الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المجلس الإسلامي السوري (2)

المجلس الإسلامي السوري (2)

05.05.2014
د. وائل مرزا


الشرق القطرية
الاحد 4/5/2014
يتساءل المرء عما سيكون عليه موقف عالم الشريعة فيما إذا سُئل اليوم سؤال واحد فقط عن بعض القضايا المعقّدة المتعلقة بالثورة السورية، من موقف أمريكا وروسيا تجاه الثورة إلى ما أحدثتهُ من تغييرات في التركيبة الاجتماعية والديمغرافية والثقافية للمجتمع السوري. ومن تأثير الاقتصاد العالمي في مصير الثورة ومآلها إلى الشكل الإداري والقانوني والسياسي لسوريا المستقبل؟
كم من المتخصصين يجب على هذا العالِم أن يسأل؟ وفي كم حقلٍ معرفي ينبغي عليه أن يبحث، إذا أراد أن يُجيب بطريقةٍ منهجية؟
سيحتاج على الأقل إلى متخصصين في العلاقات الدولية وفي الاقتصاد وفي علوم السياسة لمعرفة الدور الخطير للاقتصاد وللمنظمات العالمية والشركات العابرة للقارات في رسم صورة الاقتصاد العالمي، وللعلاقة المعقّدة بين السياسة والاقتصاد محلياً وإقليمياً ودولياً. وسيحتاج إلى خبراء في التاريخ والسياسة الداخلية الأمريكية وعلاقتها بالسياسة الخارجية لمعرفة درجة وطبيعة تداخل الآليات التي تُساهم في صناعة القرار عند الإدارة الأمريكية، ولمعرفة أدوار القوى المختلفة في صناعة ذلك القرار. كما أن مثل هذا العالِم سيكون في حاجة إلى إسهام خبراء في الحقل الدبلوماسي حيث تكون المعارك الدبلوماسية أحياناً أكثر شراسةً من الحروب الفعلية، إضافةً إلى متخصصين في الصراعات المسلحة والثورات وحروب الاحتلال والتحرير. دون أن نغفل علماء الاجتماع والنفس واللغويات والجغرافيا والاتصال البشري وغيرهم.
وبعد أن يستمع عالمُنا المُحترم إلى جميع وجهات النظر من أولئك الخبراء والمتخصصين، أو مجموعةٍ منهم في قضيةٍ من القضايا، فإن عليه أن يكون قادراً على المقارنة والترجيح بين المصالح العامة للشعوب والمصالح الخاصة لبعض المجموعات البشرية المتنوعة فيها. وكذلك على المقارنة والترجيح بين المصالح الآنية العاجلة والمصالح الإستراتيجية الآجلة. وأهمُّ من هذا وذاك، الترجيح بين المفاسد والمصالح التي ستترتب على فتواه بشكلٍ محسوبٍ بدقة. وبعد أن يُحيط علماً بكل هذا فسيصبح بإمكانه الإجابة على سؤالٍ (واحد) من الأسئلة الكبرى التي تتعلق بمثل هذه المسائل.
هنا يأتي السؤال: كيف يستطيع بعض علماء الشريعة إذاً إطلاق فتاوى تدخل فيها مجموعةٌ من القضايا المذكورة أعلاه أو جميعها؟ هل هم مستعدون لتحمل المسؤولية الخطيرة والتَّبعات الجسيمة التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الفتاوى؟ وكم مرةً سمعنا عالماً يُسألُ حول مسألةٍ من تلك المسائل الكبرى فيكون جوابهُ: (لا أدري)؟ أو يكون جوابه أن الإفتاء في هذا السؤال يتطلب معرفة اختصاصات ليست متوفرة لديه؟ أو على الأقل، كم مرةً سمعنا عالماً يستمهلُ السائل إلى اللقاء المُقبل ليُراجع بعض الخبراء والمختصين ثم يجيبه بعد ذلك؟!
لا يمثل هذا الطرح أي هجوم على العلم الشرعي وأهله، بل إن بعض أهل العلم الذين لا يزالون على منهجية علماء الإسلام المجددين المجتهدين، وهم عادةً أكثرُ صمتاً وأقلﱡ ضجيجاً، يعرفون أن الهدف من مثل هذا العرض هو الدفاع عن قيمة العلم الأصيلة، وأن الغاية هي أن يستعيد العلم الشرعي دوره في ترشيد الحياة المعاصرة بشكلٍ علميٍ ومنهجي، هو أدعى لتحقيق مقاصد الشريعة، بدلاً من استعمال الفتوى في كل مسألةٍ ونازلة من النوازل، بغض النظر عن بضاعة العالِم. وذلك في توظيفٍ خاطئ للحسﱢ الديني بين العرب والمسلمين بشكلٍ عام، وعند السوريين تحديداً، ولمقام علماء الشريعة عند كثيرٍ منهم، ولطفرة وسائل الإعلام والمعلوماتية التي فتحت أمامهم الكثير من الأبواب والنوافذ.
