الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المؤتمر الدولي... رهانات متناقضة

المؤتمر الدولي... رهانات متناقضة

19.05.2013
د. رضوان السيد

د. رضوان السيد
الاتحاد
الاحد 19/5/2013
تبدو الجدالات بشأن المؤتمر الدولي حول سوريا، وكأنما لم يجر الاتفاق على شيء. فهناك أولاً النقاشات بشأن صعوبة عقد المؤتمر. والصعوبات آتيةُ من المعارضين وانقساماتهم في نظر النظام وإيران، وهي آتيةٌ من النظام وإصراره على العنف والقتل في نظر الثوار. وهناك ثانياً النقاشات بشأن مضامين الاتفاق وتوقيتاته. وأهمُّ نقطة خلافية فيه هي مصير الأسد. فالمعارضون مصرُّون على أنه لا تفاوض إن لم يذهب الأسد ونظامه. وأهل النظام وأنصاره والإيرانيون يذكرون أنّ الأسد هو الذي سيقود المرحلة الانتقالية، وقد يترشح بعد انتهاء مدته في أواسط عام 2014! ويأتي ثالثاً معنى الصلاحيات الكاملة للحكومة الانتقالية، وهل يعني ذلك الاستغناء عن الأسد تماماً بعد ترشيح المفاوضين من جانبه. ثم إذا كان الأمر كذلك، فما هي بنود الاتفاق، وما هي المدة التي ستُعطى لتنفيذه، وكيف التعامل مع العسكر والأجهزة الأمنية في المرحلة الانتقالية؟ ثم مَنْ الذي يشرف على الأمن والمهادنات بالشكل المباشر؟ أكثر الأسئلة هذه ليس عليها جوابٌ حتى الآن. لماذا يجب على كل من المعارضين والنظام الموافقة على الدخول في مرحلة انتقالية «يعملون» فيها معاً عملياً؟ أما المعارضون، فلأنهم عجزوا بعد قرابة العامين ونصف العام عن ترجيح كفة الصراع لصالحهم. وقد قُتل منهم ومن المدنيين أكثر من مائة ألف، وفي الخارج حوالي المليونين من النازحين والنزوح الداخلي يتجاوز عدد المبتلين به الخمسة ملايين! وقد سمعتُ اللواء سليم إدريس رئيس أركان «الجيش الحر»، يقول إنّ الثوار لو أُعطوا السلاح الملائم بالطرائق الكافية لاستطاعوا إسقاط النظام خلال أربعين يوماً! لكنْ ليس هناك دليل فعليٌ على إمكان ذلك. إذ الواقع أنّ هناك عوامل قصور تعود للثوار أو عليهم، وهناك عوامل ثبات تعود للنظام. أما عوامل القصور، فأهمُّها عدم القدرة على التوحد تحت قيادة واحدة، وأنّ أكثر من نصف الثائرين ما توافر لهم التدريب الملائم، فضلاً عن السلاح الملائم. ثم إنهم حتى من الناحية العددية لا يزيدون على القوات التي بيد النظام. وعناصر القوة التي لديهم أنّ أكثر الناس معهم، وأنهم يشنون حرب عصبات ويملكون الانسحاب والعودة.
لكن قوات النظام التي تضاءلت أعدادها إلى حدود المائة ألف يعاونها حوالي الثلاثين ألفاً من الميليشيات، ومن «حزب الله»، والمتطوعين العراقيين، والخبراء الإيرانيين والروس- لا تزال تمتلك 80 في المئة من الأسلحة الثقيلة على الساحة السورية، وتنفرد بامتلاك الطيران والمدرعات والمدفعية. وقد تمكنت من الاحتفاظ بقلب المدن الكبرى والوسطى، والاحتفاظ بأكثر الطرق الرابطة. وهي تركّز الآن، بل منذ ثلاثة أشهر على استعادة زمام المبادرة، ويتمثل ذلك في ثلاثة أمور: تركيز معسكرات الجيش ضمن المدن الكبرى وحولها، واصطناع منطقة صافية للعلويين تمتد بين الحدود اللبنانية وحمص واللاذقية وطرطوس، وترك الأرياف وشأنها توفيراً للجهد. ومع ذلك فإنّ النظام فقد الأمل في استعادة الزمام. فهو لن يستطيع أبداً العودة للسيطرة على الحدود مع تركيا ومع الأردن، وحتى مع لبنان. كما أنه لا يستطيع العودة إلى الأرياف لأنه ما عاد يمتلك القوة الكافية للانتشار. بيد أنّ أكبر نقاط ضعفه اعتماده على الخارج اعتماداً مطلقاً. والخارج هو روسيا وإيران، ومن طريق المالكي من جهة العراق، و«حزب الله» من جهة لبنان. والعبءُ في هذا الصدد ليس عبءَ النقل والمساعدة