الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المزيد من التعقيد في سوريا

المزيد من التعقيد في سوريا

10.10.2016
د. مهند مبيضين


الدستور
الاحد 9/10/2016
الإخفاق الروسي الأميركي بتنفيذ الاتفاق بشأن الهدنة في سوريا والذي قرر في التاسع من أيلول الماضي، لم يكن سببه التعنت الروسي وحسب، ولا الرغبة من النظام السوري بالقصف فقط، بقدر ما يحمل فشلاً أمريكياً أيضاً بالقدرة على فرز المعارضة المقاتلة في حلب وغيرها وإيجاد معتدلين، فالكل يرغب بالقتال ويرغب بالسلطة ويرغب بتغيير الموقف على الأرض.
لم تنجح أمريكا في تسويق الفكرة، وخطابات الرئيس أوباما الذي لطالما شدد على الحل الدبلوماسي في سوريا لم يحدث أي تقارب بين طرفي الصراع، وقوله بأنه يدعم السوريين الذين يقاتلون من أجل الديمقراطية ضد نظام يقمعهم، كان مجرد كلام لرئيس ضعيف، ولايتطابق مع الواقع. وفي المقابل كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر مباشرة ووضوحاً، حين تهكم عام 2013 على الغربيين الذين كانوا يعتبرون أكلة لحوم البشر في الجيش السوري الحر، "معتدلين".
 لم يكن مقبولاً بعد ذلك إلاأن تتدخل موسكو في سوريا مباشرة، وبعد نحو عام على التدخل مباشرة في أيلول 2015 لا يبحث بوتيناليوم عن وجوه اعتدال بين هؤلاء القتلة كما يرى، فالقيصرلا يستطيع تصور وصول مجاهدين منهم إلى حواف إمبراطورتيه الناهضة والمنبعثة من رماد القياصرة الكبار، فقرر وارباك الغرب، فكانت خطوته نحو شبه جزيرة القرم التي نشبت بها ثورة عام 2014 وأطاحت برئيسها فيكتور يانوكوفيتش، فبوتين لا يحب ملامح ثورية ونزول للشارع بالقرب منه،كما قرر توجيه صفعة لأوكرانيا وامريكا معها، والتي لا يعجبها اليوم ما يحدث من تفرد روسي في الإقليم، فسافر رئيسها بيتروبوروشينكوقبل أسبوع لنيويورك لدعم التحرك الفرنسي الأمريكي في مجلس الأمن،لدعم الوفد الأمريكي باتهام روسيا، بقصف قافلة المساعدات الإنسانية في سورية.
فالتطور الأمريكيمع الموقف الفرنسي في دعوة مجلس الأمن للانعقاد بشأن القصف الروسي على حلب، لا يؤخذ على أنه مجرد صحوة أمريكية متأخرة وحسب، بل ثمة إدراك على أن دخول الصين وتمترس روسيا من جديد بنشر دفاعات جوية في القواعد العسكرية يعني السيطرة على المنطقة من جديد، وتمكين الصين الحليف المساند للموقف الروسي من تحقيق مبدأ "طريق الحرير الجديد" وهو الأمر الذي يعمل عليه الرئيس الصيني شي جين بينغمنذ وصوله للسلطة في العام 2013.
وفي هذا الطريق تشكل منطقة الشرق الأوسط محطة مهمة وسوقاً للمنتجات الصينية، وبذلك تحقق العودة الصينية التي تتطلب اليوم حضوراً في حل المشاكل في المنطقة ونزع الأشواك التي تعطل الاستراتيجية الصينية الجديدة.
نعود للاتفاق الروسي الأمريكي الذي فشل والتصعيد الجاري بمجلس الأمن، والذي لا تأبه به روسيا، ولا يمكن أن يحدث الجديد حتى على صعيد ترتيب المعارضة السورية، فسوريا انتهت، وحلب ضاعت،فضلاً عن ذلك، اشترط الاتفاق "المؤود" أن تقوم امريكا بالفصل بين المقاتلين "المعتدلين" و"المتطرفين"، ليتم لاحقاً انخراط هؤلاء "المعتدلين" إلى جانب الروس والامريكان والجيش العربي السوري في القضاء على "المتطرفين"، وصولاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في دمشق، برئاسة بشار الأسد، وتشمل ممثلين عن المعتدلين" الذين سيشاركوا في المعركة النهائية ضد "المتطرفين".
كل ذلك لم يحدث، فالنظام السوري لا يريد ذلك الخيار، فثارت مشكلة قصف قوافل المساعدات الإنسانية التي وأدت الاتفاق وأججت الصراع، لتصحو أمريكا ومعها فرنسا في دعوة مجلس الأمن للتحقيق بجرائم حرب في حلب، وتعلن موسكو انها ستعترض على أي قرارات ضد التدخل في حلب، وهذا ما وترد موسكو بمقترح آخر، مما يدفع الأزمة إلى التدويل بشكل أكبر، وفيما يبدو أن تركيا المتأثرة بالأمر تتململ بشكل أكبر وتنعطف إلى سياسة الحفاظ على مصالحها، فإنه لم يعد ممكناً إبقاء اللعبة في سوريا مغلقة بين طرفي المعادلة الروس والأمريكان مما يعني المزيد من التعقيد.