الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المراقب العام الأسبق للإخوان السوريين في ذمة الله!

المراقب العام الأسبق للإخوان السوريين في ذمة الله!

12.06.2014
الطاهر إبراهيم


القدس العربي
11/6/2014
كان منير الغضبان المراقب العام الأسبق يضع نصب عينيه القول المأثور "آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة". أما أنا فقد كنت أرى الكثيرين من القيادات الإسلامية يتهافتون ويتقدمون إلى الصفوف الأولى متخطين أهل الكفاءة، بينما كان الشيخ منير يقف حيث هو. فإن قدمه أحد تقدم، وإلا بقي في الصفوف الخلفية.
ويوم اختاره التنظيم العالمي للإخوان المسلمين عام 1984 مراقبا عاما للإخوان السوريين، على إثر خلاف داخل قيادات الإخوان السوريين، من دون تطلع منه للمنصب، وضع نصب عينيه أن يجمع صفوف الإخوان خلال سنة، وإلا سوف يعتزل. مضت السنة ولم يستطع تحقيق ما نذر نفسه له فاستقال.
لا ندعى زورا على المشايخ والعلماء عندما نؤكد أن معظمهم كان يحب أن يحاط بالتلاميذ في كل حركاته وسكناته، بما أسميه أنا صناعة "المشيخة"، غير أن الشيخ منير عاش ولم يكن له تلاميذ يحيطون به، إلا أن يكون ذلك من خلال كتبه الكثيرة التي أغنى بها المكتبة الإسلامية، كتبه التي تبحث في السيرة النبوية سردا وفقها.
لم تكن حياته حياة الدراويش، لكنه ما كان يتخذ لنفسه سمة كأن يضع على رأسه عمامة تقول ان صاحبها من المشايخ، وإن كان لا بد فطاقية لا يزيد ثمنها عن عشر ريالات. فمن هو الشيخ منير الغضبان يرحمه الله تعالى؟
ولد الشيخ منير عام 1942 في مدينة التل شمال دمشق، بل كادت تلتصق بها. من طفولته كان مهتما بسيرة رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم. اشتغل بالتعليم في المدارس الابتدائية. وقد ابتلي بكره البعثيين له من أبناء بلدته، أبعدوه عن بلدته إلى قرى الحسكة ثم أعيد إلى قرية مسيحية من قرى الجولان، وكان مختصا بتدريس الشريعة. رفع شكوى إلى وزير الــــتربية حسن الخطيب، فاستدعاه لمقابلته. كان لطيفا معه، استمع إليه.. في نهاية المقابلة قال له بلطف: يا أستاذ سورية لك فاتركها لنا. فقد عرف أن البعثيين لن يتركوه ينعم بالهدوء.
هاجر في سبعينيات القرن العشرين إلى السعودية وعين في إدارة تعليم البنات، حتى كانت محنة الإسلاميين في سورية في بداية عام 1979. اتصل بإخوان حلب، حيث بدأت المساعي لإعادة اللحمة إلى جماعة الإخوان في سورية بفروعها الثلاثة: إخوان حلب وإخوان دمشق والطليعة المقاتلة التي كان يرأسها عدنان عقلة، تم الاتفاق على توحيد الجماعة بحيث تتألف القيادة من أربعة من كل فرع. ومع أن منير الغضبان من أعمال دمشق فقد اختير عضوا في القيادة عن إخوان حلب. وكان ذلك في بداية عام 1981، ترك العمل في السعودية وانتقل إلى عمان.
بقي عضوا في قيادة الإخوان المسلمين حتى نهاية عام 1985، حين انشقت مجموعة برئاسة الأستاذ عدنان سعد الدين، رحمه الله، احتجاجا على انتخاب الشيخ عبد الفتاح أبوغدة مراقبا عاما للإخوان المسلمين، حيث صادق التنظيم العالمي للإخوان على انتخاب أبو غدة وكان قد أشرف على الانتخابات. عاد إلى السعودية، وعين أكاديميا في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
استمر الشيخ منير عضوا بمجلس شورى الإخوان السوريين وعضوا بشورى التنظيم العالمي من عام 1986 حتى عام 2010، وكانت أعيدت اللحمة إلى جماعة الإخوان منذ عام 1993.
استأنف الشيخ منير كتابة مؤلفاته في السيرة النبوية منذ عام 1986، إذ بدأ يشعر بالاستقرار. أخرج الكثير من المؤلفات كان منها في الســيرة النبوية: "فقه السيرة النـــــبوية"، "المنهج التربوي للسيرة النبوية (التربية الجهادية)"، "المنـــهج الحركي للسيرة النبوية"، إضافة إلى كتب منها: "هند بنت عتبة ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص".
كان الشيخ منير يرحمه الله مدرسة في التربية يتحرك بها: في أهل بيته، ومع أصدقائه، وفي جماعة الإخوان المسلمين.
وقد تعلمت منه الكثير. كان رغم التزامه بالكثير من العمل، يشعر بأن عمله قليل. سافرت معه كثيرا في سيارتي. وحين تعرضنا لأزمة على الحدود بين دولتين عربيتين، وتم احتجازنا لعدة ساعات، قلت له: يا شيخ ادع الله بصالح عملك كي يفرج علينا! فنظر إليّ نظرة عميقة وقال: وهل عندي عمل صالح؟ عندها استصغرت نفسي كثيرا.
وعذرا فلا أستطيع بهذه العجالة أن أحيط ولو بجزء يسير من حياته. فقد بقي يعمل مع جماعة الإخوان المسلمين حتى أشهر قليلة من وفاته. وحين قامت الثورة السورية كان يأمل في أن يعود إلى دمشق وإلى سورية. حين تأخرت دمشق بالثورة، ثم بدأت فيها العمليات الكبيرة للثوار قال لي متذكرا قصيدة شوقي التي مطلعها: سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق، وذكر منها (وعز الشرق أوله دمشق).
قد لا يكتمل ما ذكرته عنه، إن لم أعرج على فضل زوجته الثانية أم عتبة، التي تحمل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية. كان لها فضل كبير أنها استطاعت أن تؤمن له بيتا مستقرا، بحيث تفرغ هو لبحوثه وكتاباته.
كان يدعو الله أن يرزقه الشهادة. كان يظن أنه يغيظ النظام السوري بمواقفه منه. وسواء أكان مرض الكبد نتج عن علة بنيوية أو أن النظام أرسل من يضع له أسباب المرض، فإني أرجو الله أن يكون قد بلغ منازل الشهداء.
رحم الله الشيخ منير الغضبان رحمة واسعة وأخلفه في أهله وفي المسلمين بخير.
 
٭ كاتب سوري