الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المفاوضات واستدراكات المعارضة السورية

المفاوضات واستدراكات المعارضة السورية

30.04.2016
غازي دحمان


المستقبل
الجمعة 29-4-2016
قبل تعليقها للمفاوضات في بداية الجولة الثالثة، اتبعت المعارضة السورية مرونة واضحة في مقاربة عناصر الأزمة تفاوضياً، وهو ما ظهر أنه تكتيك مقصود، في الوقت الذي كان بدا فيه وفد النظام مرتبكاً وقليل الحيلة أمام هذا التطور المفاجئ، بعد أن رتّب أوراقه لنمط مختلف من الوقائع والمفاوضات.
في حينه، طرح المراقبون تساؤلات عما إذا كانت هذه المرونة التي أبداها وفد المعارضة سببها تغييرات موازين القوة التي حصلت في الميدان بعد التدخل الروسي واكتشاف محدودية قدرة حلفاء المعارضة الإقليميين والدوليين، أم أنها محاولة لإحراج النظام وداعميه وبالتالي إحداث انشقاقات في جسم النظام وشقاقات بين داعمَيه الروسي والإيراني؟
لا شك ان ما طرحته المعارضة من مرونة حول بعض القضايا الخلافية مثل قبول المناصفة في هيئة الحكم الانتقالي مع النظام، وكذلك دمج الفصائل المسلحة بالجيش للمشاركة في محاربة القوى المتطرفة، كل تلك شباك رمتها المعارضة لإغراء القوى التي أصابها التعب داخل اطار النظام بالإضافة الى بيئته التي تحتضنه وتزوده بالمقاتلين ودفعها الى الضغط على النظام من أجل التعامل مع هذا الطرح بوصفه فرصة، ذلك ان هذه البيئة من المفترض أن تسأل نفسها عن جدوى استمرار الحرب وتحمل المعاناة واستمرار النزف طالما هناك إمكانية للخروج من هذه الأزمة بالحد الأدنى من الخسائر والأضرار، فالمعلوم أنه بعد أكثر من خمس سنوات من الصراع اقتنع الجميع بان النصر الكامل مستحيل ولا شك أن بيئة الأسد وأركان نظامه هم أكثر من عاين هذه الحقيقة ويعلمون أن روسيا التي حسّنت موقفهم التفاوضي ليست مستعدة للذهاب أكثر من ذلك.
وهنا كان على المراقب النبيه أن يلتفت لفرضية محتملة، وهي أن تلك الصياغة الجديدة للشروط التفاوضية من قبل المعارضة انما مصدرها الدول الداعمة للمعارضة والتي على تواصل وتفاوض دائمين مع روسيا وهي تطرح ما تتوقّع أنه سيشكل قبولاً عند الجانب الروسي ، بل يمكن المجازفة أن هذه الأطراف تطرح طرحاً روسياً بالأصل، بمعنى انها استطلعت خلال مفاوضاتها الحثيثة مع روسيا" وبخاصة واشنطن وباريس" ما تطمح روسيا في رؤيته في سورية وشكل الاتفاق الممكن والحل الذي توافق عليه وماهية الحل الوسط الذي ترغب به، وقامت تلك الاطراف "واشنطن وباريس" بالاتفاق مع الداعمين الإقليميين للمعارضة السورية وصاغته على شكل مقترحات أو مقاربة جديدة للحل على لسان المعارضة.
من الناحية التقنية شكّل هذا التحول تطوراً في مواقف المعارضة وخطابها السياسي وتفكيراً رؤيوياً بعيد المدى ذلك أنه قام على قاعدة إحراج النظام وإرباكه وخاصة وانه لا يجيد تفاوضياً التعامل مع طروحات من هذا النمط، كما ينزع منه ذريعة عدم توفر البديل السياسي، وكذلك احتكاره تمثيل الدولة السورية وحمايته للمؤسسات ووحدة سورية، كما أنه يدفع روسيا إلى التخفيف من حدة مواقفها ضد المعارضة وانحيازها المطلق لنظام الأسد، ويضع إيران أمام الجدار ويكشف نواياها بالحفاظ على الأسد باعتباره يؤمّن نفوذها وحسب ويهدد وحدة سورية وأمن الإقليم.
