الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المستفيدون من مأساة سوريا

المستفيدون من مأساة سوريا

23.12.2015
فايز الفايز



الشرق القطرية
الثلاثاء 22/12/2015
قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بشأن سوريا الأسبوع الماضي، جاء بفكرة واحدة: فلنعد لنقطة الصفر ولنبدأ من جديد فيما يخص الصراع السوري، لنضع السيوف جانبا ولنجمع ما يمكننا جمعه من مواطنين سوريين ثائرين ليجلسوا إلى مجلس رجالات الرئيس الأسد ليتفاهموا حول المستقبل السياسي للدولة والنظام السياسي وقبة الحكم في سوريا، هكذا هو الأمر إذا بعد أربع سنوات من اللهيب الذي أحرق الأخضر واليابس في سوريا، وهكذا دون أن نلقي المسؤولية على أحد، وهكذا بلا تنهيدة حزن على 400 ألف سوري قتلوا على يد جيش الأسد والمليشيات والتنظيمات التي انخرطت في القتال، وهكذا بعدما دُمرّ أكثر من ثلثي البنية التحتية هناك.
اليوم وبعد أكثر من نصف قرن للإعلانات الدولية والأممية حول السلام والعدل والمحاكمات الجنائية وحقوق الإنسان والدولة المدنية والكثير من الكلام الفارغ عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، لا يزال هناك الكثير من النفاق والدجل السياسي في العالم الغربي الذي يتحكم بالعالم كله، فعملية إرهابية منفردة تقع في إحدى دول العالم الأبيض غربا، تستدعي استنفارا عالميا لمواجهة "الإسلاميين الإرهابيين" ويسمح بعدها بالنيل من المسلمين وقذف الإسلام بما ليس فيه، ويستغلها مرشح رئاسي كدونالد ترامب ليطالب بمنع المسلمين من دخول أمريكا، فيما تشدد دول أوروبا والولايات المتحدة فعلا على كل مسافر عربي أو مسلم.
أما نظام في سوريا قتل بمعاونة إيران ومليشياتها مئات الآلاف من المدنيين، ورئيس وزراء في العراق أمعن خلال ثماني سنوات مالكية بحصار وقتل لأهل السنة وصمت دولي حتى نهض مارد داعش، فذلك يحتمل وجهة نظر من الممكن تجاوزها.
الحل السياسي في سوريا اليوم بات مطلبا ضروريا لإنهاء الصراع الدموي، ولكن كل ما يتعلق بالتفاصيل التي تتناقش بها دوائر صنع القرار الخارجي ليست "علك كلام"، بل وكلام فارغ، فالحل السياسي يأتي بعد وقف تام وكامل لإطلاق النار وعمليات القتل والتدمير داخل سوريا، ولن يتوقف القتال أبداً ما دام جيش الأسد مدعوما من روسيا العظمى وجيشها ومقاتلاتها المنخرطة في القتال، ومادامت الألوية والعسكريون الإيرانيون ومليشيات حزب الله تقاتل هناك، وما دامت الولايات المتحدة تراوغ فيما يتعلق بتنظيم داعش الذي استولى على كميات ضخمة من الأسلحة الأمريكية دون أي تحرك فعلي على الأرض، والاكتفاء بأعداد متواضعة لعسكريين أمريكان في شمال سوريا يدعمون الأكراد، فيما العرب السنة يُقتلون على أيدي الجميع.
إن العملية الإسرائيلية التي تمت أول أمس واستهدفت مبنى من خمسة طوابق في جرمايا بضواحي دمشق وقتل فيها سمير قنطار وخمسة من القادة الميدانيين جميعهم يقاتلون إلى جانب حزب الله دعما للأسد، يوضح مدى الانتشار الاستخباري لجميع الدول المحيطة بسوريا، وهذا ما يشي بأن الصراع الدائر هناك له محركات حرب سرية بين مختلف الدول التي تتصارع سياسيا حسب مصالحها، فيما الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن كل يوم من دمه وقوته ومستقبل أجياله، والأهم أن إسرائيل مثلا لن تقبل بسقوط الأسد ما لم تضمن قيادة آمنة في دمشق، فالأسد ونظامه التاريخي كان أكبر جدار آمن لإسرائيل طيلة أربعين عاما مضت، والولايات المتحدة لا تخرج عن الخط الأصفر الذي يمكنها من وضع معادلة الأمن الإسرائيلي على الحدود الكاملة للدولة العبرية.
من البديهي التفكير بإخراج جميع التنظيمات المسلحة على الأرض السورية وإيقاف الجيش السوري لعملياته الحربية وطائراته التي تقصف البراميل المتفجرة، ولكن من يصنف حقيقة تلك التنظيمات، فإذا كان تنظيم داعش هو الرأس الكبير والذي يسيطر على مساحات واسعة من الأرض، وباتت له قوانينه الخاصة ومصارفه المالية وعسكره وسلاحه المدمر، فما هو حال 160 تنظيما مسلحا آخر تم تسريب خبر لائحتهم التي قيل إن الأردن سلمها لموسكو بما فيها جبهة النصرة التي قاتلت داعش، وهل جيش الإسلام وأحرار الشام والعديد من التنظيمات السنية السورية هي ضمن لائحة الإرهابيين؟، ومن بقي حتى يجلس على طاولة الحوار مع النظام كما يريد قرار مجلس الأمن؟ حزب الله مثلا أم مندوبون روس وإيرانيون وأصدقاء الرئيس.
من المحزن فعلا أن تدخل السنة الخامسة ولا يزال بشار الأسد ونظامه المستبد على رأس الحكم الرسمي في سوريا أم الثورات والأحرار، فيما أودية الدم تسيل كما الفرات في كل الأرض السورية، ولذلك على من يريد البحث عن إنهاء للصراع في سوريا من أجل الشعب ومستقبل سوريا، فعليه أن ينهي حكم الأسد فورا، وتمثيل نظامه بشخصية سياسية أخرى لتجلس على طاولة حوار فعليا لوضع ترتيبات فترة انتقالية تكون لأغلبية الشعب السوري حصتها فيها لتحكم سوريا بعدها على أسس من المدنية والعدالة والتمثيل الكامل للشعب، دون رعب من أجهزة المخابرات الجوية والعسكرية وأقبية الظلام.
ولن أبالغ في القول: لو أرادت الدول الكبرى الحل الفعلي، لأنهت الصراع السوري في أقل من نصف عام، ولكن هناك من لا يزال مستفيدا من مأساة سوريا.