الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المجتمع الدولي وخيار القوة لإنقاذ السوريين

المجتمع الدولي وخيار القوة لإنقاذ السوريين

13.02.2014
داني بوستل


الاتحاد
الاربعاء 12/2/2014
إن الشعب السوري يموت جوعا. فحسب الأمم المتحدة، يوجد حاليا نحو 800 ألف مدني تحت الحصار؛ حيث لا يمكن دخول أي طعام أو إمدادات طبية أو مساعدات إنسانية إلى المناطق المحيطة بمدن حمص وحلب ودير الزور وفي أجزاء من العاصمة دمشق؛ كما أن الناس لا يستطيعون الخروج منها. وقد قضى الكثيرون تحت "حصار التجويع" هذا بينما يترنح مئات الآلاف على حافة الموت جوعاً في وقت أخذوا يقتاتون على العشب والحشائش. وأمام هذا الوضع الإنساني الكارثي، أفتى رجل دين في دمشق بأنه يجوز للمسلمين تحت هذه الظروف أكل حيوانات محرمة، مثل القطط والكلاب والحمير.
غير أن هذه ليست مجاعة، لأن الطعام وفير على بعد بضعة أميال فقط من هذه المناطق المحاصَرة. ولكن القوات العسكرية – جيش الرئيس بشار الأسد بشكل خاص، وفي بعض الحالات المليشيات المتطرفة المناوئة للأسد أيضا – تمنع وصول الغذاء والدواء إلى المدنيين العالقين. وإضافة إلى الموت جوعاً، فإن الكثير من الناس في المناطق المحاصَرة يصابون بالأمراض، مثل شلل الأطفال، ولكنهم لا يجدون سبيلاً إلى العلاج الطبي لأن الأطباء غير قادرين على دخول هذه المناطق. هذه الفظاعة الإنسانية والأخلاقية تقتضي تحركاً من قبل المجتمع الدولي، إذ لا بد من أن تُتخذ إجراءات قوية في حق أي مجموعة مسلحة تمنع وصول المساعدات الإنسانية، سواء قوات النظام السوري أو مليشيات الثوار.
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ندد بفشل المجتمع الدولي في منع تجويع السكان باعتباره "فضيحة" ودعا إلى "تحرك أقوى بكثير". لكن إذا كان خبر أن فرنسا قد تقترح قراراً قوياً في مجلس الأمن الدولي مرحباً به، فإن "فابيوس" لم يوضح ما إنْ كانت هذه التدابير ستُتخذ في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز لمجلس الأمن الدولي تطبيق قراراته من خلال عمل عسكري. والحال أنه إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن هذا القرار لن يكون كافياً. ولعل الهجمات الأخيرة التي استهدفت قوافل كانت تحاول إيصال مساعدات إنسانية إلى مدينة حمص المحاصَرة خير مثال: ذلك أن رفع الحصار لا يمكن أن يُترك للفصائل المتناحرة على الميدان؛ إذ لابد من تدخل قوة دولية خارجية لضمان ممر آمن للطعام والأدوية إلى المدنيين السوريين الذين يموتون جوعاً.
غير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظل عقبة رئيسية؛ فقد استعملت حكومته "الفيتو" ضد ثلاثة قرارات لمجلس الأمن الدولي حول سوريا منذ أكتوبر 2011، وتقول روسيا إنها لن تدعم تدابير بشأن المواضيع الإنسانية إلا إذا وافقت عليها سوريا. والحال أنه لا يمكن السماح لحسابات بوتين الجيوستراتيجية وتعنت الأسد بالوقوف في طريق توصل آلاف السوريين بالطعام.