وفي غياب المنهجية العلمية الشاملة في التعامل مع مسألة الفتوى والإفتاء فإن الأمر سيكون مدعاةً في البداية للفوضى والتضارب في الآراء، ولمزيدٍ من تشتيت السوريين، في حين كان القصدُ توحيدهم. ثم إنه قد يُصبح في النهاية سبباً في زُهد الناس وإعراضهم بشكلٍ نهائي عن أمرٍ كان حرياً به أن يكون جزءاً من الحلّ، ولكنه أصبح تدريجياً جزءاً من المشكلة في هذا الواقع المعقَّد.
ثمة عنصرٌ آخر في الموضوع لابد من الإشارة إليه. إذ المفروض أن أكثر ما يميزُ الإسلام وجود الصلة المباشرة بين الإنسان وربِّه، وقدرة الأول على تلقي تعاليم إلههِ وفهمها دون وسيطٍ يتمثل في طبقة كهنوت أو رجال دين أو غير ذلك من طرق الوساطة وأشكالها.
إن احترام التخصص مطلوب كقاعدة، ونحن لا نقول إن جميع الناس سيكونون علماء دين. لكننا نعملُ جميعاً على بناء ثقافة سوريا المستقبل وعلى هدم السلبي في ثقافة ما قبل الثورة. والمحظورُ هنا هو أن تَحدُث بشكلٍ تراكمي على مدى الزمان عمليةُ استقالةٍ نفسيةٍ وفكرية كاملة من قِبل الناس فيما يختص بفهم الإسلام، وأن يُوكلَ هذا الأمر كلياً إلى شريحةٍ معينة يصبح هذا الأمر، شيئاً فشيئاً منوطاً، بها حَصراً.. إلى درجةٍ يمكن أن تقتل الحيوية الذهنية والحراك الفكري الذي ينبغي أن يكون مدخل فهم الإسلام وتنزيله على الواقع، أو تدفع في المستقبل إلى زُهدٍ كامل وإعراضٍ نهائي عن الدين وتعاليمه، فيما إذا ما تحول إلى مؤسسةٍ تسيطر عليها حفنة من رجال الدين.
لن ندخل هنا في دلالات قول الإمام الغزالي في (المستصفى): "إن القادر على تحصيل العلم ينبغي أن يطلب الحق بنفسه، فكيف يبني الأمر على عمايةٍ كالعميان وهو بصير"، أو رأي أبو شامة الشافعي حين قال: "فالتوصل إلى الاجتهاد بعد جمع السنن في الكتب المعتمدة إذا رُزق الإنسان الحفظ ومعرفة اللسان أسهل من قبل ذلك".. ولكن من الضرورة بمكان تحقيق معنى الوسطية فيما يتعلق بجهد كل إنسان وقدرته على فهم دينه، وتشجيع الناس على تجنب عقلية الاستسهال والاستقالة في كل ماله علاقة بالدين.
ما هو الحل إذاً؟ وهل يحمل هذا الكلام دعوةً إلى ترك الأمور على ما هي عليه في انتظار حلٍ سحري؟ ليس الأمر كذلك على وجه اليقين، فهذه دعوةٌ إلى فتح الملف والتفكير فيه بجديةٍ يستحقها الموضوع. وإذا كان لابد من التفكير بمثل هذا الشكل المؤسسي، وهو مطلوبٌ فعلاً، فالموضوع يحتاج مزيداً من الجهد والتفكير، وفي أكثر من مجال.
فالمجلس الإسلامي السوري مثلاً يصف نفسه بأنه (إسلاميٌ سوري). ما المانعُ إذاً من إشراك دوائر أوسع، من أهل القدرة والإخلاص للثورة وقيمها، من غير المسلمين، تحت عنوان الانتماء السوري؟ وما المانع من الاستعانة بشرائح من أهل الخبرة والدراية والاختصاص في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ولو لم يكونوا من أهل العلم الشرعي؟
أفلا يكون هذا أدعى لامتلاك درجةٍ أعلى من فقه الواقع، ولامتلاك أدوات التعامل معه فيما يحقق مصالح الثورة السورية وأهدافها؟ بل ويأخذ بعين الاعتبار المصير المشترك الذي يعلم الجميع أنهم على طريقه سائرون.. هذه أسئلةٌ تحتاج من أصحاب العلاقة إلى إجابات.