ومعاناة الاستنزاف فقط؛ بل هو العبءُ المالي والاقتصادي والسياسي. فروسيا الاتحادية صمدت حتى الآن من أجل المساومة مع الولايات المتحدة في أُمورٍ ومصالح كبرى. ودفعت إيران، ودفع المالكي جزءًا كبيراً من أثمان السلاح مسبقاً. والاستثمار الإيراني أضخم بكثير بالطبع ومن الناحيتين المالية والاستراتيجية. فالحرس الثوري وفيلق القدس، يقومان بمعركتهما النهائية في سوريا والعراق ولبنان، وعيونهما على الداخل الإيراني وإمكان التغيير في السياسات الخارجية الإيرانية مع الرئيس الجديد. إنهم لا يريدون أي خسارة قبل الانتخابات، وبالطبع لا يريدون خسارةً بعدها، أو تتهدد مصائر النظام كلّه، باعتباره ما عاد قائماً على روح ثورية أو نجاحات بالداخل؛ بل باعتباره (شأن الأنظمة الشمولية) مهدَّداً من الخارج، فضلاً على تحقيقه «فتوحات» في ذاك الخارج! وبسبب البذل الإيراني الكبير، فقد سيطر الإيرانيون على قرار النظام بالكامل، وتعرضوا بذلك لاستنزاف شديد مالياً وعسكرياً وأمنياً. وأنا أرى أنهم لا يستطيعون المساومة ولا المفاوضة الآن أو في وقت قريب. وهم إذا أرادوا المساومة فإنما يساومون مع الأميركيين والإسرائيليين. وهم يراهنون على كلِ الخصوم العرب وغيرهم وتراجُعهم، كما حدث في حالات كثيرة مع الأميركيين والإسرائيليين. إذ عندما أصرَّ الإيرانيون خلال العقد الماضي حصلوا على العراق وغزة ولبنان وسوريا! وكلُّ ذلك بذريعة «المقاومة»!
إنّ الذي أراه أنّ الإيرانيين سيؤيدون التفاوض على الحلّ السياسي إذا أُشركوا فيه. لكنهم لن يوافقوا على أيّ أمر جوهري يجلب لهم خسائر كبيرة، وهم يناضلون في كل مكان لتجنب تلك الخسائر أو بعضها. ولأنّ النوويَّ مستحيلٌ الآن، فالراجح أن يصلوا إلى مصالحة على أساس مناطق النفوذ في المشرق العربي. وينصبُّ جهد الأميركيين والروس وإسرائيل على سحبهم من مناطق حوض المتوسط إلى شرق الفرات مهما كلف الأمر. ولذا فإنّ المحنة التي يعاني منها الإيرانيون هي هذا الاغترار بالامتداد دونما حسابات غبر توسيع مناطق النفوذ بداعي المغالبة مع الأميركيين والعرب على حدٍّ سواء.
إنّ حصيلة النقاش أنّ الأميركيين والروس يملكون مصلحةً مشتركةً في التقدم على المسار السوري. وكذلك الثوار السوريون، وليس للعجز عن إسقاط النظام فقط؛ بل ولتفاقم القتل والإبادة، وتفاقم مشكلة المهجَّرين. والنظام السوري يملك مصلحةً أصغر في التفاوض. فهو لا يستطيع رفض طلب روسيا إنْ أمرتْه بذلك. وهو يريد المطاولة دونما سبب عقلاني، مع أنه كلما زاد القتل، كلما قلت حظوظه في البقاء. لكنه مثل طهران لا يملك في الوقت الراهن خياراً أفضل، وقد تكون المفاوضات فرصة له ولطهران رهاناً على متغيرات الظروف: أن ينكفئ العرب، أو يرى الأميركيون رأياً آخَر!
في النهاية: هل ينعقد المؤتمر الدولي؟ الأميركيون يُغرون الثوار والعرب الذين يؤيدونهم، بالحضور، لأنّ وقف إطلاق النار، ووقْف القتال، وعودة النازحين- كُلُّ ذلك أمورٌ ممتازة. وإذا أُضيف إلى ذلك انتقال سياسي يصبح الوضع خيراً وبركة. ويهدّدون بأنّ الطرف الآخر إن أَعرض؛ فإنهم سيسلّحون الثوار! والروس تعبوا وتقاربوا مع الأميركيين، وأعطوا ضمانات لإسرائيل. أما الإيرانيون والنظام السوري، فيتراوحون بين إمكانيات الانتصار الضئيلة، وتضييع الوقت بقدر الإمكان، ولا يعرفون في النهاية خياراً آخر. لقد فرض السوريون في النهاية التغيير، لكنّ الثمن يظل مرتفعاً وهائلاًً.
قد ينعقد المؤتمر الدولي، وقد لا ينعقد، لكنّ المشكلة لن تنتهي بانعقاده. فالإيرانيون لا يتراجعون. والغرب يحب استنزافهم. ويقع الاستنزاف الأكبر على كاهل السوريين والعرب!