الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئ السوري وحالة الانتظار الدائمة

اللاجئ السوري وحالة الانتظار الدائمة

29.01.2020
رياض معسعس



القدس العربي
الثلاثاء 28/1/2020
يذكرنا كل شتاء قارس البرد، ووافر المطر و الوحل، بحالة اللاجئين السوريين تحت خيام واهية الحماية من عاديات الطبيعة. يحاول البعض تجييش الأحاسيس والمشاعر الإنسانية علها تتحرك بصور الأطفال المرتسم على وجوههم بؤس الحالة وقسوتها ومرارة العيش.
في هذا الشتاء التاسع للشتات السوري والتغريبة الكبرى تظهر جليا حالة الانتظار داخل " المخيمات الغيتو" في دول الشتات وخاصة في لبنان، وتركيا، والأردن. وتبرز الحالة بمآسيها أكثر سطوعا في مخيمات لبنان لأسباب متعددة تكمن فيما يسمى بحالة الاستثناء كما وصفها العالم الإيطالي جورجو أغامنين.
وحالة الاستثناء هي الحالة التي تتعطل فيها القوانين أو تهمل وتنزع خلالها المواطنية عن الفرد، فهو مجرد كائن ثقيل الوطأة على الدولة والمجتمع فلا تحسن التصرف بحالته عبر منح وجوده شرعية قانونية، أو حتى احترام القوانين الدولية المراعاة في هذا الشأن من تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
ويأتي اللجوء السوري إلى لبنان ليضيف حالة جديدة من التشرد بعد اللجوء الفلسطيني الذي لم يكن بأفضل حالا حتى بعد سبعين سنة من اللجوء القسري الذي يعامل فيه الفلسطيني كمعاملة الأجنبي، رغم أن تصريح وزير الخارجية اللبناني "حميد فرنجية" في حكومة رياض الصلح صبيحة موجة اللجوء الفلسطيني يقـول:
"سنسـتقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين مهما كان عددهم ومهما طالت إقامتـهم، ولا يمكننا أن نحجز شيئا عنهم، ولا نتسامح بأقل امتهان يلحقهم دوننا… وسنقتسم فيما بيننا وبينهم آخر لقمة من الخبز" لكن الواقع أن لقمة الخبز منعت عنهم بمرسوم رقم 17561الذي اقتصر ممارسة المهن على اللبنانيين وكذلك كل المراسيم التي حدت من حركتهم ومن وجودهم كلاجئين يحق لهم التمتع بأدنى حقوق الإنسان. بل إن تاريخ اللجوء الفلسطيني في لبنان مليء بالمآسي كمجازر تل الزعتر (التي قام بها حافظ الأسد) ومجزرة صبرا وشاتيلا، وحرب المخيمات.
 
قصف روسي سوري
 
اللاجئ السوري لم يسمع تصريحا مشابها لتصريح فرنجية في قسمة الخبز مع اللبناني. تصريحات السياسيين الذين تعتريهم الخشية من التواجد السوري فوق أراضي لبنان الذي ربما على المدى الطويل يغير من التوازنات الطائفية كون معظمهم من المسلمين السنة تسير باتجاهين:
الأول: التركيز على عودة اللاجئين إلى ديارهم.
الثاني: إطلاق صرخات العوز المادي المكلف لرعايتهم على المستوى الدولي لاستلام أكبر قدر من مبالغ الإعانات الدولية التي ليست بالضرورة ستستخدم في رعاية هؤلاء. واللاجئ السوري الذي لم يحدد وضعه قانونيا ويعامل كمعاملة أي أجنبي، وأرغم على التواجد في أمكنة خصصتها الدولة لإنشاء مخيمات انتزعت عنه صفة المواطنة خاصة هؤلاء الذين لا يمتلكون أوراقا ثبوتية كونهم هربوا بجلودهم لا يلوون على شيء خوفا على حياتهم وحياة أطفالهم من نظام يستخدم ضدهم كل أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيميائية وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم.
وهذه مشاهد تتكرر منذ سنوات تسع نشاهدها اليوم في قصف مشترك روسي سوري في إدلب.
هذا الوضع يضع السوري في لبنان في مواجهة مع السلطة الرافضة لوجوده وتصرح بكرة وأصيلا بأنها عازمة على طرده، وفئة تضمر ضغينة طائفية متراكمة، أو خشية إملاق، أو منافسة في مهن وصناعة، (خاصة وأن السوري يقبل بأقل الأجور فيقطع فرص العمل على لبنانيين لا يقبلون بمثل هذه الأجور)، فيسهل ارتكاب التجاوزات ضدهم، أو حتى الإجرام بحقهم في أكثر من موضع ومناسبة، فهل هناك من يحاسب شخصا ينتشل جثة طفل سوري من لحده من مقبرة لا تنتمي لطائفته؟
أو من يمنع دخول امرأة سورية حامل على باب مستشفى لتفارق الحياة مع جنينها لأنها لا تقوى على دفع التكاليف؟
أو من يطلق سبع عشرة رصاصة على سوري دخل منزلا " كسارق"، أو يطلق أغنية بكلمات عنصرية ضد السوريين اللاجئين؟ وهذا غيض من فيض.
اللبنانيون بمعظمهم في ثورتهم المستمرة اليوم عبروا عن موقفهم الصريح المدين لهذا الإجحاف والتعاطي مع اللاجئ السوري وهتفوا هتافا قويا وعاليا: "سرقوا الشغل ونهبوا الوطن وكبوها على اللاجئين، أهلا وسهلا باللاجئين" وهناك من أشار إلى الأموال السورية المنهوبة التي تكدست في البنوك اللبنانية ( قدرها البعض ما بين 15 و 25 مليار دولار ) ولا تسأل الحكومة عن مصدرها ومن أين جاءت هذه الأموال، ( كما يحاكم اليوم رفعت الأسد في فرنسا على أموال لا يعرف مصدرها)، لأنها مستفيدة من هذه الودائع التي تدعم العملة الوطنية وتدفىء جيوب علية القوم، لكنها لا تمنح قبس نار في خيمة لاجئ.
 
