الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المؤامرات موجودة لكن أخطرها التي من داخل البيت

المؤامرات موجودة لكن أخطرها التي من داخل البيت

03.10.2013
طاهر العدوان


النهار
الاربعاء 2/10/2013
نشرت ال نيويورك تايمز تقريرا حول المخططات التي وضعتها مراكز دراسات وشخصيات امريكية وصهيونية منذ عام ١٩٣٧ لإعادة رسم الحدود الديموغرافية والسياسية لدول الشرق الأوسط خاصة المحيطة بفلسطين ، خرائط الغرض النهائي منها إقامة دويلات وكانتونات على أسس طائفية ومذهبية واثنية تجعل من اسرائيل الدولة الأقوى .
مثل هذا التقرير يعزز من نظرية المؤامرة التي تتداولتها النخب والأوساط السياسية العربية الحاكمة والتي خارج الحكم في كل مرة تتعرض فيها دولة او عدة دول لأحداث تهدد أمنها ووجودها . دائماً يستعان بذريعة ( المؤامرة الخارجية الصهيونية الإمبريالية ) لتبرير ما يواجهه العرب من هزائم في الحروب او فشل في استقرار الامن والحفاظ على الوحدة الوطنية .
بالطبع هناك مؤمرات تتعرض لها الشعوب عندما تواجه تحديات وتضارب مصالح ، المؤمرات والمخططات المضادة هي جزء من السياسات الخارجية الدولية المتنافسة وهي جزء من التنافس الاقتصادي والتجاري على الأسواق ، لكن اكبر المؤمرات التي يتحدث عنها التاريخ في الماضي القريب والبعيد تلك التي حيكت من داخل البيت كما يقال . حدث ذلك منذ اغتيال الفرعون وحتى انهيار الامبراطورية السوفيتية .
لو نهض كل من جابوتنسكي وبن غوريون من قبرهما ولو آفاق شارون من غيبوبته لسخروا من سذاجة أحلامهم والخرائط التي تمنونها لتقسيم الهلال الخصيب الى دويلات ، لأن ما يجري على الارض من انقسام وتقسيم بإرادة فئات وحكومات وطوائف تصل إباحة دماء الآخرين يفوق كل توقعاتهم ، وما كان من المستحيلات عربياً التجرؤ بالتفكير فيه اصبح وقائع على الارض .
المؤمرات الخارجية تنجح عندما تدق لها الطبول من الداخل العربي وتنثر على رؤوسها الأرز وتصبح اعتقاداً وهوية سياسية ووطنية . والملام في كل ما يحدث من نزعات حالية للانقسام والتشظي في العالم العربي هي أولا وأخيراً دول وأنظمة الاستقلال الوطني التي ظهرت بعد فترة الاستعمار ، ثم نضع اللوم على الظاهرتين الأفغانية والإيرانية التي أقحمت السياسات المتطرفة والتمييزية في نظرية بنية الدولة وعممتاه كوعي ومفهوم بين شعوب المنطقة .
لم تنجح الدولة الوطنية في بناء دولة المواطنة في دول المشرق العربي ومصر والسودان حيث تتواجد مكونات ثقافية ودينية وقومية متعددة ، وعلى سبيل المثال تم التعامل مع الطوائف المسيحية على انها تضم مواطنين من الدرجة الثانية لا يحق لابنائها تبوء مراكز الصف الأول ، السياسية والأمنية ، وهو ما يعني ان مفهوم المواطنة غاب تماماً عن هذه الدول ، فالأغلبية تهضم حقوق الأقلية ، والأقلية بدورها عندما تحكم تقصي الأغلبية عن المشاركة الحقيقية بالسلطة . وكل هذا عزز الإحساس بالاغتراب والتناقض بين مواطني الدولة الواحدة .
 عن الدور الأفغاني فمجرد متابعة نماذج إنتاجه سياسياً ودينياً في العراق وسوريا يكفي للقول بان اي مؤامرة صهيونية او امريكية ما هي إلا ذرة من الرمال . اما النموذج الايراني فهو من بدأ بنشر التعصب والإقصاء . على سبيل المثال بلغ عدد المسيحيين في ايران قبل الخميني نصف مليون ، اليوم لا يزيد عددهم عن ٧٠ ألفا ، وبسبب النفوذ الايراني في لبنان تم تقويض صيغة النظام الذي توافقت عليه جميع الطوائف غداة الاستقلال ، الذي منح النظام العربي صفة التعددية الثقافية والدينية من خلال منصب رئيس الجمهورية وذلك لصالح الهوية المذهبية لحزب الله التي أصبحت المكون الرئيسي في هوية لبنان السياسية .