الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المجازر البشعة والكيماوي في سوريا تستوجب تدخل العالم الحر

المجازر البشعة والكيماوي في سوريا تستوجب تدخل العالم الحر

24.08.2013
غازي عبداللطيف جمجوم

عكاظ
السبت 24/8/2013
المجزرة البشعة التي قام بها النظام السوري في غوطة دمشق يوم الأربعاء الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 1300 قتيل أغلبهم من النساء والأطفال، يجب أن تكون نقطة تحول مهم في موقف العالم الحر بالنسبة للصراع السوري. هناك عاملان مختلفان بالنسبة لهذه المجزرة عما سبقها من مجازر يومية بلغ مجموع ضحاياها حتى الآن أكثر من 100 ألف قتيل. العامل الأول يختص بحجم القتل في هذه المجزرة الذي وصل أضعاف المعدل اليومي السابق، ما يدل على ازدياد جبروت النظام السوري واتساع ممارسته لعملية التطهير العرقي غير عابئ إلى أي مدى يرتفع عدد ضحاياها. كما يشكل ارتفاع عدد القتلى مؤشرا على اتساع حجم الصراع بصورة عامة، وربما ازدياد شعور النظام السوري بازدياد التهديد المباشر له، ما يجعله يبالغ في ردود فعله. العامل الثاني هو الشعور السائد باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا في المجزرة الأخيرة بعد أن أثيرت الشكوك حول استخدامه السابق لها في عمليات أخرى أقل حجما، يدل على ذلك الصور التي نشرتها وسائل الإعلام لقتلى مجزرة الغوطة الذين لم تظهر عليهم الجروح والدماء التي عادة ما تصاحب استعمال الأسلحة التقليدية. تواجد فريق التفتيش الدولي المختص بالأسلحة الكيماوية في دمشق وبالقرب من مكان المجزرة يتيح له فرصة فريدة لفحص جثث الضحايا والتأكد من نوع السلاح المستعمل وإسكات الشكوك التي يثيرها طرفا الصراع في سوريا حول من المسؤول عن استخدام هذا السلاح. في حالة ثبوت استعمال السلاح الكيماوي، فإن التهمة ستتجه أكثر إلى النظام السوري الذي يملك هذا السلاح والوسائل اللازمة لاستعماله على هذا النطاق. طبعا من الصعب تخيل أن يمكن نظام الأسد الفريق الدولي من القيام بهذه المهمة التي قد تسبب إدانته. ولكن رفضه للتفتيش سيشكل في حد ذاته إدانة له. أما في حالة ثبوت استخدام السلاح الكيماوي فإن مصداقية الأمم المتحدة والدول الكبرى في تطبيق العقوبات على استخدام هذا السلاح تصبح على المحك، خصوصا بعد إشارة الرئيس الأمريكي أوباما وغيره من قادة الدول الأوروبية إلى أن استخدام الكيماوي يعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. الحقيقة أن الوضع السوري أثبت قصور الأنظمة العالمية في التعامل مع وحشية الطغاة ضد شعوبها. كذلك أظهر كيف يمكن للشعوب أن تقع ضحية لعبة السياسة العالمية، حيث قبلت الدول الغربية اعتبار سوريا منطقة نفوذ روسي وتركت روسيا تفرض هيمنتها على الصراع السوري عبر تزويدها لحكومة دمشق بكافة أنواع السلاح وكذلك على القرارات التي يمكن اتخاذها عبر مجلس الأمن. من المؤسف أيضا أن يبرز العامل الطائفي، الشيعي ــ السني، في الصراع السوري بسبب تدخل إيران وحزب الله إلى جانب النظام السوري. وما دام التدخل الدولي قائما بالفعل فلم يعد من المبرر تقاعس دول العالم الحر عن نصرة الشعب السوري الذي أثبت استعداده للتضحية بكل شيء في مقابل اكتساب حريته والتخلص من طغيان الحزب السوري الحاكم. لقد سكت الضمير العالمي عن مأساة الشعب السوري بما فيه الكفاية، ولم يعد من الممكن له أن يستمر في سكوته بعد المجزرة الأخيرة. بل لم يعد مقبولا الاكتفاء بتقديم المعونة للاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم بضعة ملايين، أو بتزويد المقاتلين الثوريين بالأسلحة الخفيفة. ماذا يمكن للعالم الحر ممثلا في دول حلف الناتو ودول عدم الانحياز بما فيها الدول العربية التي تستشعر مسؤوليتها نحو الشعب السوري الشقيق أن تفعل؟ من الممكن ــ مثلا ــ فرض الحظر الجوي على طائرات النظام السوري. ومن الممكن تقديم أنواع أكثر تطورا من السلاح للجيش الحر. إن الدول التي ساعدت على وقف المجازر في البوسنة والهرسك مطالبة الآن بالتدخل لوقف المجازر التي يتعرض لها الشعب السوري الشقيق. أما بالنسبة للدول العربية، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية والدعم المادي، فإن الاستمرار في الجهود والضغوط الدبلوماسية لدفع قضية الشعب السوري الشقيق، مثل ما نرى من صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، تشكل مساهمة كبيرة بالغة الأهمية. من المؤلم فعلا أن يتحول الصراع في سوريا إلى صراع دولي معقد تتدخل فيه الكثير من الدول وتستغله وفقا لحساباتها ومصالحها الخاصة وليس وفقا لمصلحة الشعب السوري الذي عاني الكثير من القتل والتشريد، بينما يتردد العالم الحر في تقديم العون اللازم لتحقيق العدالة. الآن يجب على الدول التي تدعم النظام السوري أن تعترف بأن كل ما يحققه تدخلها هو إطالة القتل والدمار في سوريا ثم البوء بالفشل. أما بالنسبة لدول العالم الحر فإن تدخلها بجانب الشعب السوري سيؤدي ــ بمشيئة الله ــ إلى سرعة انهيار الطغيان وتحقيق العدالة وتمكين الإرادة الشعبية السورية من اكتساب مكانتها الشرعية المستحقة. إلى متى يتحمل الضمير العالمي منظر جثث الأطفال والنساء السوريين وهي تصطف بجانب بعضها البعض بهذه الصور البشعة قبل أن ينهال عليها التراب في المقابر الجماعية. التخاذل عن دعم الشعب السوري أصبح عملا ينافي الإنسانية والضمير الحر. وقد آن الأوان لكي تستشعر المنظمات العالمية ودول العالم الحر مسؤوليتها نحو مأساة الشعب السوري وتحاول أن تمسك بمقاليد الأمور لوقف الفوضى القائمة ومنع المجازر البشعة.