الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المسألة الكردية والأزمة التركية

المسألة الكردية والأزمة التركية

08.09.2016
د. وحيد عبد المجيد


الاتحاد
الاربعاء 7/9/2016
تبدو تركيا الآن كما لو أنها بلد آخر غير ذلك الذي كان في العقد الماضي داخلياً وخارجياً على حد سواء. الإنجاز الاقتصادي الكبير صار مُهدَّداً، بل بدأ في التراجع بالفعل، وهذا تراجع مرشح لأن يزداد بسبب الوضع الضبابي السائد منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو الماضي، وآثاره السلبية على الاستثمار.
فقد وصلت عمليات "تطهير" أجهزة الدولة من "الانقلابيين" إلى مستوى ينذر بالخطر، بعد أن توسعت في كل اتجاه حتى طالت عناصر في "حزب التنمية والعدالة" الحاكم أيضاً. ومن شأن هذا التوسع في الاعتقالات أن يحرم تركيا من كوادر مؤهلة ساهمت في الإنجاز الذي تحقق في العقد الماضي، ويخلق مناخاً طارداً للاستثمار.
كما أدت السياسة التركية الغامضة تجاه تنظيم "داعش" منذ 2013 إلى عواقب وخيمة، فقد سعت أنقرة إلى إمساك العصا من منتصفها، فتغاضت عن حركة التنظيم الإرهابي عبر الحدود التركية السورية، وتعاونت في الوقت نفسه مع التحالف الدولي ضده. والنتيجة أنه عندما انقلب "داعش" عليها أخيراً، ووضعها على جدول عملياته الانتحارية، كانت لديه معلومات حصل عليها من عناصره الذين تحركوا داخلها وعبر حدودها طوال ثلاث سنوات.
ولم يكن هذا هو الخطأ الوحيد الذي وقعت فيه السياسة التركية وأنتج آثاراً خطيرة، فقد أدى قرار إنهاء مسار الحل السلمي للأزمة الكردية، بدون دراسة لعواقبه، إلى تجدد الصراع مع "حزب العمال الكردستاني"، فيما تمدد حليفه "حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي" وذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب" في شمال سوريا، وحقق نجاحات متوالية مكنَّته من إقامة إدارة ذاتية، والتطلع إلى نظام فيدرالي.
ويتبين الآن مدى رعونة ذلك القرار، فقد أصبحت العلاقة بين الحزبين التركي والسوري مصدر تهديد لتركيا كان بإمكانها تجنبه لو أن مسار الحل السلمي للأزمة الكردية فيها استمر حتى الآن.
وتتشابك على هذا النحو إخفاقات السياستين الداخلية والخارجية في تركيا على نحو لم يكن متوقعاً حتى مطلع العقد الحالي، حين كان اقتصادها ينمو بمعدلات مرتفعة، وكانت دبلوماسيتها تحقق نجاحاً من خلال سياسة ناعمة.
تواجه تركيا الآن أزمات داخلية وخارجية متشابكة، في الوقت الذي فقدت فيه زمام المبادرة التي تميزت بها سياستها من قبل، وأصبحت في موقع رد الفعل المصحوب بحالات انفعالية ازدادت بوضوح في الأسابيع الأخيرة لأسباب أهمها التقدم الذي أحرزته القوات الكردية في شمال سوريا.
وأصبح هذا التقدم ضاغطاً بشدة على أعصاب الرئيس أردوغان الذي لم يعد له شريك في تحديد الاتجاه الذي تمضي فيه تركيا، وكان هذا الضغط في مقدمة العوامل التي دفعته إلى الاعتذار لروسيا وتحسين العلاقات معها، ومد جسور أقوى مع إيران، تمهيداً لتحول في موقفه تجاه الأزمة السورية.
ورغم أن المسألة الكردية ليست العامل الوحيد وراء هذا التحول الذي بدأ قبل أسبوعين على المحاولة الانقلابية الفاشلة، تفيد المعطيات أنه يرتبط باعتقاد تركي بأن الاقتراب من روسيا وإيران يوفر فرصة أفضل لمواجهة "الخطر" الكردي الذي تضعه أنقرة في المرتبة الأولى بين مصادر التهديد الراهنة، وتتخذ من خطر "داعش" مدخلاً لمواجهته.
ولا يخفى أن الهدف الأول لعملية "درع الفرات" التي تشنها تركيا في شمال سوريا منذ فجر 24 أغسطس الماضي هو إبعاد القوات الكردية عن المناطق الممتدة من الحدود إلى نهر الفرات، والسيطرة على هذه المناطق، وتسليمها لقوات المعارضة الموالية لها معظمها من بقايا "الجيش الحر" بعد أن قامت بتدريبها وتسليحها، وسبقت تركيا بذلك "وحدات حماية الشعب" التي كانت تستعد لمواصلة التقدم وطرد "داعش" من مدينة جرابلس، ثم التوجه إلى عفرين لربط الأقاليم ذات الغالبية الكردية في شرق الفرات وغربه.
ورغم أن ظاهر الحال يوحي بنجاح تركيا في هذه المهمة، يظل السؤال المهم هو: هل تكفي السيطرة على المنطقة الحدودية لإنهاء ما تعتبره خطراً كردياً رغم أنه موجود في داخلها، ويُرجح أن يزداد في ظل اضطراب أوضاعها، وتوسع القمع الذي ينال الأكراد نصيباً معتبراً منه؟