ولذلك، فإذا عرقلت روسيا تحركا دولياً قوياً، ورفض نظام الأسد أو أي مجموعة من الثوار السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصَرة، فإنه لا بد من كسر الحصار بأي وسيلة ضرورية. وهنا علينا أن نلجأ إلى مبدأ "مسؤولية توفير الحماية"، الذي يقول بضرورة تدخل المجتمع الدولي لحماية الضحايا، من خلال استعمال جماعي للقوة مرخص له من قبل مجلس الأمن الدولي، إذا فشلت دولة في حماية شعبها من فظاعات جماعية – أو كانت هي المرتكِبة لمثل هذه الجرائم في الحقيقة. أما إذا تعذر حشد قوة متعددة الجنسيات، فيتعين في تلك الحالة أن تتدخل بعض البلدان على الأقل وتقوم بتنظيم مجموعات الثوار السوريين ذات التوجهات الديمقراطية لتوفير القوة الضرورية على الميدان، مع تغطية جوية من الدول المشاركة.
والواقع أن هناك سوابق يمكن اتباعها. فالجهد متعدد الجنسيات الذي وافقت عليه الأمم المتحدة وقادته الولايات المتحدة في الصومال بين ديسمبر 1992 ومايو 1993 رُخص له باستعمال "كل التدابير الضرورية" لضمان إيصال المساعدات الإنسانية. وبتأملنا لما وقع وقتئذ، نجد أن هذه العملية المنسية تقريبا كانت ناجحة إلى حد كبير من الناحية الإنسانية. فإذا كان الاهتمام العام قد ركز على معركة "إسقاط مروحية بلاك هوك" في أكتوبر 1993، التي تمثل إخفاقا عسكريا، فإن الهدف الإنساني المتمثل في إيصال الإمدادات الغذائية إلى الصوماليين الذين يموتون جوعا، شكل بالمقابل نجاحا لا يمكن إنكاره.
غير أنه قبل بدء أي عملية من هذا القبيل، يجب إعطاء الأسد ومجموعات الثوار مهلة 48 ساعة لرفع الحصار؛ وهناك أسباب تبعث على الاعتقاد بأن مجرد التهديد بعمل عسكري سيعطي النتائج المرجوة منه. إذ مثلما رأينا في سبتمبر الماضي، فإن التهديد باستعمال القوة أرغم نظام الأسد على الامتثال. ذلك أنه أمام تهديد أوباما بضربة عسكرية وشيكة في أغسطس الماضي، وافق الأسد على التخلي عن ترسانته الكيماوية، تحت ضغط روسي. وعليه، فإن تهديدا مماثلا باستعمال القوة يمكن أن يُرغم حكومة الأسد والثوار المتطرفين مرة أخرى على الاختيار: إما السماح بتدفق المساعدات الإنسانية أو التعرض لضربة عسكرية.
ثم إن اللجوء إلى مبدأ مسؤولية توفير الحماية من شأنه أيضا مواجهة روسيا باختيار: إما إقناع الأسد برفع الحصار أو مواجهة مجتمع دولي مستعد للتحرك.
التدخلات العسكرية تحدث عادة عندما تتداخل المبادئ الأخلاقية مع المصالح السياسية. وبينما نقترب من الذكرى الثالثة للنزاع السوري، فإن ملامح هذا الالتقاء، أخذت تتشكل في وقت صُدم فيه العالم بالكابوس الإنساني في سوريا – التي تعج بتدفقات اللاجئين، وغاز السارين، والقنابل المتفجرة، وتفشي أعمال القتل والتعذيب على نطاق واسع، مثلما تم الكشف عن ذلك الشهر الماضي في مجموعة تتألف من 55 ألف صورة مروعة.
استعمال القوة لمنع موت المدنيين جوعاً لن يحل الأزمة في سوريا؛ غير أنه سيُحدث فرقا نوعيا في حيوات مئات الآلاف من المدنيين السوريين؛ كما سيبعث برسالة واضحة إلى النظام السوري والمليشيات المتطرفة مؤداها أن المجتمع الدولي، وبعد ثلاث سنوات من التفرج على هذه الكارثة الإنسانية والأخلاقية من الهامش، بات أخيرا مستعدا للتحرك.
-------
مدير مشارك في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة دنفر الأميركية
نادر هاشمي
مدير مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة دنفر الأميركية