الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المجتمع الدولي إما أنه مقصّر وإما عاجز هل يكون مصير اللاجئين السوريين كمصير الفلسطينيين؟

المجتمع الدولي إما أنه مقصّر وإما عاجز هل يكون مصير اللاجئين السوريين كمصير الفلسطينيين؟

05.10.2013
اميل خوري



النهار
الجمعة 4/10/2013
حمَّل سفير سابق للبنان المجتمع الدولي مسؤولية عجزه أو تقصيره عن معالجة الأزمات التي تعصف بدول العالم إذ يتركها تتفاعل ليصبح من الصعب ايجاد حلول سريعة لها. وشبّه هذا المجتمع بحاكم طلب بناء مستشفى عند كوع خطر تكثر فيه الحوادث لمعالجة المصابين عوض أن يوسّع الكوع.
القضية الأولى كانت القضية الفلسطينية التي كان على المجتمع الدولي أن يجد حلاً سريعاً لها لتجنب نزوح الفلسطينيين الى الدول المجاورة حيث تحوّلوا لاجئين يعيشون في المخيمات ويقاسون شظف العيش ويعانون أحياناً نقصاً في الغذاء والاستشفاء والتعليم، وهم يعلّلون النفس بالعودة الى ديارهم فور انتهاء الحرب في فلسطين. لكن ها ان اكثر من ستين سنة تمضي على وجودهم لاجئين في الدول المضيفة ولا يزالون يحلمون بعودة تأبى اسرائيل تحقيقها بل تخطط لبقائهم حيث هم لتجعل توطينهم بديلاً من المستوطنات التي تقيمها على أراضيهم، وكلما مرَّ الوقت تتضاءل آمال العودة لا سيما للجيل الثاني والجيل الثالث لأنهم يكونون قد اندمجوا في المجتمع الذي يعيشون فيه وتأقلموا مع الواقع وبات لعدد كبير منهم مساكن يملكونها أو يستأجرونها ويقومون بأعمال مهنية مختلفة، ويكون أولادهم قد تخرجوا من مدارس الدول التي يقيمون فيها.
وهكذا يكون المجتمع الدولي ترك للوقت ان يحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم وبتحميل الدول التي تستضيفهم مسؤولية رعايتهم عندما تنتهي مهمة "وكالة الغوث" مع محاولة حل القضية الفلسطينية بإقامة شبه دولة للفلسطينيين، ما يعني تصفية للقضية وليس تسوية عادلة.
وقد ولّدت القضية الفلسطينية بسبب ابقائها من دون حل سنوات طويلة، قضية لبنانية لم يتم التوصل الى حلّها إلا بعد حروب داخلية دامت 15 سنة، وبعد اخضاع لبنان لوصاية سورية دامت 30 عاماً.
ولم يتوصل المجتمع الدولي الى حل لأزمات أخرى عصفت بعدد من الدول الأفريقية والعربية، فساد فيها الخراب والدمار والقتل والتفجير وسقوط مئات آلاف الضحايا البريئة وتشريد الملايين من سكانها الذين يعانون الفقر والجوع والمرض. وها أن هذا المجتمع يواجه مشكلة في سوريا لا تقل خطورة عن سابقاتها في دول اخرى، فيهتم بازالة السلاح الكيميائي خدمة لاسرائيل قبل ان يهتم بوقف آلة القتل والدمار في سوريا.
وكما عانى لبنان من القضية الفلسطينية وتحمل عبء استضافة ألوف اللاجئين على أرضه وكانوا سبباً لحرب داخلية في لبنان عندما حملوا السلاح لتحرير أرضهم في فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي، فكانت النتيجة أنهم لم يحرروا شبراً واحداً منها إنما تسببوا باحتلال اسرائيل لأجزاء من الاراضي اللبنانية في الجنوب ما أدى الى انشاء مقاومة لبنانية بقيادة "حزب الله" من أجل تحرير هذه الاراضي، وقد تم تحرير جزء كبير منها وبقي جزء منها يبرر استمرار المقاومة الأمر الذي أخلّ بالتوازن الداخلي الدقيق وأحدث انقساماً سياسياً ومذهبياً في لبنان زادته الحروب في سوريا حدة خصوصاً عندما شارك مقاتلو "حزب الله" فيها نصرة لفريق سوري ضد فريق آخر.
وعوض أن يهتم المجتمع الدولي بحل الأزمة السورية في أسرع وقت ممكن كي يحل أزمة اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة الى لبنان تفوق كثيراً طاقته، راح يبحث عن وكالة غوث جديدة لهؤلاء اللاجئين كي تهتم بشؤونهم تماماً كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين، فكان ذلك سبب الحروب الداخلية في لبنان وسبب احتلال اسرائيل لجنوبه الذي تعرض لاجتياحات عدة شردت ابناءه وحولتهم لاجئين داخل بلادهم: وكان ثمن خروج الجيش الاسرائيلي من العاصمة بيروت غالياً جداً.
وتساءل السفير نفسه: ما الذي يمنع المجتمع الدولي من حل الأزمة السورية عوض تركها تتفاعل لتولّد أزمات في دول الجوار ولا سيما في لبنان؟ وما الذي يمنع هذا المجتمع من تأمين مناطق هادئة داخل سوريا تؤوي النازحين اليها، وتفتح لها ممرات آمنة لإيصال المساعدات اليهم وهي أقل كلفة بكثير من مساعدات تمنح لهم وهم خارج بلادهم وتعرض بالتالي أمن دول الجوار لأخطار امنية وغذائية وبنى تحتية؟ وما الذي يمنع المجتمع الدولي من حمل اسرائيل على الانسحاب من بقية الاراضي اللبنانية في الجنوب تنفيذاً للقرار 1701، اي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من قرية الغجر، فلا يبقى عندئذ مبرر لوجود سلاح المقاومة بقيادة "حزب الله" وتنتفي أسباب حمل هذا السلاح الذي يحدث اضطرابات داخل لبنان في حين تنعم اسرائيل بالهدوء على حدودها بفضل وجود القوات الدولية والجيش اللبناني عملاً بالقرار 1701؟
أليس الأفضل والاسلم للبنان ان يعمل المجتمع الدولي على حمل اسرائيل على الانسحاب من بقية اراضيه عوض ان يكون استمراره سبباً لاستمرار مقاومة "حزب الله" واحتفاظه بسلاحه، وعوض تحميل لبنان أعباء مالية لا يقوى على تحملها لتسليح الجيش كي يستطيع حماية حدوده، مع العلم انه مهما بلغ تسليحه فانه لن يكون قادراً على مواجهة الجيش الاسرائيلي، فيبقى عندئذ سلاح المقاومة ضرورة لمؤازرة الجيش اللبناني عند الحاجة؟
الواقع ان انسحاب اسرائيل من بقية الاراضي اللبنانية تنفيذاً للقرار 1701 يريح لبنان ويريحها من سلاح المقاومة. فلماذا لا تفعل ذلك كي لا يظل هذا السلاح يشغل بالها والدولة اللبنانية يشغلها تسليح جيشها؟