الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المجلس الإسلامي السوري (1)

المجلس الإسلامي السوري (1)

28.04.2014
د. وائل مرزا


الشرق القطرية
الاحد 27/4/2014
نعم. سيكون هذا من المواضيع الحساسة. وستتراوح مواقفُ البعض تجاهه بين الاتهام والتأنيب، مروراً بالعتب المُعلن أو المكتوم. لكن جدية الموقف
لا تسمح بتمييع التعامل مع مثل هذه الملفات الخطيرة التي لا يمكن أن تظل مُغلقة، خاصةً في ظل العواصف التي تمر بها الثورة السورية، وفي ضوء التأثير الأساسي لهذه المواضيع على مسيرة الثورة من ناحية، وعلى تركيبة سوريا المستقبل من ناحية ثانية.
يُتوقع أن يعترض على الرأي الوارد في هذا المقال مثلاً أولئك الذين يحلمون
بوجود جهةٍ إسلامية (سُنيةٍ) واحدة تكون مصدر الرأي والقرار لغالبية
السوريين.. وسيعتقد هؤلاء أن المقال يناقض الدعوة إلى وحدة الكلمة. لكن من الممكن أيضاً أن يسيء فهم المراد من هذا الكلام بعض المثقفين والعلماء الأكثر موضوعية وحياداً. فالضغوط التي يتعرض لها السوريون من جانب، والواقع الصعب والمعقد لثورتهم من جانب آخر، كلها أسباب تزيد من العبء النفسي المتزايد على الجميع لإيجاد حلٍ ما.. ولما كانت الفرقةُ في الرأي والموقف سبباً أساسياً من أسباب هذا الواقع في نظر الكثيرين، وهذا صحيح، فإن البحث عن كل ما يجمع ولا يُفرﱢق يصبح في نظرهم مشروعاً ومطلوباً ومرغوباً فيه. من هنا يفهم الإنسان شعارات الوحدة ويتفهم الدافع لتشكيل هيئاتٍ ومنظماتٍ تجمع الكلمة، وتُوحد الرأي تجاه القضايا الأساسية التي تواجه الجميع في هذه المرحلة الحساسة.
رغم ذلك، هناك فرقٌ بين الشعور بالحاجة إلى شيء وبين بناء مشروعٍ يحقق أهدافه الحقيقية. إذ لابد من القيام بجردةِ حساب إستراتيجية، من منطلقات شرعية وعلمية وواقعية، تأخذ بعين الاعتبار كلﱠ الآثار والنتائج الإيجابية والسلبية التي ستترتب على البرامج والهياكل التي تُطرح ويعتقد البعض، ببراءةٍ وإخلاصٍ أحياناً، أنها تُحقق المطلوب. خاصة عندما تُؤخذُ القرارات تحت مطارق الضغوط النفسية والعملية الهائلة. ونحن عندما نتحدث عن الصفة الإستراتيجية لجردة الحساب المطلوبة، فإن هذا يعني تحديداً امتلاكَ القدرة على رؤية الآثار بعيدة المدى لأي مشروع، بدلاً من الوقوف عند الآثار الظاهرية القريبة له.
نطرح هذا الكلام تعليقاً على مشروع (المجلس الإسلامي السوري) الذي أُعلن تشكيله منذ فترة ليكون: "مرجعيةً إسلامية للشعب السوري، لتسديد مسيرته والنظر بقضاياه العامة"، كما ورد في بيان الإعلان عن المجلس.
ورغم المقام المحفوظ لمن شاركَ في هذا المشروع، إلا أن هذا لا يعني
وجودَ مناعةٍ أو قدسيةٍ أو أي صفةٍ أخرى تمنع الحوارَ فيه ومناقشته على كل المستويات. وما دام المنطلق المشترك هو البحث عن المصلحة العامة، فإن المجال يصبح مفتوحاً لجميع من يريد أن يدلي بدلوهِ باحترامٍ ومنهجية وموضوعية.
بناءً على هذا يمكن التصريح بأن مثل هذا المشروع، بالشكل الذي تمﱠ عليه، يمكن أن ينطوي على عدة محاذير، نعرضها هنا وفي المقال القادم. فمن جهة، يمكن أن يتحول المجلس إلى ما يشبه (الفاتيكان) السوري، بمعنى أن يتولى مهمات لا يجوز أن تنحصر في أفراده، وأن يُصدرَ توصيات وقرارات وتوجيهات تؤثر في مصير السوريين جميعاً، دون أن تمتلك تلك القرارات بالضرورة كل المقومات والشروط المطلوبة لإصدارها بما يحقق المصالح العامة.
