الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المخاطرة الروسية لحل الأزمة السورية

المخاطرة الروسية لحل الأزمة السورية

07.12.2014
لؤي حسين



الحياة
السبت 6-12-2014
الحديث عن حوار سوري- سوري في موسكو ليس جديداً. فمنذ ثلاث سنوات حاولت القيادة الروسية الدعوة إلى مثل هذا الحوار لكنها لم تنجح، إذ اعتذرت أطراف المعارضة المدعوة عن عدم المشاركة. وقد قمت حينها بإبلاغ السفير الروسي في دمشق بأننا نحتاج إلى طرف محايد يرعى الحوار، وروسيا ليست كذلك. وقلت له: لا يمكننا المشاركة في حوار ليس له عنوان وبرنامج، وإلا تحوَل إلى مجرد دردشة لا تفيد، بل تساهم في تمييع الأزمة. وأخبرته أننا عديمو الثقة بجدية السلطة ما لم تطلق سراح المعتقلين وتوقف اعتقال معارضيها والناشطين السلميين.
لا توجد الآن مقومات ناجزة لحل الأزمة السورية. بل لم تعد هذه الأزمة المتمثلة بأشكال متعددة هي المتصدرة المشهد السياسي أو الصراعي. فبعدما خيم الركود شبه المطلق على آفاق حل الأزمة بعد انتهاء جنيف 2 وتوقف المحادثات العقيمة بين النظام والمعارضة، جاءت "داعش" لتسيطر على كامل المشهد بعد سيطرتها وتمددها على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، واستدعاء ذلك لقوات التحالف الأميركي التي باتت تسيطر على أجواء شمال وشرق سورية في شكل شبه مطلق. ومع كل هذا تتحرك موسكو الآن لتخاطر بفتح ملف حل الأزمة السورية.
يأتي التحرك الروسي الآن انطلاقاً من حاجة موسكو الماسة لاستعادة دور مركزي لها في الساحة السورية بعدما نجحت واشنطن بإقصائها كلياً عن المعركة العالمية التي تقودها ضد "داعش" في سورية والعراق، ليبقى دور موسكو مقتصراً كلياً على دعم النظام المبعد في شكل مطلق عن "شرف" المشاركة في المعركة، والعاجز تماماً عن فرض حضوره فيها أو فتح معركته الخاصة الموازية لها.
تحتاج موسكو كذلك إلى تخفيف أعباء معركة أوكرانيا وتبعات العزلة الدولية التي تزداد تضييقاً عليها. من هنا لا تجد أمامها خيارات كثيرة، وتبدو مضطرة لخوض غمار مخاطرة كبيرة متمثلة بفتح ملف حل الأزمة السورية، مغامرة بكل وجودها ودورها في سورية وربما في الشرق الأوسط عموماً. فموسكو تنوي المضي قدماً في هذا المنحى بحركة التفافية علنية على واشنطن، فلا تشاورها ولا تقيم لها أهمية أو وزناً، بل تحاول أن تقصيها نهائياً عن كل دور في مبادرتها. وهذا سيفرض على موسكو أن تتضمن مقترحاتها إغراءات جدية كفيلة بجذب الأطراف المعارضة وبعض الدول الإقليمية، ويتطلب امتلاك موسكو الكثير من الجرأة والمقدرة والإمكانات التي لا يوجد حتى الآن ما يكفي للتدليل على امتلاكها لها.
صحيح أن موسكو تتحرك من تلقاء نفسها وبدافع حاجاتها ومصالحها القومية، لكن يبدو أنها تعتمد على بعض ما عرضناه عليها، وعلى أطراف رئيسية أخرى في الأزمة، من أنه لا إمكانية لمواجهة داعش في سورية إلا عبر حل الأزمة السورية بتشكيل حكومة وحدة وطنية ترأسها شخصية معارضة وتتشكل من شخصيات من السلطة والمعارضة والشخصيات العامة، مع توزيع صلاحيات رئيس الجمهورية بينه وبين رئيس الحكومة والحكومة مجتمعة، في توازن حاسم للصلاحيات لا يتيح لأي طرف الانقلاب على الأطراف الأخرى، على أن تتمتع هذه الحكومة بصفات تشعر جميع السوريين أنهم ممثلون فيها، وأنها سلطتهم الوطنية المؤهلة لكي يلتفوا حولها بأوسع قاعدة شعبية لمواجهة داعش والمخاطر التي تتهدد البلاد.
