الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون لا يخدشون حياء

اللاجئون لا يخدشون حياء

28.01.2016
محمود الخطاطبة



الغد الاردنية
 الاربعاء  27/1/2016
لماذا يتم في هذه المرحلة بالذات تشويه صورة اللاجئين السوريين خصوصاً إلى أوروبا، ولاسيما المسلمون منهم، وتصويرهم على أنهم ذئاب لا تعرف الرحمة، ومتحرشون ينتهكون الحرمات؛ ويتم التدليل على ذلك بحادثة تحرش أقل ما يُقال عنها إنها فردية أقدم عليها البعض ليلة رأس السنة في مدينة كولونيا الألمانية؟
لماذا هذه الهجمة الشرسة ضد هذه الفئة، من قبل بلدان أوروبية، وآلاتها الإعلامية والصحفية، والكل يعلم علم اليقين، أنهم لا يريدون إفسادا بتلك البلدان التي لجأوا إليها؟
إن السوريين خصوصاً هاجروا من بلادهم إلى أوروبا، ليس للتحرش بالنساء أو ارتكاب سرقات، بل هربا من الموت والقتل الدمار الذي لحق ببلادهم، ولما تتمع به الدول الأوروبية من حرية طالما طلبوها، وطمعا بفرصة عمل لم يجدوها في بلادهم جراء الفساد والمحسوبية والواسطة.
لا أخلاق السوريين ولا ديانتهم ولا عاداتهم ولا تقاليدهم تسمح بأن يرتكبوا فعلا مشيناً كهذا. فالسوريون أكبر من أن يخدشوا حياء أو يرتكبوا فعلا قبيحاً يندى له الجبين، وإن كانت قلة قليلة قد تفعل ذلك، وبشكل فردي لا جماعي.
وقد يكون حدث شيء عكس ذلك، كأن يتحرش أوروبيون بلاجئات، لكن الآلة الإعلامية الأوروبية لا تثيره ولا تبرزه كحادثة التحرش بنساء ألمانيات. كما أن أخلاق وتقاليد السوريات لا تسمح لهن البوح بذلك أو تقديم شكوى خشية الفضيحة.
طالما سمعنا أن أوروبا تحدث فيها عمليات اغتصاب وتحرش جنسي على مدار أيام العام، وتكون في أوجهها خلال أيام الاحتفالات برأس السنة الميلادية، حيث تزداد أكثر من أي وقت آخر من العام. ونسبة عمليات الاغتصاب بدول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية مرتفعة، ولا تقتصر على مجرد بضعة لاجئين لا يمثلون دينا ولا قومية ولا دولة معينة، بل يمثلون أنفسهم.
وتشير دراسة للاتحاد الأوروبي إلى أن ما يزيد على 9 ملايين سيدة أوروبية وقعن ضحايا لانتهاكات جنسية، أي ما يعادل 33 % من النساء الأوروبيات. فلماذا الآن يطلق مسؤولون أوروبيون تصريحات بأنه لا يمكن التعايش مع اللاجئين، مع المطالبة بطردهم، لا بل عدم استقبال آخرين جُدد. وكأنهم يعتبرونهم ذئابا تأكل وتتحرش بنساء أوروبا؟ وخير دليل على ذلك ما تحدث به الرئيس التشيكي ميلوس زيمان، مؤخراً، عن أن اندماج المسلمين في أوروبا "مستحيل عمليا".
هل سبب ذلك ما أظهرته نتائج مراكز استطلاعات أوروبية حول "أسلمة" أوروبا خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الحالي، جراء ازدياد أعداد المسلمين في دول تلك القارة؟ هل بدأ الأوروبيون يتخوفون من أسلمة بلادهم؟ وإذ صح ذلك، لماذا كل هذا التخوف، وهم بلاد قانون وحريات والرأي والرأي الآخر؟
كان الأولى بالأوروبيين قبل أن يضيّقوا على اللاجئين الذين هربوا من ديارهم بحثاً عن الحرية وفرصة عمل ولقمة عيش، أو إغلاق الأبواب أمامهم، معالجة الأسباب الأساسية والجذرية للهجرة.
الآن، لا يمكن التعايش مع اللاجئ السوري، وبالأخص المسلم! وقد قامت دول أوروبية عدة بدعم التنظيمات الإرهابية، لا بل وسهلت دخول جماعات مسلحة إلى سورية، حتى أصبحت شبه مركز لقوى التطرف والإرهاب، وساهمت بموت مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين منهم وترميل نساء وتيتيم أطفال.
لا بل قبل ذلك كانوا وما يزالون يدعمون ويتبنون أنظمة دكتاتورية لا تقيم وزناً للحرية والإنسانية، ولا تحترم أفرادها ولا حتى تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم.
والأنكى من ذلك، يخرج أشخاص من أبناء جلدتنا، يعزون سبب حادثة التحرش بالألمانيات ليلة رأس السنة إلى دين السلام والرحمة ومبادئه، والإسلام من ذلك براء.
أوروبا "العجوز" هي المستفيد الأول والأخير من موجات الهجرة إليها، فدولها تعاني من ارتفاع نسبة "الشيخوخة" بين مواطنيها، وهي بأشد الحاجة إلى اللاجئين لكي يقوموا بإعمار تلك الدول وتحريك عجلة اقتصادها.