لكن تبين أن التقديرات الأميركية والفرنسية لم تكن سليمة، وأن روسيا كانت تحاول نصب فخاخ للجميع من اجل دفع المعارضة لتقديم تنازلات خطيرة ثم عدم الالتزام بالضغط على نظام الأسد لمقابلة هذه الالتزامات بما يماثلها، وقد عبر الرئيس باراك أوباما عن خيبته وشكوكه في نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا المجال، وهو ما دفع المعارضة إلى استدراك الأمر وتغيير تكتيكاتها التفاوضية، بعد ان إكتشفت أن التكتيك السابق ينطوي على مخاطر عديدة، أولاً لانه يحمل شبهة الحماسة والاندفاع وبأن المعارضة أغراها الإطراء الذي حصلت عليه في الجولة الأولى لأنها كانت مرنة ومبادرة وأحرجت وفد النظام الذي بدا متشدداً وغير منطقي وبالتالي فإنها قد تندفع إلى مساحات جديدة من دون استكشاف للأرض التي تطأها قدماه، وثانياً لأنه أتى في وقت اعتقد فيه النظام وداعموه، خصوصاً ايران وحزب الله، أنهم باتوا يمتلكون زمام الأمور في سورية وينظرون لهذا التكتيك على انه تراجع طبيعي يوازي التراجع الميداني بما يدفعهم إلى التشدد أكثر والاستثمار في القوة بدرجة أكبر لتحصيل مكاسب سياسية جديدة على شكل تنازلات تنتهي بانتهاء المطالب بتنحي الأسد وتغيير النظام، كما ان المراهنة على ضعضعة بيئة النظام ثبت أنها ضرب من الخيال لأن تلك البيئة لا ترى ولا تسمع الا ما يريد نظام الأسد لها ان تسمع وترى، إضافة إلى كونها لا تنطوي على تمايزات مهمة في الرؤية السياسية.
في ذات السياق أيضاً، استدركت المعارضة أنه يجب عدم الثقة بروسيا التي أثبتت أنها طرف ضد الثورة ولم تخف هذا الأمر ويهمها إنهاء الثورة والمعارضة سواء بالعمليات العسكرية أو من خلال العملية السلمية والمفاوضات، وليس من المستغرب انها تكون قد قامت بتصميم المناورة وأوحت لواشنطن وباريس بهذه الصياغة لتضع المعارضة السورية أمام حالة متدحرجة تدفعها للتنازل دائماً، وذلك عبر سياسة المرونة في العموم والتشدد في التفاصيل والإجراءات وأيضاً اتباع قاعدة ان ما تم التوافق عليه بغض النظر عن قبول النظام به يصبح مبدأ تفاوضياً، مثال أن قبول المعارضة للأسد مرحلياً يصبح قبولاً نهائياً والمشاركة مع الجيش في محاربة الإرهاب يتحول إلى تسليم الثوار أنفسهم للخدمة تحت علم الجيش، وكذلك المناصفة في هيئة الحكم الانتقالي تتحول إلى قبول بالمشاركة في الحكم بصلاحيات منخفضة.
رد فعل المعارضة التي عبّر عنها رئيس الهيئة العليا للتفاوض رياض حجاب تثبت أن المعارضة استدركت أيضاً أن التكتيكات التفاوضية يجب أن تكون مدروسة ومحسوبة بدقة وبميزان من ذهب، ذلك ان الخطأ في تقدير صلاحيتها والخطأ في إدارتها من شأنه ان يفضي الى تغيير بنية اللعبة الدبلوماسية وإعطاء الخصم أوراقاً جديدة بما يخلق بيئة تفاوضية أكثر تعقيداً وغير أمنة.
كاتب من سوريا