الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المالكي وإيران لتقسيم العراق

المالكي وإيران لتقسيم العراق

24.06.2014
علي جازو



الحياة
الاثنين 23/6/2014
ثقة عموم العراقيين تضاءلت بنوري المالكي. صار محلّ خلاف داخل البيت الشيعيّ نفسه، إن لم نذكر خصوماته الكثيرة مع ممثّلي المحافظات السنيّة، أو مع إقليم كردستان العراق.
وإذا كانت وحدة شيعة العراق سبباً من جملة أسباب أسرعت بإسقاط نظام الجلاد العراقي عام 2003، فإن هذه الوحدة تفككت اليوم بسبب تفرد المالكي بالحكم، وسوء إدارته ملفاتٍ أمنية واقتصادية، ناهيك عن محاولته، طوال ولايتي حكم فاشلتين، ترسيخ ديكتاتورية عسكرية باسم الحفاظ على الأمن ومحاربة "الإرهابيين"، والأخيرون ليسوا سوى عموم سنّة العراق المنتشرين على تخوم دير الزور السورية وحتى الموصل شمالاً!
وكاد المالكي أن يعتقل نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، ولم تحمِ الرجل صفته السياسية ولا منصبه القانوني، ودفع إقليم كردستان العراق إلى تكرار التفكير بصوت عالٍ في طرح الانفصال عن حكم المركز في بغداد، بسبب سياسات وصلت الى حدّ وقفه صرف رواتب موظفي الإقليم في شباط (فبراير) الماضي، لولا وساطات وتوافقات موقتة جعلته يفك القيد عن مالٍ هو جزء من صلب اتفاقٍ دستوريّ عريض بين حكومتي أربيل وبغداد.
إن طريقة إدارة الحكــم في بغداد لا تــــولي الدساتير ولا المواثيـــق ولا المناصب الســـياسية شأناً، لا سيما أن ثلثي العراق، تجارة ونفطاً وأمناً، غدت تحت وصاية مباشرة من طهران، التي تعرف كيف تعطل الحكم وتستولي عليه بالعنف والترهيب، ثم تسيطر عليه باسم الحفاظ على الأمن وسيادة الدول، وما تدخّلها في سورية ووصايتها على لبنان سوى دليلين يفقآن العين!
تبدو "سيادة الدول" هي التي تكثر من أخطاء المالكي حتى خارج حدود العراق، ومما زاد الأمر سوءاً وقوفه مع نظام بشار الأسد في تدمير سورية، وحضّه على استعداء بيئة سنيّة تجاوزت الأنبار إلى الحسكة ودير الزور والرقة وحماه وإدلب وحلب، أي أكثر من نصف مساحة سورية ونصف سكانها، ما يجعل الأزمة السورية على تداخل عضوي وديموغرافي مع أزمة الحكم الفاشل في بغداد.
ويبدو مضيّ بشار الأسد في أخذ الحكم بالقوة والعنف المدمرين ملازماً لبقاء المالكي في الحكم، وكلاهما يسند الآخر. وعلى رغم هذا وذاك، فاز المالكي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بنيل لائحته الانتخابية 92 مقعداً، من أصل 328 مقعداً، وبعده احتفل صديقه، عدو الأمس القريب، في قلب دمشق، بمدة وجيزة.
لكن المسلك الإيرانيّ تجاه العراق أو علاقته بالقوى السياسية الشيعية العراقية تغيرت عمّا كانت عليه، إذ حرصت إيران سابقاً على وجود جسم سياسي شيعي موحّد، الأمر الذي يدعم نفوذَها في العراق.
وقد منح المالكي سطوة خاصة لإيران في العراق بأشكال عدة، منها دعمه لها في مواجهة ثقل العقوبات على البرنامج النووي، وإعلاء شأن مجموعات مسلحة لا تخفي ولاءها لإيران.
وباسم الحفاظ على الأمن، أوصل المالكي العراق إلى حرب أهلية تنذر بتفككه. ولا يخفي الكثيرون من السياسيين العراقيين أن حيازة المالكي ولاية ثالثة في ظل هذه الظروف ستؤدي إلى تقسيمه. فالقادة الأكراد، يرسلون إشارات تحذيرية عن احتمال اختيار مصير مستقل عن حكم بغداد إذا ما استمر المالكي في الحكم. والعرب السنّة، كانوا قبل أن تستولي "داعش" على الموصل، يؤكدون أنهم لن يرضوا بسياساته الإقصائية إزاء أبناء العراق من السنّة، الأمر الذي يضعفهم ويدفعهم إلى تأسيس "إقليم سنّي" كمنفذ اختياري وحيد ينحو نحوَ تجربة إقليم كردستان العراق.
وهذا وذاك إنما يعني عملياً رغبة خفية لإيران في إضعاف الدول على هوى نفوذها، وإنْ كان الثمن التقسيم والتفكك. فإيران تسلك الطريق الخطأ، غير أن الوقائع التي هي صنيعة العنف والتدمير تسير وفق مصالحها، وقد يكون التقسيم المخرج الممكن الباقي، درءاً لحرب إقليمية شاملة.