الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المجتمع الدولي وإغاثة سورية.. بين العقول الكبيرة والقلوب الصغيرة !!

المجتمع الدولي وإغاثة سورية.. بين العقول الكبيرة والقلوب الصغيرة !!

17.12.2013
خالد حسن هنداوي



الشرق القطرية
الاثنين 16/12/2013
لما كان الأديب العبقري مصطفى لطفي المنفلوطي يقول: إن في زماننا أناسا يموتون من التخمة وأناسا آخرين يموتون من الجوع!! كان محقا ولو رأى رحمه الله، كيف يموت الناس هذه الأيام وخصوصا الأطفال منهم ويتجمد الدم في عروقهم من البرد والثلج والصقيع لزاد في قولته: من الجوع والبرد, بل يتفاقم هذا المصاب أكثر وأكثر من حيث المعنى قبل المبنى، حين تصك آذان الناس في الدنيا نداءات حقوق الإنسان والمرأة والطفل حتى لا نكاد نرى لهؤلاء حقا يذكر.
وحين ننظر اليوم بعين البصيرة قبل البصر، أثر العاصفة الثلجية المسماة (أليسكا) والتي أكدت حدوثها المراصد الفلكية المختصة - مما يستدعي اللوم المباشر على العالم لماذا لم يعد لها عدتها لإنقاذ من يدَعون صون حقوقهم والتعامل مع الواقع عِلمياً بدافع المنطق والعقل – فإننا نحس تماما بقتامة المشهد في التعاطي مع أرواح البشر وخصوصا في سورية وغزة حيث يتجمد الأطفال في الأولى، وترتقي أرواحهم إلى ربهم ليس من القتل والحرق والجوع والقصف والكيماوي فحسب, بل من البرد القارص دون حماية من أحد ممن يتشدقون بالشعارات ليس إلا ويبرهنون بشكل واضح بل فاضح، أنهم ليسوا من أصحاب العقول ولا القلوب الكبيرة , وأن هذا المجتمع الدولي الذي يسمونه كبيرا إنما هو في حجمه كذلك ولكنه في حقيقته وكنهه صغير جدا ليس فيه ميزان عادل لأنه لا زال يفتقد إلى العقل والفضل اللذين هما مقياسان مهمان لسعادة أو شقاء البشر.
ويقول الناس إن العالم اليوم تقدم علميا بسبب العقل وينسون أنه تراجع تماما لأنه حتى وإن بلغ في ذلك مبلغا فإن هذا العقل قد أدى بهم إلى الشقاء لا إلى السعادة التي لا تتأتى إلا من الغيرة والعاطفة في القلب الكبير, وقل مثل ذلك في المثال الثاني، حيث يغرق الناس في غزة من الفيضانات – وأسأل هنا كي لا أنسى, هل لو كان أهل سورية وأهل غزة من العرق اليهودي الصهيوني سيذوقون هذه المآسي والمعاناة القاتلة بغير سلاح على الدوام ودون أمد محدد لإنهاء كارثتهم بالعمل على إغاثتهم، وبالمناسبة فقد طرحت هذا السؤال على أحد كبار المسؤولين الأوروبيين من قبل فأجاب: كلنا يعرف الجواب ولم يزد على ذلك!!
فإلى متى يبقى ما يسمى بالمجتمع الدولي جاحدا بحقوق المستضعفين سواء في سورية أو فلسطين أو مصر على وجه الخصوص وغيرها عموما, وما هذا الحقد الدفين والتلاقي مع الظالمين السفاحين بشكل أو بآخر كما هو الشأن في التستر والفتور المقصود إزاء بشار الجزار، حيث يتركونه يسرح ويمرح قتلا وحرقا وقصفا ودمارا وتحلق طائرات غدره لتحصد الأبرياء في كل موقع من الشام كما تنطلق صواريخ السكود لتبيد البشر والحجر!
هل أخذ الضوء الأخضر بعد أن سلم بعض الكيماوي يصل إلى هذا الحد بالاتفاق مع روسيا المتوحشة وإيران المتشفية، وهي لا تخجل أن تسمي نفسها جمهورية إسلامية وخصوصا بعد هذه المذابح والمجازر التي يعتبرها رئيس الحرس الثوري مما يقدم نظام القتل ميدانيا, ولذا فإن إيران ليست قلقة على سقوطه بل ويزيد: إننا سوف نستمر بالدعم ما وسعنا ذلك، وبكل ما هو مناسب.
وهكذا فلا تطلب ممن يتلهف أن يشرب دمك، ألا يكون ضدك إنسانيا لا مذهبيا فقط, وقل ما شئت بلا حرج عن دواعي التأييد الروسي الظالم فإن الطيور على أشكالها تقع, ولا يمكن للخبيث أن يكون طيبا فيصير له اسمان! فمثل كل هؤلاء ليسوا من ذوي القلوب الكبيرة التي توجه السلوك إلى الفضائل في الحياة، ولذا فإن الصراع لن يزال مستمرا بين العقل والقلب سعادة وشقاء, ثم لابد أن نسأل ونحن نستغرب عن هذا الموقف المخزي المخجل الذي يتسم بالعار إزاء عدم الاكتراث بالإغاثة وتدارك المأساة السورية المريرة, وخصوصا بعد العاصفة الثلجية على حد ما وبخت به (نافي بيلاي) الاتحاد الأوروبي وأمريكا عن هذا التقاعس غير المبرر، وكم عظم عندي كل متبرع منفرد ومؤسسة خيرية مهما كانت صغيرة وهم يسعون لحماية إخوانهم، لاسيما الآن في فصل الشتاء القارص لشراء الخيام والبيوت مسبقة الصنع وكفالة الأيتام وأسر الشهداء والجرحى داخل البلاد وخارجها, ولعل كل عاقل منا يسأل لماذا يتوسع الآخرون من الحكومات في أمور الدنيا وبهرجها ويدفعون الملايين، وهم يرون كل لحظة على القنوات ويسمعون المتابعين والناشطين ولا تكاد ترى عونا حقيقيا إلا من النادر منها, فإذا كان الخوف من الدعم العسكري قد يكون مبررا لدى البعض فإنه لا مبرر أبداً من حجب الدعم الإنساني عن البؤساء, ألا يجب عليهم أن يعيدوا النظر ويخلدوا في المواقف كما فعلت دولتا قطر وتركيا وغيرهما.
وقد قال مصطفى السباعي رحمه الله: "إن كل الذين خلدوا في التاريخ كانوا من ذوي العقول والقلوب الكبيرة"، فحيَهلاً أيها الحكام إلى القلوب الحية، فأنتم القادة العرب والمسلمون، وما دام لكم حضور لصالح شعوبكم فإنكم أحياء وإلا فالموت خير من الحياة, ويأيها الشعوب العربية والمسلمة جودوا وخصصوا لإخوانكم بعض ما يخفف عنهم جمرة مأساتهم (وقد سبق درهم مائة ألف درهم)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأنتم بذلك تنافسون معظم أصدقاء سوريا المزعومين، حيث كم نسمع منهم جعجعة ولا نرى طحنا.