الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الفلسطينيون والثورة السورية

الفلسطينيون والثورة السورية

28.06.2013
عبير بشير

المستقبل
الجمعة 28-6-2013
حتى الأمس، كان الفلسطينيون ينظرون إلى حسن نصر الله على انه المقاوم الأول للمشروع الصهيوني في المنطقة، وفي حرب لبنان 2006 كان الزعيم الشيعي العنيد - بالنسبة للشعب الفلسطيني في الداخل، أقرب ما يكون إلى أسطورة مرغت أنف الاحتلال الإسرائيلي في زمن الهزائم والتفريط العربي.
ولا نفشي سراً إذا قلنا، إن شريحة واسعة من الفلسطينيين - سواء من فتح أو حماس -، كانت تبدي تعاطفاً كبيراًً مع قوى 8 آذار وخياراتها، في مقابل فتور الدعم لخيارات 14 آذار، فقد نجحت الماكينة الإعلامية الضخمة لحزب الله ومن لف لفه، في تخوين وزندقة كل من يختلف معها، وتصوير المعركة السياسية في لبنان، على أنها معركة بين الحق والباطل، ومعركة بين العميل لأميركا وإسرائيل، وبين الوطني المقاوم صاحب البندقية والصاروخ في وجه إسرائيل، الذي يرفض المهادنة أو المساومة على حقوق وطنه وأمته مهما كلفه الأمر من دماء ودمار. من دون أي هامش للخطأ أو الاجتهاد ـ.
نجح السيد حسن نصر الله في تسويق نفسه عربياً وإسلامياً وفلسطينياً بالصوت والصورة المتحركة، وعلى وقع صواريخه التي طالت مدناً إسرائيلية، ورعد وزئير خطبه، على أنه صلاح الدين المنتظر القادم لتحرير القدس وفلسطين على عجل، في حين يتآمر عليه المتآمرون ويطعنوه بالظهر.
كما نجح حزب الله ببراعة، في القفز فوق أشواك الطائفية، والتحليق في فضاء الأمة العربية والإسلامية، ولم ينظر الشعب الفلسطيني لسلاح حزب الله على أنه سلاح طائفة، بل سلاح شرفاء وكيف لا!!! وقد طار الشيخ حسن بجناحي فلسطين والقدس ليدغدغ مشاعر الفلسطينيين من بسطائهم... - إلى مثقفيهم.
حتى الأصوات الفلسطينية القليلة، التي خرجت للتحدث عن المشروع الخفي لحزب الله، وعن ولائه المطلق لإيران وولاية الفقيه، وأن حزب الله لا يعدو كونه فيلقاً في حرس الثورة الإيراني، فيما فلسطين لا تعدو سوى - فاكهة كل المواسم - في السلة الإيرانية - والغيمة التي أينما سارت أنزلت مطراً وضاعفت من المحصول والغلال الفارسية، تمهيداً للحصاد الكبير على الساحة الإقليمية والدولية.
تلك الأصوات سرعان ما تلوذ بالصمت، حينما تجد نفسها تغرد خارج السرب، وتجد كل من حولها متجهماً وممتعضاً مما تقول... حديث الإفك.
ولكن في صيف 2007، حدثت هزة عميقة في الوعي الجمعي الفلسطيني، وحدث تبدل في المزاج الشعبي، حول ما يجري في لبنان من انقسام عمودي حاد واصطفاف مذهبي وسياسي، ولم يعد حزب الله يحظى بالتأييد الواسع والعام، بل بدأ الفلسطينيون بطرح شكوك وعلامات استفهام كبيرة حول رواية حزب الله وحججه واتهاماته للقوى اللبنانية الأخرى، ولا نبالغ إذا قلنا، بأنه حدث انقسام فلسطيني - فلسطيني حول الشأن اللبناني... فأنصار حركة فتح أصبحوا ميالين إلى قوى آذار14، بينما أنصار حركة حماس مؤيدين بقوة إلى 8 آذار.
ولكن لماذا هذا التحول!!! الجواب بمنتهى البساطة، لأنه في ذلك الصيف أي منذ 6 سنوات، حدث الانقلاب المسلح على الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة والذي تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية السادسة له واستولت حماس بالقوة على غزة ووجد الفلسطينيون أنفسهم يقارنون بين ما جرى ويجري، قبل الانقلاب وبعده في فلسطين، وما جرى ويجري في لبنان، ووجدوا أنفسهم أمام الرواية نفسها، والراوي نفسه، والسيناريو نفسه، والسيناريست نفسه.