عودة اللاجئين
 
ترتبط عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بمجموعة شروط يجب توافرها من الجانبين اللبناني والسوري. فالجانب اللبناني لا يمكنه إرغامهم على العودة قسريا حسب كل القوانين الدولية المراعاة بهذا الشأن كون عودة اللاجئ مرهونة بعدم تعرض حياته للخطر، ويجب أن تكون طوعية. ولا بد أن يكون بمفاوضات بين الحكومتين السورية واللبنانية، كون النظام السوري لا يحبذ عودتهم لعدة أسباب:
إن عودة مليون ونصف المليون لاجئ سيضيف عبئا على النظام ماديا واجتماعيا خاصة وأنه يعاني من خانقة اقتصادية أودت بالليرة السورية إلى تدهور فلكي مقابل الدولار ( سعر الصرف وصل إلى 1200 ليرة مقابل الدولار الواحد، ومع بداية حكم حافظ الأسد كان سعر الصرف ثلاث ليرات بالدولار الواحد). كما يخشى أن يلتحق قسم من الشباب بالمعارضة المسلحة خاصة إذا أرغمهم النظام على حمل السلاح ضدها، أي ضد المعارضة.
 
إعادة الإعمار
 
ويرتبط عودة هؤلاء بإعادة الإعمار ( تقدر تكلفته بـ 250 مليار دولار) كون معظم منازلهم قد دمرها القصف العشوائي، فعودتهم ستكون من مخيم لاجئين إلى مخيم نازحين. وعودة لاجئ إلى منزله لا بد كما يشترط النظام أن يبرز شهادة ملكيته التي اندثر معظمها تحت الأنقاض، أو أن النظام أخفاها قصدا لامتلاكها وتجييرها لميليشيات جاءت من وراء الحدود لتحقيق تغيير ديمغرافي مقصود، خاصة وأن بشار الأسد قالها علنا بأن من فوائد هذه الحرب "جعلت الشعب السوري أكثر تجانسا" ويقصد أن الأقلية باتت أقل أقلية بعد التغريبة السورية الكبرى. ( يقدر عدد الهاربين من سوريا بنحو سبعة ملايين نسمة من أصل إثنين وعشرين مليون نسمة ويقدر عدد القتلى بأكثر من ستمئة ألف قتيل).
ثم إن السوري العائد لا يضمن إيجاد أي عمل أو مورد رزق في ظل الركود المفجع للاقتصاد وانخفاض سعر الليرة المريع، وازدياد نسبة البطالة، وتفاقم حالات الفقر بعد أن فقد السوريون نسبة كبيرة من القوة الشرائية لمكتسباتهم. في ظل هذه الأوضاع في بلاد اللجوء عامة ولبنان خاصة لا يتشجع اللاجئ السوري على العودة إلى وطن الداخل إليه مفقود والخارج منه موجود ويفضل حالة الانتظار التي ربما تدوم حتى الاحتضار.