الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المزاج السوري العام سادي!

المزاج السوري العام سادي!

03.02.2014
غازي دحمان


المستقبل
الاحد 2/2/2014
لا يخجل، رأس النظام السوري، ولا المسؤولون ممن هم في مراتب أدنى، من تكرار لازمة أن ترشح بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة هو نوع من المسايرة، إن لم يكن خضوعاً، لمزاج سوري عام يطالب بهذه "المكرمة" ويلح عليها. بل إن وزير إعلام النظام ذهب إلى حد تهديد (السيد) الرئيس بتسيير مسيرات جرارة تجبره على إعادة ترشيح نفسه للرئاسة!
بالطبع، لا يحق للمتلقي هنا السؤال عن الأسباب المنطقية التي قد تشكل مثل هذه الظاهرة، المسألة ربما تدخل في إطار الغيبيات، ذاك أن وزراء النظام غالباً لا يقدمون مسوغات تبرر مثل هذا الأمر، فهم اعتادوا على وضع نقطة على السطر في نهاية كلامهم، أو اختتام الكلام بعبارة (قولاً واحداً)، وهي بالمناسبة من أكثر القوالب الكلامية رواجاً في الخطاب السياسي والإعلامي السوري؟
غير أن ذلك وحده لا يساعد في تفسير القضية المطروحة، بقدر ما يضيف عليها من إشكالات، تتجسد بإصرار النظام على عدم رؤية أي رواية أخرى باستثناء روايته، ليس روايته عن الثورة وموقفه منها، بل انه لا يلحظ حتى وجودها، بدليل انه لا زال مستغرقاً في الشعار الأول، الذي صُمم لتمرير ترئيس بشار بعد وفاة شقيقه الأكبر باسل ، شعار" بشار هو الأمل".
بالطبع ما من شك أن هناك نسبة من الصدقية لمثل هذا الطرح، وان أصحابه يراهنون على تلك النسبة، وإلا لما كانوا هم أنفسهم مقتنعين بما يقولون، ولما كان هناك أيضاً جماعات ما زالت تقدم روحها فداء لبقاء هذا "الأمل"، الذي لو انعدم لتوقفت ماكينة الحرب منذ فترة من الزمن. صحيح أن القوى المحلية المؤيدة للنظام، التي لا تزال مؤمنة بهذا الأمر تراجعت كثيرا بدليل الاستنجاد بقوى خارجية، تملك الأمل ذاته ببقاء بشار الأسد في السلطة.
على ذلك، فالمشكلة الأساس تكمن في قضيتين إشكاليتين في هذا الطرح، الأولى: عدم تحديد نسبة أولئك الذين يعنيهم هذا الأمر، والاعتراف بالكتلة المقابلة، وعمل موازنة بين الكتلتين لمعرفة من هم مع ومن هم ضد.
الثانية: اعتبار الكتلة المؤيدة لبشار الأسد ذات قيمة أكثر أهمية، بمعنى كتلة نوعية مميزة، نخبوية على كل المستويات، فهي الأكثر صفاء في وطنيتها، وهي الأكثر رشداً في خياراتها، وبالتالي فهي الأكثر سورية في انتمائها، ما يجعل المقارنة بينها وبين الكتلة الأخرى أمراً غير عادل.
وبالطبع، يسعى النظام عبر إعلامه وخطابه السياسي إلى التركيز على هذه النقطة عبر وصف من يؤيده بالعلمانية والمدنية، والتنوع، ومحبي الحياة، فيما عناصر الكتلة الثانية هم من أوساط أكثر تخلفاً وهامشية وآكلي قلوب وأكباد البشر، وحتى النساء هن من مؤيدات "نكاح الجهاد" فيما الأطفال يساعدون الإرهابيين والقتلة!
حسناً، قد لا يكون مهماً مساجلة هذا الخطاب، فيما خص رؤيته للكتلة الأخرى، غالبية الشعب السوري الثائرة، والمؤيدة للثورة، والتي طالما شكلت البيئة الحاضنة للثورة، أو بتعيين أدق، حضنت أبناءها الثوار، ذلك أن الخطاب السلطوي في هذا الخصوص يمتلك براغماتية هائلة وقدرة على الانفتاح لشمول أجزاء كبيرة من الكتلة الأخرى، بحيث يصبح أفرادها مسالمين وينتمون إلى الإسلام السوري المتسامح، وإن أصر هذا الخطاب على تصنيفهم ضمن القاع الإجتماعي الأقل تأثيراً وفعالية، وأقل رشداً وحكمة أيضاً.
ولكن في المقابل يحق مساءلة أصحاب ذلك الخطاب عن سبب قناعتهم بضرورة استمرار بشار الأسد في السلطة، بغض البصر عن كل ما فعله لسوريا في الثلاث سنوات الأخيرة من الثورة، خصوصاً على صعيد تفتيت النسيج الوطني السوري وتدمير الهوية السورية برمتها... لكن عما صنعه كرئيس طوال سنوات طويلة، تمتد إلى سنة 1995 تاريخ بدء تفويضه، من قبل والده حافظ الأسد، بتسيير شؤون الحكومة والجيش والأمن، في ظل توافر مناخ وظروف مريحة داخلياً وخارجياً، وإمكانات استثنائية تحققت لسوريا، نتيجة زيادة الإنتاج النفطي والزراعي، وتخفيف العقوبات الاقتصادية بعد مشاركة سوريا في حرب الخليج الثانية، وتدفق الدعم الاستثماري والتمويلي من هذه الدول؟
لقد تميزت سنوات حكم بشار الأسد بعدم وجود مشروع وطني واضح، على كل المستويات، التنموية والثقافية والإستراتيجية. وساهم هذا الفراغ بإحلال نمط من الفساد المستشري وصل إلى درجة تفكيك منظومة القيم التي تأسست عليها الهوية السورية، من تسامح وفعالية وديناميكية مميزة، فتسبب هذا الفساد بوجود انقسامات مجتمعية خطيرة، كانت قد عمقت نفسها طوال سنوات قبل الثورة، وكانت واحدة من شرارات الثورة، إضافة إلى أنها وضعت جيلاً بكامله على حافة الخطر، لعدم ثقته بسياسات النظام الفاسدة، وقد دفعته قراءته تلك إلى قيادة الثورة وتحمل عبء الاستمرار بها، رغم كل ما واجهه من موت وفناء.
فهل تستحق مثل هذه الصيغة في الحكم التمسك بها والإلحاح على إدامتها؟ لا شك أن منظومة الفساد التي بناها نظام بشار الأسد كانت تتيح بعض الفرص، لشرائح وفئات معينة من مختلف المكونات، وتسمح لهم بتغيير مواقعهم الطبقية، عبر استحواذهم على موارد الدولة وما تتضمنه من الامتيازات والوظائف، وإن كان يتم ذلك ضمن اشتراطات قاسية، كالولاء المطلق وتمثل قيم النظام. لكن هذه الاستثناءات لا يمكن المراهنة عليها لتطوير وطن وضمان مستقبل شعب وأجيال، بقدر ما تشكل فرصة لاستمرار تحكم شرائح معينة بموارد المجتمع وإمكانياته، فيما هي وصفة مؤكدة لإستمرار تهميش وإفقار واضطهاد الكتلة الأكبر من المجتمع السوري. وحسب الخطاب السلطوي، فإن هذه الكتلة هي التي ستضمن إعادة انتخاب الأسد لمدة رئاسية مقبلة، ما يعني، بالتحليل النفسي، ابتلاء هذه الكتلة بسادية نتيجة انزياحها لتأييد أسباب اضطهادها وتأبيدها.