الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الفلسطينيون كسوريين والسوريون كفلسطينيين

الفلسطينيون كسوريين والسوريون كفلسطينيين

03.02.2014
سمير الزبن


المستقبل
الاحد 2/2/2014
لطالما شعر اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بالاطمئنان النسبي لوجودهم فيها. وكانت حالهم من حال المواطن السوري صعوداً وهبوطاً. كانوا مندمجين بشكل كامل على المستوى الاقتصادي، ولم يكن عدد المتفرغين في اطار الفصائل الفلسطينية كبيراً في أوساط الفلسطينيين في سوريا، في أي وقت من الأوقات. حتى في الأوقات التي كان وجود الفصائل في سوريا قويا، وفعاليتها عالية، كان عدد المتفرغين في الفصائل محدوداًً.
لم يغترب الفلسطينيون في عيشهم بسوريا، فلم يعاملهم السوريون بوصفهم غرباء، ولم يشعروا أيضاً بأنهم سوريون، كانوا حالة من الاندماج والانفصال معاً. الاندماج لحد كبير على المستوى الاقتصادي، ولحد ما على المستوى الاجتماعي، والإنفصال على مستوى الحياة السياسية. فلم يتوقف اللاجئون الفلسطينيون السوريون عن المساهمة الفعالة في الحياة السياسية الفلسطينية، وإعادة تكوين الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة، منذ ما قبل ولادة العمل السياسي الفلسطيني في منتصف الستينات
شكلت الحياة في سوريا نموذجاًًً مقبولاً لحياة المنفى الفلسطيني، مقارنة بحالات أخرى أكثر تطرفا في اذلالهم، خصوصاً لبنان. وجدوا حالة احتضان شعبية سورية عالية التضامن، وصلت في الكثير من الحالات إلى الاندماج في الحياة السياسية الفلسطينية، فهناك الكثير من السوريين اختاروا الانضمام الى الفصائل الفلسطينية، وقدموا حياتهم من أجل فلسطين في صفوفها. كذلك هناك فلسطينيون اختاروا الانخراط في الحياة السياسية السورية وانضموا الى حزب البعث وحصلوا على امتيازات في هذا الاطار، وهناك من انتمى لأحزاب المعارضة ودفع ثمن ذلك سنوات طويلة من عمره في السجن. وفي الحالتين لم يكن الانتماء الفلسطيني الى قوى سورية ظاهرة تهدد العمل السياسي الفلسطيني وفعاليته، في الأوساط الفلسطينية، ولا كان الانتماء السوري الى الفصائل الفلسطينية، يدفع هذه القوى للتدخل في الشأن السوري، رغم التدخل السوري المستمر في الشأن الفلسطيني. ولا كان العمل السياسي لفلسطيني في صفوف المعارضة السورية، يعطي الفلسطينيين وزنا في تقرير السياسة السورية، التي لا يقررها سوى رجل واحد.
عانى الفلسطينيون في سوريا ما عانى المواطن السوري، سواء على مستوى الحياة والمتاعب الاقتصادية، أو على مستوى القبضة الأمنية التي حكمت المجتمع السوري، والتي شملت المخيمات بشكل طبيعي. فالمخيمات في سوريا لم تكن معازل أمنية كما هي المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني، التي لا تخضع للأمن اللبناني. في سوريا الموضوع مختلف، كل شيء تحت القبضة الأمنية، وما يخضع السوريون له من تدقيقات أمنية، يخضع الفلسطينيون له بالقدر ذاته. كان عيش الفلسطيني بشروط السوري يريح الفلسطيني، فلم يكن هناك تمييز ضد الفلسطينيين لأنهم فلسطينيون، كان القمع يشمل الجميع.
لم يخالط الفلسطينيون الشعور بالتهديد بالاقتلاع من سوريا، كان هناك احساس بالاطمئنان، رغم تحرك هذا الشعور الى حد ما، كلما تعرض تجمع فلسطيني للتهديد الاقتلاعي: الأردن في أحداث أيلول 1970، وفي لبنان قبل الوجود الفلسطيني المسلح، وما بعد اجتياح الاسرائيلي العام 1982، وفي الكويت بعد الاجتياح العراقي، وفي العراق بعد الاحتلال الأميركي. كان الاستقرار السمة البارزة لحياة الفلسطينيين في سوريا، وكانوا يعتقدون أن مسارا واحدا يمكن ان يجعلهم يغادرون سوريا، وهو مسار العودة الى فلسطين.
فجأة، تبين أن الثابت يمكن أن يهتز، وأن لا أساس حقيقياً له، فلا يمكن لوضع اللاجئ أن يبقى ثابتا، في الوقت الذي يهتز البلد التي يقيم فيه. لم يكن من الممكن ان يبقى الوجود الفلسطيني على حاله، في الوقت الذي تشهد سوريا صداما داميا في كل المناطق السورية، بفعل الاحتجاجات التي اجتاحت سوريا، وتم التصدي لها من قبل النظام بوحشية. امتد هذا الصدام من محيط المخيمات والتجمعات الفلسطينية الى قلبها، في تلك اللحظة التي توحدت فيها التجمعات الفلسطينية مع المحيط السوري بالتعرض الى القمع والقصف العنيف من المدافع والطائرات.
يكتشف اللاجئ، في حالة التهديد المباشر والداهم، انه لا ينتمي الى المكان المقيم فيه، أو هناك من يُفهمه ذلك، وهناك من يُذكره بذلك، ويطلب منه أن لا يتدخل، وأن ليس له الحق في التعبير عن رأيه في قضايا لا تخصه! عند ذلك يكتشف مرة أخرى هشاشة وجوده في المنفى. وأن الثبات وهم، وأن الاستقرار قناع مزيف لكارثة تنتظر عند أول انعطافة، أو في أول صدام. لذلك، كان الفلسطينيون أول من اتهم من قبل النظام، بأنهم يفتعلون الصراع في سوريا، سواء كان ذلك في درعا، أو في اللاذقية. بتمزيق المخيمات وتدميرها سكانيا وعمرانيا، فإن الوجود السابق للمخيم، لم يعد موجودا، ولن يعود الى ما كان عليه في المستقبل، كما أن سوريا التي كانت قائمة قبل العام 2011 لم تعد موجودة، ولن تكون في المستقبل. شكلت المأساة السورية فصلا جديدا من فصول الدراما الفلسطينية، لكنها هذه المرة مجدولة مع مأساة سورية تستعيد تاريخ التجربة الفلسطينية في الكثير من التفاصيل، ليس أولها التهجير والمذابح، وليس آخرها منافي احتضنتهم، وسرعان ما انقلبت عليهم. إن التاريخ السوري الراهن في جانب من جوانبه تكثيف حداثي وسريع للمأساة الفلسطينية. ما اختبره الفلسطينيون خلال أكثر من ستة عقود، جربه السوريون في أقل من ثلاث سنوات، إنها لعنة التاريخ السريع، مأساة فلسطينية متكررة، ومأساة سورية تحاكي المأساة الفلسطينية، فيحصل التآخي في الدم، في المعتقل، وفي القصف والقنص والبراميل المتفجرة، وصولا الى الموت جوعا في حصار وحشي يحصد الجميع ويذلهم.