وما لم تتضمن المبادرة الروسية، التي لم تتضح بنودها بعد، تغييراً رئيسياً وجدياً في بنيان النظام وهيكليته، فلن تجد موسكو طرفاً معارضاً يقبل المشاركة فيها. وإن تضمنت المبادرة تغييراً كهذا، فموسكو ستكون في مواجهة النظام مباشرة ولأول مرة منذ أربع سنوات.
هذه المعادلة التضادية هي التي تجعل المبادرة الروسية مخاطرة تحمل إمكانية خسارة موسكو كل وجودها في سورية إن فشلت مبادرتها. فنجاح المبادرة يشترط موافقة وقبول النظام بها. وإطلاق المبادرة يفترض مقدرة روسيا على إقناع أو إجبار النظام على قبولها. والمبادرة، كيفما كانت بنودها، إن كانت جدية، تضع مصالح موسكو في مواجهة مصالح النظام. وتمنّع النظام عن قبول المبادرة سيضع موسكو في موقف أكثر من حرج. ولن تتردد حينها الولايات المتحدة لحظةً في الانقضاض على روسيا وإيجاد طريقة ما لإخراجها نهائياً من المعادلة، ولو اضطرها ذلك إلى إعادة مد الخيوط مع النظام الذي بدأ يعطي المؤشرات على عدم رضاه التام عن المبادرة، مدعياً أن الظروف غير مناسبة للنهوض بمبادرة لحل أزمة لا تحتاج إلى أكثر مما يسميه مصالحات مناطقية، على رغم أن أثرها لا يطاول سوى ما ينشره على إعلامه الرسمي. فلا أثر ذا معنى لها في الواقع.
في المقابل، من المتوقع أن تكون موسكو قد وضعت في حسبانها إمكانية تمنع النظام وعدم استجابته لمبادرتها. وبالتالي لا بد أن تكون قد أعدت عدتها لإخضاعه وفق إرادتها، حتى لو تعارض ذلك مع إرادته. ومن غير ذلك فإنها مهددة جدياً بالخسران على يد حليفها الذي حمته ورعته، دولياً على الأقل، طيلة السنوات الأربع الماضية.
كان التقدير دوماً على امتداد سنوات الأزمة السورية أن النظام يحيا على رحمة روسيا، وأن الهواء الذي يتنفسه هواؤها، وأنه يتصرف وفق مشيئتها أو برضاها على الأقل، ما يجعله غير قادر على مخالفتها في المسائل الرئيسة. وكان ذلك واضحاً بقوة خلال أزمة السلاح الكيماوي، حيث امتثل النظام تماماً لمبادرة موسكو بتخليه عن مجمل سلاحه الكيماوي الذي حرص على جمعه وتخزينه لسنوات طويلة. لكن تحولاً رئيساً طرأ على نهج النظام وسلوكه بعد الانتخابات الرئاسية، إذ صدَق ادعاءاته حول الانتخابات، وبات يظن أنه قادر على الاكتفاء بذاته، فأغلق أبوابه ونوافذه بجدران صماء تفصله عن واقع خارجي ما عاد يوجد أي دليل حسي على وجوده بالنسبة إليه. ومن هنا، من غير المستبعد أن يلحظ حاجة موسكو إليه الآن، وأن يتعامل معها على أنها مثله واقعة في أزمة دولية.
من غير المعروف، الآن، ماذا ستفعل موسكو لتذليل عقبة النظام وتمرير مبادرتها المنتظرة، ومن غير المعروف أيضاً أين ستكون إيران في هذه المعادلة الضدية بين روسيا والنظام، وما الدور الذي ستقوم به، بل لا يُعرف مدى التنسيق الروسي الإيراني في هذه المبادرة. ولا يعيب موسكو أن يكون تحركها ناجماً عن حاجتها الذاتية، ولا ينتقص ذلك، بالنسبة لنا كسوريين، من أهمية هذا التحرك، بل يتوجب على جميع القوى السورية، إن وجدت في المبادرة الروسية المتوقعة حداً أدنى من الجدية، أن تشارك بقوة لإنجاحها غير آبهة بأيٍ من الدول هي التي تحقق انتصاراً على غيرها في النهاية. فاهتمامنا يجب أن يقتصر في شكل قطعي على إنهاء أزمتنا بما يكفل وقف الخراب والقتل والمهانة والاستبداد.