الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المرابطون على جبهات الوعي 

المرابطون على جبهات الوعي 

22.05.2021
أحمد السنوسي

 
القدس العربي 
الخميس 20/5/2021 
تابعت باهتمام ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يحققه الفلسطينيون من انتصارات على الإحتلال الغاشم، رغم كل محاولات ثنيهم عن المطالبة بحقوقهم وكسر معنوياتهم، لكن دائما يقدم لنا الفلسطينيون النموذج الأمثل في الاستبسال والبطولة في الدفاع عن أراضيهم وحرمة المسجد الأقصى الشريف. 
إن الأحداث الأخيرة سواء في حي الشيخ جراح أو في المسجد الأقصى ذكرتنا أن أصحاب الأرض مازالوا متيقظين وأن عزيمتهم تتعزز بمرور الزمن، وأنهم يقاومون إلى الآن رغم كل الظروف والغفلة التي تلقي بظلالها على كل الوطن العربي. 
 
كيفية التفاعل مع الحدث 
 
لم تكن هذه الأحداث فرصة للشعور بالنشوة والفخر فقط، إنما كانت فرصة لإثارة بعض الأفكار وطرح الأسئلة والتذكّر، فإلى جانب الحدث لا بد من الإهتمام بكيفية التفاعل وأشكال التعليق، وهي فرصة لالتقاط الإشارات ورصد ما علق بالوعي من شوائب وما طرأ عليه من تغيّرات. 
للمتابع أن يرصد حجم التفاعل و التعاطف مع الأحداث الأخيرة والمساندة الواسعة من كل شعوب الوطن العربي، حتى أن وسم “أنقذوا حي الشيخ جراح” و”القدس تنتفض” يتصدران قائمة الأكثر تداولا على منصة تويتر بمئات آلاف التغريدات، إضافة إلى التفاعل على بقية وسائل التواصل الإجتماعي والنقل المباشر على صفحات عشرات المؤثرين العرب الذين تتم متابعتهم بالملايين، وقد عبّرت هذه الهبة عن ضمير جمعي لازال يعتبر القضية الفلسطينية قضيته المحورية ويؤمن بالحق الفلسطيني. 
في المقابل، نلاحظ بعض التدوينات التي تُبخّس من قيمة هذه المساندة وتحاول الإعتراض عليها بمنطق البراغماتية وماذا سنحقق؟ 
في الحقيقة، اهتممت لهذا النوع من التفاعلات أكثر وحاولت تفكيك هذا المنطق واستقراءه ومن ثم الإعتراض عليه، وهي وظيفة مهمة لا يجب إهمالها، لأنها تعكس ما يمكن أن يحل بالوعي نتيجة الاستغراق في قراءة بمنطق أحادي وإهمال الكثير من المعطيات فيفقد الرأي وجاهته ومنطقيّته. 
 
التفاعل مع القضية الفلسطينية 
 
إنه لمن المحتم علينا تجديد منطق تفاعلنا مع القضية الفلسطينية، وفهم جوهر المقاومة بما هي مهمات عديدة تنتظم في حلقات مترابطة، وإذا ما أهملنا إحدى الحلقات تعطّل الفعل واختل المنطق. 
علينا أن نفهم كجيل تفتّح وعيه على قيام الثورة وامتلأ بمعاني الحرية والتحرر أن “أمانة المقاومة” التي تقع على عاتقنا هي مقاومة فوضى المعنى التي نعيشها في حياتنا اليومية، وفي محيطنا وفي كل ما نتلقاه من معرفة، فالرهان هو أن نحافظ على إيماننا العميق بعدالة القضية الفلسطينية وبالحق الفلسطيني الذي لا يسقط بالتقادم أو بالتناسي. فأكبرعقبة تواجه هذا الكيان الاستعماري هي الضمير العربي الذي حافظ على نبضه في علاقة بالقضية رغم كل محاولات التطبيع السياسي الممزوج بتطبيع ثقافي. 
إن الكيان الصهيوني يتحرك في كل الإتجاهات ، وإلى جانب الدعم الاقتصادي والإسناد السياسي والديبلوماسي الذي يبحث عنه بممارسة الضغط وبدفع دول عربية عديدة نحو التطبيع فإنه يبحث عن بصمة ثقافية وحضارية تجعله جزءا من الفضاء العربي الذي تنتمي له فلسطين جغرافيا وحضاريا وتاريخيا، وهذا فعل استراتيجي أخطر من الحرب المباشرة وأعمق أثرا. 
 
مهرجانات دولية 
 
الكيان يقيم معارض ومهرجانات دولية تحت عناوين مختلفة (فن عربي مسروق، مهرجان الكنافة الإسرائيلية…) وهذا دليل على أن المقاومة هي أدوار مختلفة، ومهمات مركبة، كما نحتاج فيها للمقاومة المسلحة نحتاج أيضا للمقاومة الثقافية بالتغلب على النسيان وحفظ الهوية الثقافية والحضارية للفلسطينيين والتعريف بها في كل العالم بداية من الأكلات واللباس الفلسطينيين وصولا إلى التاريخ والأدب و الفن (رسما وشعرا وموسيقى…). 
إن تعميم هذا المنطق في التفاعل مع القضية هو فعلٌ مقاومٌ يحفّز الفكر ويجدد المعنى ويُرشد كل من عصفت به فوضى المعنى وجرّته إلى مربعات الشبهة، علينا أن ندرك أن التحرر وكسر القيود غالبا ما يكون خارج دائرة المُتوقّع، وأن الإيمان بعدالة القضية هو المحرك الرئيسي للتحرير، والإيمان يحتاج وعيا ومعرفة وإرادة، وبذلك كل فعل في هذا الصدد هو مقاومة وصمود ورباط على “جبهة الوعي”. 
أخيرا ، القضية الفلسطينية مدخل لتشغيل محركات الوعي والإرادة في الوطن العربي والتحرير مهمة جماعية تبدأ بسقوط الإستبداد وكل أسباب الركود والتخاذل، وتنتهي عند أبواب المسجد الأقصى الشريف، في المقابل لا أعتقد أن التاريخ سينتظرنا كثيرا أو سيعطل نواميسه من أجلنا بقدر ما أنه سيفاجئنا بتطورات كبيرة، يمكن رصد بعض أسبابها في التحركات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية و في الحواضن الشعبية للمقاومة في العالم العربي. 
إن مقدمات التحرير تتراكم سنة بعد سنة ونسق التغيير يتسارع بشكل كبير، لذلك أعتقد أن المهمات الحضارية التي بدأت مع الربيع العربي، وبقي جزء كبير منها عالقا سيتم استكمالها بتحرير القدس وكل الأراضي الفلسطينية بل وكل الأراضي العربية من وكلاء الصهاينة، لا أؤمن أن التاريخ يتفاعل بشكل خطّي بقدر ما أعتقد أن الأحداث فيه تتشابك وتتداخل أسبابها، وقد يكون ما نعيشه من تعطيل تمهيدا لإنتاج حدث أكبر. في الأثناء نحتاج جهدا مكثفا لتحصيل المعرفة ولكسب القدرات المنهجية التي تسمح لنا بالتجديد الدائم و التمسك بكل فعل مقاوم مهما قل حجمه. 
الرهان على الإنتصار مستمر والمقاومة هي السبيل الوحيد لذلك و كما رابط الفلسطينيون عقودا على جبهات القتال و في باحات المسجد الأقصى فالمهمة التي تقع على عاتقنا هي الرباط على جبهات الوعي.