واتضح بما لا يقبل التأويل، بأن كلا الطرفين، حماس وحزب الله... قارئان عند شيخ واحد، وخريجان في نفس المدرسة والجامعة... من حيث تخوين كل من يختلف معهم، ومحاصرته بأطنان من الاتهامات والفبركات الجاهزة بشأن العمالة والتواطؤ مع إسرائيل، وإتباع سياسة الصوت المرتفع - خذوهم بالصوت ليغلبوكوا - وغسيل الأدمغة و... و... و... و...
وعلى الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من كل التوجس، أبقى الفلسطينيون على نافذة متوسطة، ينظرون من خلالها على السيد حسن نصر الله، على أنه البطل والمقاوم ضد إسرائيل. ولكن مع تدخل حزب الله السافر في سوريا وسقوط القصير بأيدي مسلحي حزب الله، ومع إعلان نصر الله قتاله حتى النهاية مع قوات بشار الأسد، كل ذلك قلب الطاولة نهائياً بوجه حزب الله، وأدرك الفلسطينيون الوجه الطائفي لحزب الله، فلم يعد حزب الله، الحزب اللبناني - المقاوم والمحرر لفلسطين، بل أصبح الحزب الفارسي - الغازي والمحتل لسوريا... مع سبق الإصرار والترصد. حتى إن النخب الفكرية الفلسطينية، بادرت إلى إعلان أسفها وندمها، على أنها قامت يوماً ما بالدفاع عن حزب الله، وأحسنت الظن به.
يعرف الفلسطينيون، بأن قرار حزب الله ليس بيده، إنما في طهران، ولكن المشكلة، بأن حزب الله، لا يبدو وهو يحارب في سوريا بأنه ينفذ أوامر رؤسائه من غير حول منه أو قوة، بل إنه يبدو متحمساً لهذه المعركة، وهو يصور لنفسه وأتباعه، بأنها حرب ضد أميركا وإسرائيل... - مع العلم بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نصح بنيامين نتنياهو، بعدم التدخل في الصراع في سوريا، لأن بقاء الأسد ونظامه هو الأفضل لمصلحة الدولة العبرية ـ.
ويعرف الفلسطينيون أيضاً، بأن هناك ارتباطاً عضوياً بين حزب الله وإيران، وارتباطاً إستراتيجياً بين حزب الله ونظام الأسد، ولذلك يتفهم الفلسطينيون قيام حزب الله بدعم الأسد سياسياً ومعنوياً أو في الخفاء، ويتفهمون كذلك أن يدعوا الحزب ويبتهل ويصلي من أجل بقاء الأسد. ولكن أن يتدخل عسكرياً في سوريا عبر كتائبه ومجاهديه التي ما فتئ يعدها إلى تحرير القدس. وأن يتباهى بفعل ذلك، أن يلحق تلك الخطوة بمشروع الدفاع عن فلسطين فهذا لا يمكن تمريره على الشعب الفلسطيني، وهو يرفضه جملة وتفصيلا. - وسيندم حزب الله على ما أقدم عليه، لأنه بالتأكيد، وكما تدل عليه تطورات الأيام الماضية، سيفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل الدولي والعسكري المكثف، ففي كل الأحوال لن تسمح الولايات المتحدة والدول العربية بانتصار الأسد وحزب الله وإيران-.
حتى رفيق سلاح حزب الله، - حركة حماس - قد دانت بشدة، تورط حزب الله في المعارك في سوريا ورفعت في وجهه بطاقة حمراء، وصرح القيادي الحمساوي صلاح البردويل، عن رفض حركته التغطية على تدخل حزب الله في سوريا، وإعطائه صكوك الغفران. وحذر الحزب بأن شعبيته انهارت فلسطينياً وعربياً جراء ذلك.
أما بالنسبة لموقف القيادة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، والرئيس أبو مازن، فيؤكدون على ضرورة تحييد الفلسطينيين عما يجري في سوريا لأنهم تعلموا من تجارب الماضي. وفي الوقت نفسه فإن قلوبهم تتقطع على ما يجري في بلاد الشام، ويأملون إيجاد تسوية سياسية توقف نزيف الدم السوري، وتكسر دائرة العنف، وهم يعلنون بأنهم مع سوريا العربية الموحدة في ظل نظام سياسي ديمقراطي تعددي.