيروت، هي عينها "القمصان السود" التي توعدت بتخريب البلد. هي هي التي تلهب سماء لبنان بالرصاص كلما ثرثر زعيمها على الشاشة. بل هي نفسها الجحافل التي تجتاح القرى والبلدات السورية، زارعة الموت والدمار مؤازرة نظام الإجرام هناك. وهي أيضاً ذاتها الغوغاء التي تقطع الطرق وتحرق الدواليب وتدمر الممتلكات العامة.
 
هؤلاء الذين اعتدوا على السوريين بحجة الانتقام للجنود اللبنانيين، هم أنفسهم الذين أذلّوا ويذلون الجيش اللبناني منذ عقود. هم الذين أهانوا ويهينون الجيش اللبناني، ويحاولون إخضاعه كتابع أو كملحق هامشي في جيشهم الخاص ودويلتهم الخاصة. هم قتلة فرانسوا الحاج وسامر حنا ووسام عيد ووسام الحسن، وهم الذين يطلقون صواريخهم التحذيرية على بعبدا، حين يحاول الرئيس أن يكون رئيساً حقاً. هم الذين منعوا الجيش من الذهاب إلى الحدود الجنوبية لأكثر من عشرين عاماً، وهم قبل ذلك الذين قسموا وشقّوا الجيش، وحاربوه وطردوه من مناطق شاسعة من لبنان، ليمكّنوا جيش حافظ الأسد من احتلال لبنان وتركيعه. هم الذين يشيّدون المربعات الأمنية المحظورة على الجيش. بل هم الذين يحظرون على الجيش أن يسيطر على الحدود الشمالية التي يستبيحونها، ويأمرونه أن ينحشر فقط في عرسال، كي ينفذ لهم مشيئتهم ومشيئة بشار الأسد.
 
هؤلاء ليسوا غوغاء، ليسوا زمرة غاضبين انفلتت غرائزهم، هؤلاء لهم "حركتهم" و"حزبهم" و"تيارهم"، لهم وزراؤههم ونوابهم وتلفزيوناتهم وجرائدهم، لهم "بيئات حاضنة" باتت توزع المناشير: الذبح مقابل الذبح. لهم مذيعات أنيقات يطلبن من الشتاء والجليد أن يميت النازحين السوريين برداً، في خيمهم، بوصفهم "خونة" (خانوا ماذا؟).
 
هذه القطعان المسلحة التي تنتظر ساعة الصفر لتستبيح وسط بيروت، نهباً وحرقاً، تماماً كما فعلت عام 1976، ليست هي وحدها الموتورة عنصرياً، والحاقدة على كل آخر ومختلف، فثمة أيضاً "الطائفيون" الذين تقطر أرواحهم سماً وضغينة واحتقاراً لكل من ليس من ملّتهم، الذين باسم "خوفهم" يتمنون إبادة كل "غريب"، المتعصبون بثقافتهم التمييزية والطبقية وتشاوفهم الأجوف، وأوهامهم عن "التمايز"، الذي تحول إلى انحطاط مدقع، إلى حد "التحالف" و"التفاهم" مع ميليشيات الدراجات النارية، التي تجول بحثاً عن ضحاياها من عمال وعابرين.
 
عنصريونا ليسوا فتيان الأحياء الجهلة، هم أيضاً مستعبدو عاملات المنازل الأجنبيات، هم قوانين الدولة اللبنانية التمييزية بحق الفلسطينيين (وهيهات أن نجد متسعاً لتاريخ عنصريتنا مع الفلسطينيين)، هم رؤساء بلديات يفرضون حظر التجول على من هو ليس لبنانياً (بأي قانون؟ بأي حق؟)، هم وزراء يعقدون المؤتمرات الصحافية لطرد النازحين ودفعهم إلى الموت. هم الصحافيون الذين يحرضون "على كل لبناني أن يقتل سورياً"، تماماً كشعار السبعينات "على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً". وما إن يبدأ القتل حتى يتسابق اللبنانيون لذبح بعضهم البعض، في جحيم عنصري طائفي مذهبي مليء بالدماء.
 
انطلقت وحوش العنصرية في الضواحي وفي القرى والبلدات وشوارع العاصمة، مستجيبة لدعوات مباشرة وغير مباشرة من الإعلام ومن قادة سياسيين، مطمئنة لغض النظر أو التشجيع أو الصمت الذي لجأت إليه الحكومة والأجهزة والأحزاب، وملبية على الأرجح رغبات زعماء، باستطاعتهم أن يعبئوا أو يصرفوا عشرات الآلاف من المستنفرين بحركة إصبع واحدة.
 
هؤلاء، الذين في الشارع وأولئك القابعون في مقرات قياداتهم، شركاء نظام بشار الأسد في حملة قتل وترويع وإخضاع الشعب السوري كله. إنهم الذين ينكرون على السوريين حرية وكرامة، ويريدون تأبيد مذلته وانسحاقه تحت نير الاستبداد، كي تبقى صورة السوري الذي يحتقرونه، صورة الخائف والمهان من رجل المخابرات، تماماً كما خبروا هم في لبنان لثلاثين عاماً. شركاء نظام يعرفون أكثر من غيرهم قذارته وسفالته وإجرامه ويريدونه مؤبداً في الوقت ذاته، متسلطاً على شعبه. يحبون هذه الصورة لأنها تمنحهم أسباب حقدهم العنصري، تماماً مثلما كرهوا "انتفاضة الاستقلال" عام 2005، طالما أنها تكشف تبعيتهم الذليلة في نظام الوصاية الذي اعتادوه.
 
هؤلاء الذين اعتدوا على مواطنين سوريين لم يثأروا لـ"كرامة الجيش وشهدائه"، فبفعلتهم هذه إنما وجهوا صفعة المهانة والإذلال والعار للدولة التي تبدو عاجزة عن حماية المقيمين على أراضيها، عاجزة عن فرض القانون، عاجزة هي وجيشها في الحفاظ على كرامة الجنود، وفي القصاص من المجرمين، قتلة الجنود. هؤلاء العنصريون يلحقون العار بكل الشعب اللبناني، إذ يسبغون عليه صفات النذالة والاستقواء على الضعفاء، الكارهون للآخر.. هؤلاء أهرقوا ما بقي من كرامة للبنان وجيشه ومواطنيه.
 
بوجود هؤلاء العنصريين، المذهبيين، العنيفين والمتعصبين، بوجود "رجالات دولة" من طراز ومن طينة الذي يبرر تلك الأفعال الشنيعة، وبوجود إعلاميين وأكاديميين يواظبون على خطاب الكراهية، وبوجود أجهزة أمنية "تتفرج" مبتسمة أمام صور التنكيل بالسوريين، بوجود مجتمع متهالك وممزق ومتخاصم ومحبط وضعيف يطارد مستضعفين...ما حاجتنا أصلاً لـ"داعش".