الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللعب على المكشوف في سوريا

اللعب على المكشوف في سوريا

21.09.2016
فايز الفايز


الشرق القطرية
الثلاثاء 20/9/2016
لم يعد هناك ما تخشاه روسيا والولايات المتحدة، التي صدّعت رؤوس العالمين بمباريات استعراض القوى السياسية والعسكرية، وتسجيل الأهداف في مرامي بعضهما البعض لتحقيق أكبر المكاسب وتحسين شروط تفاوضهما فيما يتعلق بالقضايا العالقة من الإرث القديم والنتائج الجديدة لتبدل السياسات الخارجية الأمريكية تحديدا، فقد ظهرت على السطح في ساحة الصراع السوري كل ما كانا يخفيانه من اتفاقات الشركاء السحرة، وبات واضحا مدى سخافة تفكير العرب الذين كانوا يظنون أن أوباما هو المبشّر بالخلاص، فظهر طباخ السمّ، ليعتذر مسؤوله عن مقتل جنود سوريين قتلة بالخطأ، فيما الشعب السوري يقتل كل يوم ولا أحد يعتذر، لا المتصارعين ولا النظام ولا داعش الأقوى ولا تجار الصفقات وباعة الأسلحة، ثم يريدون من جميع الدول العربية المجاورة المشاركة في حرب برية على الأرض لتكتمل خطة الاختناق وتركيع الاقتصاد وتجويع الشعوب وإنتاج ثورات غبية جديدة.
لقد كشف الأسف الشديد الذي أعلنته واشنطن وكذلك الحكومة الأسترالية عن استهداف الجنود السوريين بغارة لطائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالخطأ، كشف كيف هو التعاون الصامت ما بين الدول الكبرى لدعم نظام بشار الأسد الذي لا يقاتل تنظيم داعش، بل هو يقاتل الثوار والفصائل المناهضة له، فيما يضرب حصارا بشعا على المدن والبلدات التي لا تخضع لطاعته منذ سنوات، وعلى حلب مجددا بعد حصار حمص وإدلب من قبل، وفوق كل هذا اجتمع مجلس الأمن للنظر في "جريمة قصف جيش النظام بالخطأ"، وهو الذي لم يأخذ أي قرار لحماية الشعب السوري منذ خمس سنوات من الجحيم.
موسكو وعلى لسان الناطق باسم الخارجية الروسية ماريا زاخروفا اتهمت الولايات المتحدة بأنها تتواطأ مع تنظيم داعش، وقالت: "إننا نصل إلى نتيجة مروعة حقا للعالم بأسره: أن البيت الأبيض يدافع عن الدولة الإسلامية.. الآن لا يمكن أن يكون ذلك محل شك"، ما الذي نفهمه إذًا بعد هذا الاتهام الكبير من الشريك الروسي في الحرب ضد الشعب السوري؟
الواضح منذ سنوات نشوء تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية أنه يحصل على ما يريده من أسلحة هجومية ودفاعية ومدفعية ثقيلة وعربات مدرعة وناقلات ومساحات واسعة شاسعة في شرق سوريا ووسطها وشمالها وغرب العراق الحدودي مع سوريا والموصل دون أن يردعه رادع، وطيلة عامين مضيا ارتكب التنظيم الإرهابي جرائم لا تحصى ضد المدنيين والمقاتلين والخصوم، بل تعداه إلى زرع إرهابه في كل مناطق العالم العربي والأوروبي وقتل الأبرياء في كل مكان، دون خوف من أي قوة أممية أو أمريكية أو روسية أن تفتك به، وكانت غزوته الأولى ضد ثلاث فرق من الجيش العراقي المتهالك هي الأبرز في حصوله على أسلحة أمريكية ثقيلة من دبابات وصواريخ وراجمات، بل لا يزال السلاح والعتاد يصل له، رغم كل هذا الكذب الإعلامي الذي يتشدق به المسؤولون الأمريكان والروس.
إن توريط الدول العربية المحيطة لسوريا كالأردن في الصراع الدائر بالوكالة هو مهمة أخذها القادة الأمريكيون على عاتقهم منذ اشتداد الصراع واحتدام المعارك على الأرض السورية، وكذلك الضغط على المملكة العربية السعودية للمشاركة بقواتها في سوريا وتمويل الحرب هناك، ليس إلا خطة قذرة اتبعها الساسة الأمريكيون الذين اعتادوا الكذب في تصريحاتهم، فهم يخفون نواياهم ويغلفوها بالإعلان العالمي للسلام وإخضاع العالم لشروط التبعية، بينما هم ومنذ البداية لم يكونوا راغبين في تغيير النظام الحاكم في سوريا، والمعلومات المؤكدة أن إسرائيل أيضا لا تريد إطلاقا المساس بالنظام السوري الذي حافظ على أمن جبهتها العالية في الجولان طيلة سنوات.
لقد كانت رغبة الإدارة الأمريكية منذ البداية فتح جبهة حرب من الجهة الجنوبية لسوريا، وهذا كان يعني جرّ الأردن للمستنقع النتن في حرب يلفها الظلام، ولكن المعطيات على أرض الواقع أثبتت أن كل الشعارات الزائفة التي كانت إدارة أوباما ترفعها ليست سوى هراء وتدليس وشراء للوقت كي يتم الانتهاء من طبخ الاتفاق على البرنامج النووي مع إيران، وهذا ما تم رغما عن الدول العربية كلها، وبمباركة روسية وأوروبية، وهذا ما يتضح أخيرا بناء على بقاء تنظيم داعش قويا في أرضه المغتصب لها، وبقاء بشار الأسد على رأس النظام الفاشستي، وبقاء إيران متحكمة في السياسة والقيادة العسكرية بسوريا والعراق واليمن، فيما الرحيل هو مصير الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته الحاكواتي جون كيري.
لهذا وأكثر من هذا ومما نعرف ومما لا نعرفه حتى الآن، يجب على الدول العربية المعنية بالصراع في سوريا وعلى رأسها السعودية وشقيقاتها في الخليج والأردن، التوصل مبكرا إلى النتيجة الحتمية بعد السنوات الخمس الماضيات، والتي فهمها الرئيس التركي طيب رجب أردوغان على ما يبدو، وهي أن واشنطن وحلفاءها الغربيين لا يريدون تغييرا على النظام السوري العلماني، وستتحول سوريا إلى عراق آخر، ومصائرهم معلقة بالرؤية الإيرانية والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وهذا ما تدعمه الحقائق على الأرض وتؤيده روسيا التي تلعب دور الظهير الاستغلالي للسياسة الأمريكية.
كل هذه الصراعات والتدخلات ستستنزف الاقتصاد الخليجي عاجلا أم آجلا، وسيجدد الاتهامات الغربية ضد تلك الدول بدعم الإرهاب من جديد، ولن يكون قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، الذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي ضد المملكة العربية السعودية، إلا بداية عصر جديد لتدفيع الدول العربية السنية والمعتدلة ثمنا باهظا لسياساتها التي تماهت مع الرغبات الأمريكية طيلة عقود، ما يتطلب إعادة هيكلة للعلاقات بين دولنا وتلك الدول وبناء منظومة أمن واقتصاد لضمان تحصين الخليج العربي والأردن وفلسطين أيضا من تبعات ما سيحدث مستقبلا بعد أن أدار الجميع ظهورهم للرغبات سقوط الأسد وحلفائه.