الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون والعلاقة التركية - الأوروبية

اللاجئون والعلاقة التركية - الأوروبية

13.03.2016
د. محمد نور الدين


الشرق القطرية
السبت 12-3-2016
أجلت القمة التركية - الأوروبية التي انعقدت في بروكسل أعمالها إلى الأسبوع المقبل لمتابعة البحث في ملف اللاجئين السوريين خصوصا.
لكن القمة لا يقتصر البحث في جدول أعمالها على هذه القضية بل يطال مسائل ذات أهمية بالغة وحساسة ومزمنة بين الطرفين التركي والأوروبي.
شكلت مشكلة اللاجئين أزمة لدول الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد الذي يفرض إجراءات قانونية صارمة لدخول أراضيه فيما يعرف بمنطقة شينجين، تعرض لما يشبه الاجتياح من جانب اللاجئين السوريين وغير السوريين. وقد بدأت المشكلة منذ بداية الخريف الماضي تقريبا عندما بدأت فجأة قوافل اللاجئين القادمين من تركيا برا وبحرا بالتدفق على اليونان ومنها إلى بلغاريا ومقدونيا وسائر دول الاتحاد.
لم يكن بالإمكان وقف هذا التدفق بالطرق الأمنية حيث إن ذلك كان سيشكل إدانة لمعايير الاتحاد في احتضان الهاربين من الحروب.
لكن استمرار هذا التدفق خصوصا أن غالبية، إن لم يكن كل اللاجئين، هم من المسلمين شكلت إحراجا لدول الاتحاد وقادتها الذين سيُسألون من قبل الناخبين لاحقا عن تفريطهم بالتوازنات الديموجرافية داخل الاتحاد. لذا ارتفعت صرخة بعض دول الاتحاد للحد من هذا التدفق بل أغلق بعضها الحدود بسواتر حديدية.
قمة بروكسل بين دول الاتحاد وتركيا حاولت أن تضع حدا لهذه المشكلة. تركيا طرف رئيس في المشكلة فمنها يخرج اللاجئون برا وبحرا. ووقف تدفقهم يتطلب معالجة من المصدر. من هنا بدأت المساومات بين الطرفين الأوروبي والتركي.
في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين لاجيء سوري ليس منهم سوى 250 ألفا في المخيمات. وحوالي مليونين ونصف المليون في لبنان وحده. وحوالي مليونين في الأردن. لكن وجود تركيا على حدود الاتحاد الأوروبي أتاح انفتاح المشكلة على أوروبا.
قبل أسابيع قرر الاتحاد منح تركيا 3 مليارات يورو لتركيا مقابل إبقاء اللاجئين في أراضيها. لكن هذا الحل لم يكن جذريا إذ استمر تدفق اللاجئين. وهنا بدأت المساومات بين الطرفين. استشعرت أنقرة أن المشكلة يمكن أن تشكل مدخلا لتحقيق مكاسب في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. فطرحت عناوين لا علاقة لها بمشكلة اللاجئين. من ذلك استئناف مفاوضات العضوية مع تركيا بعدما مر على تجميدها أكثر من ست سنوات بسبب رفض تركيا التعامل مع الموانيء والمطارات القبرصية اليونانية.
ومن مقترحات تركيا، إلغاء تأشيرات الدخول إلى منطقة شنجين لمواطني تركيا بحيث يمكن لهم الدخول والتنقل بحرية في دول شنجين.
وهذان المطلبان ليسا بهذه السهولة التي تظنها تركيا ويترتب عليهما الكثير من النتائج في الاتحاد الأوروبي. ومن ذلك تخوف أوروبا من تدفق كبير هذه المرة من جانب المواطنين الأتراك لا اللاجئين السوريين إلى دول الاتحاد وتكون النتيجة هي نفسها: آلاف بل عشرات بل مئات الآلاف من المسلمين يدخلون الاتحاد بطريقة شرعية لكنهم يبقون هناك بطرق غير شرعية أملا بالحصول على عمل وعلى الجنسية لإحدى دول الاتحاد. وهذا يكون حلا لجزء من مشكلة البطالة في تركيا نفسها لا في أوروبا.
ردود الفعل الأوروبية على المقترحات التركية كانت متباينة. وفي مسائل أساسية يتطلب اتخاذ أي قرار إجماعا ليواجه خطر السقوط. حتى مطلب إدخال لاجئين سوريين جدد محدودي العدد قابله رئيس وزراء المجر مثلا بالقول "إذا وافقت على ذلك فسوف يشنقونني لدى عودتي في ساحة بودابست".
أما مطلب استئناف المفاوضات فيواجه بمعارضة من فرنسا وآخرين. كذلك فإن إلغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك دونه شروط كثيرة أحصاها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بـ 72 شرطا!
لا يعارض الأوروبيون زيادة المساعدات لتركيا ولو كانت 3 مليارات يورو إضافية بشرط حصر وجود اللاجئين في تركيا وإعادة الموجودين الآن في اليونان إلى تركيا مع استضافة قسم محدود منهم. لكن الأمور لا تبدو مقبولة على هذا النحو من تركيا. قضية معقدة وتداخلت فيها عوامل كثيرة بل إن حلها لا يتعلق فقط بالطرفين التركي والأوروبي بل بكل العالم المطلوب منه إيجاد حل جذري لمشكلة اللاجئين وهو وقف الحرب وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وخلا ذلك فإن ملف اللاجئين سيبقى مفتوحا بين تركيا والاتحاد الأوروبي ولو توصلوا غدا إلى اتفاق شامل.