الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المأزق من سوريا إلى فلسطين!

المأزق من سوريا إلى فلسطين!

21.10.2015
د. طيب تيزيني



الاتحاد
الثلاثاء 20/10/2015
إن الصراع القائم بين السوريين والقوى الأخرى المناوئة يحمل الآن، للمفارقة، طابعاً دينياً ظلامياً، راح يبدو وكأنه يسير جنباً إلى جنب مع صراع من نمط آخر، كان هو المهيمن والسائد في مراحل ما بعد الاستقلالات عن القوى الاستعمارية السابقة، ونعني به الصراع القومي بين معظم العالم العربي وبين الدول الاستعمارية ومن ضمنها إسرائيل خصوصاً. والأمر هذا خطير جداً، وربما يحتمل ما لا تحمد عقباه، بحيث قد يومئ إلى ما يمكن أن يُنتج اشتعالاً عالمياً، وبصيغة أكثر تخصيصاً، فإن ما يحدث راهناً وصل إلى قلب حرب باردة تذكّر، عملياً، بما كان موجوداً في العالم تحت عنوان هذه الحرب.
هذا أولاً، أما من طرف آخر، فإننا نتبين فيما يحدث من توافق ديني مع روسيا، ظهر أثناء لقاء الرئيس بوتين مع المرجعية الدينية الأرثوذكسية هناك، وكانت قد ظهرت سابقاً مع إيران، حين دخل "حزب الله" سوريا مترافقاً مع ما أعلنه حسن نصر الله، حين قال بأنه يفعل ذلك بهدف حماية المقدسات الدينية، فكأنما لم ينتبه نصر الله إلى أن عمر هذه المقدسات في سوريا من عمر بواكير الإسلام، ومن ثم، فمَن قام بحماية تلك المقدسات سوى الشعب السوري؟
وفي هذا السياق يشعر المرء بكثير من الأسى أن يكون اتفاق أو آخر عُقد بين الجيش الروسي وإسرائيل قبيل دخول الأول إلى سوريا من شأنه، أي ذلك الاتفاق، أن يصب في المرجعية الدينية المذكورة آنفاً بين الرئاسة الروسية والمرجعية الدينية الأرثوذكسية في روسيا.
والأمر يصبح أكثر تعقيداً وإشكالية، حين نضع في الحسبان ما يقوم به "داعش" وبعض المجموعات الدينية الظلامية هناك، من صب الزيت على النار، بحيث يضعنا أمام مركّب من المخاطر والمخاوف التي قد تؤدي إلى ما عاشه بعض البشرية تحت يافطة "الحروب الدينية المقدسة" في العصور الوسطى! إننا هنا لسنا أمام عملية قلب للاستراتيجيات القومية التي هيمنت عقوداً مديدة في معظم البلدان العربية وبلدان أخرى، بعد الحصول على استقلالاتها من الدول الاستعمارية كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا.. نعم إننا لسنا أمام ذلك فحسب، بل إن ما أخذ يتصدر المواقف السياسية والفكرية في المناطق المعنية راح يدرج في التبدل باتجاه تيارات دينية وفكرية ظلامية موغلة في ظلاميتها.
فالأمر لا يتصل بسوريا فحسب، بل راح يتعدها إلى الشعب الفلسطيني، ففي اللحظة التي يتحول فيها الصراع الفلسطيني العربي ضد المشروع الصهيوني، نضع يدنا على نقطة جديدة فيه، تتمثل في تحول المشروع الاحتلالي الصهيوني نفسه في فلسطين من دعوة إلى بناء "دولة إسرائيل الكبرى" إلى دعوة لتأسيس دولة يهودية صافية، ما يعني رفع شعار إخراج الفلسطينيين من تلك الـ"إسرائيل الكبرى" إلى وطن صافٍ ديناً وعرقاً وتاريخاً، مع الإشارة إلى أن هنالك من اليهود في مناطق كثيرة من العالم من يرفض ذلك ويدينه، ناهيك عن أنه يشترط خروج الفلسطينيين العرب من بلدهم فلسطين، حفاظاً على النقاء الديني العرقي لهم!
نحن لا نعيش أمام تزلزل المشاريع القومية في العقدين الأخيرين فحسب، وإنما هي دعوة جديدة عالياً لتحقيق مشاريع دينية ومذهبية في غاية الظلامية والوحشية، وحيث يكون الأمر كذلك، فإننا حينئذ لن نندهش من ظهور "داعش" وازدهاره في عدة مناطق وبلدان.
كم هو هائل وفظيع في خطورته الراهنة والمستقبلية القريبة، على الأقل، أن يأخذ ذلك مداه على نحو مفتوح، ومن ثم فإن المشروع القومي العربي، الذي عفره بعض دعاته المزعومين ولطخوه بالعار والدماء، سيلاحقنا خطوة فخطوة للتمسك به، ولكن مع إضافات حاسمة تتمثل خصوصاً في الديمقراطية والمدنية والنظام السياسي، الذي يقوم على الحرية والكرامة، ومبدأ التداول في السلطة، وأخيراً على العدالة والمساواة.