والمسألة الحساسة التي يجب الانتباه إليها هنا تتمثل في ذلك الارتباط الدقيق الذي أصبح سائداً بين الفتوى الشرعية وبين القرارات السياسية والاقتصادية والإدارية. فرغم أن المُعلن أو المُتعارف عليه أن المجلس سيختصﱡ بإصدار فتاوى شرعية، غير أن القاصي والداني يدركان أن تلك الفتاوى الشرعية تتعلق في حقيقتها، وبشكلٍ كبير، بالمسائل الكبرى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تشغل الواقع السوري المعاصر.
والمشكلة هنا أن إصدار تلك الفتاوى، وهي تمثل في حقيقتها مواقفَ سياسية
وأحكاماً اقتصادية وتوجهاتٍ ثقافية، يتطلب وجود دراسات وتحليلات في غاية العمق والتنوع والشمول من جهة الاختصاص.. وحيث إن تخصص الغالبية العظمى من الشخصيات التي تعمل على هذا المشروع، إن لم يكن جميعهم، ينحصر في إطار العلوم الشرعية، فإن من الصعوبة بمكان أن تتوفر الشروط العلمية اللازمة التي تضمنُ كونَ المسألة قيدَ البحث قد فُهمت ودُرست بالشكل المطلوب. وبالتالي، فإن الفتوى أو الحكم الصادر بخصوصها سيحمل، لا محالة، درجةً من النقص والقصور. الأمر الذي
يمكن أن يؤدي إلى ظهور تَبعاتٍ عملية غير محمودة النتائج، هذا إذا لم يؤدِّ الأمر بمجمله إلى حصول كوارث على أكثر من صعيد.
ومع الاحترام المطلوب للمتخصصين في العلوم الشرعية، غير أن الصراحة والواقعية يقتضيان التأكيد بأن عصر الموسوعات الكبرى المتمثل في بعض العلماء انتهى منذ زمن بعيد. وأصغرُ إنسانٍ يمتلك شيئا من العلم الأصيل بالدين في هذا الزمان ويحترم نفسه، يستحي أن يدعي معرفته بجوانب السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والتاريخ والثقافة والأدب والعلوم.
لقد آن الأوان لنأخذ بكل جدﱢية التعقيدَ البالغ الذي أصبح طابَعَ الحياة
اليوم، ونُدرك الحيوية الهائلة التي صارت تميز واقعنا المعاصر، والتي بات من المستحيل إدراك أبعادُها أو التعامل معها بعيداً عن جملةٍ من الفنون والعلوم والتخصصات التي مازالت ثقافتنا الإسلامية والعربية والسورية زاهدةً فيها، وفي مقدمتها تخصصات العلوم الاجتماعية.
ففي حين كانت العوامل التي تؤثر في الماضي في حياة الإنسان، وفي مصير الأمم والشعوب، محدودةً عددياً، ومحصورةً في بيئته الجغرافية وواقعه الاجتماعي والسياسي المعيّن. تزايدت تلك العوامل اليوم وتنوّعت بشكل يستعصي على الحصر.
وفي حين كان العلماء فيما مضى يتّصفون بالموسوعية، فنجدُ أحدهم عالماً في الدين والاجتماع والفلك والطب والكيمياء وما إليها، صارت غايةُ المُنى لعلماء اليوم أن تكفي حياتُهم للإحاطة الشاملة الدقيقة ليس بعلمٍ واحدٍ فقط، وإنما بأمرٍ جزئي في علمٍ من العلوم.
وأصبح من أهم ملامح هذا العصر أن كثيراً من تلك العمليات الحياتية العفوية التي كانت تمارسُها المجتمعات، أو التي كان الأفراد يقومون بها في الماضي، صارت اليوم علوماً تُدرّسُ في المدارس والجامعات، تُكتبُ حولها المقالات والكتب والأبحاث، وتُقام لها حلقات البحث والندوات والمؤتمرات.
وفي الخلاصة، فإنه لم يعد هناك تقريباً شيءٌ من أمور البشر يُمارسُ عفوياً في هذا الزمان. وإذا كان في بلادنا من لا يزال يعتقد ذلك بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال، فإنما ينتج ذلك عن جهلٍ بهذا العصر وبهذا العالم، وبالإنسان الذي يعيش فيهما. وبالتالي، فإن من الطبيعي أنه لا يستطيع إنسانٌ يحمل رسالةً أو قضية أن يعيش كما يستحق أن يعيش في هذا العصر وفي هذا العالم، فضلاً عن أن يؤدي رسالته ويخدم قضيته، ما لم يدرك تلك الحقيقة الكبرى أولاً، ثم يتحرك وفقاً لمقتضياتها في واقع الحياة.