الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشرق العربي وتركيا في لحظة الاستحقاق الكبير

المشرق العربي وتركيا في لحظة الاستحقاق الكبير

15.02.2016
وائل مرزا



المدينة
الاحد 14/2/2016
المشرق العربي وتركيا في لحظة الاستحقاق الكبير كان الرئيس الأميركي، السابق، ثيودور روزفلت معروفاً بأنه (صانع سلام)، لكن هذا الرجل نفسه قال: "لاتضرب على الإطلاق إذا كان تجنّبُ الضرب ممكناً بشكلٍ مُشرِّف. ولكن إياك أن تضرب بنعومة [حين يقتضي المقام]".
منذ شهور. طالبَ الرئيس الأميركي أوباما، علناً، الدول القادرة في المنطقة بأن تأخذ هي المبادرة، وألا تنتظرَ من بلده القيام بما يجب عليها هي القيام به. ومنذ أسبوعين، خرجت الأنباء من السعودية تؤكد استعدادها للمشاركة بقوات برية في سوريا لمحاربة الإرهاب وداعش. وفجأةً، ظهرت درجةٌ جديدة من النشاط وصلت، منذ يومين، إلى حد إعلان اتفاقيةِ قيل أن الهدف منها هو "وقف الأعمال العدائية"، وإيصال المساعدات للمحاصرين والمُحتاجين، واستئناف مفاوضات جنيف.
بالمقابل، خرج رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف يحذر من خطر نشوب "حرب عالمية جديدة" في حال حصل هجوم بري خارجي في سورية، في مقابلة نشرتها صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية. ولشدة حرصهِ على الشركاء العرب، وعلى المنطقة والعالم، لا لأي شيءٍ آخر.. شدد على أنه "يجدر بالأميركيين وشركائنا العرب التفكير ملياً: هل يريدون حرباً دائمة، وهل يعتقدون أن بوسعهم تحقيق انتصار سريع في مثل هذه الحرب؟ إن أي شيء من هذا القبيل مستحيل، وخصوصاً في العالم العربي".
مامن شكٍ في طبيعة الرسائل المُرسلة إلى دول الخليج العربي وتركيا بلسان الحال وبلسان المقال. والإشارات التي تُطلقها المهزلة الدولية المستمرة في سوريا تقول لكل أصحاب العلاقة: "ما حكﱠ جِلدكَ مثل ظفرك فتولﱠ أنت جميع أمرك" أي "اقلعوا شوككم بأظافركم". وهذا لايُقالُ للسوريين فقط، وإنما أيضاً لقوىً إقليمية يُعرف أنها ستتضرر من تلك المهزلة بشكلٍ استثنائي. وحين يصبح الأمر أمرَ وجودٍ وبقاء يُصبح ممكناً، بل مطلوباً، تأجيلُ البحث في كل شيءٍ آخر في هذه المرحلة، والاتفاق جدياً على اقتلاع الشوك بقوة، مرةً واحدة وإلى الأبد.
تدرك مراكز القرار الدولية أن المهزلة المذكورة تضع كثيراً من الدول في المنطقة أمام التحدي الوجودي، لكنها تمضي فيها بشكلٍ قد يحمل في طياته (مناورةً) يجب الانتباهُ إليها. فتلك المراكز تُدرك تماماً مصالحها الاستراتيجية مع القوى ذات العلاقة في المنطقة، لكنها تُمارس مايُشبه لعبة (البوكر) سياسياً حين تُحاول الضغط عليها من خلال (الإيحاء) بإمكانية القطع معها. ومفصلُ الطريق في المسألة يكمن في أن تُسارع هذه القوى تحديداً إلى إظهار جدﱢيتها في الدفاع عن مصالحها بكل مافيها من حسمٍ ووضوحٍ وقوة، وبعيداً عن أي تردد، حفاظاً أولاً على (هيبةٍ) لايمكن التفريط بها والتقليل من أهميتها البالغة في جملة الحسابات السياسية، ثم تأكيداً لجاهزيتها العملية في التعامل مع مدخل (كسر العظم) الذي تحاول إيران وروسيا التركيز عليه.
وفي مثل هذه الحالة فقط، تعود مراكز القرار المذكورة للاعتراف، ليس فقط بمصالحها الاستراتيجية الحقيقية في المنطقة، بل وبضرورة العمل بمقتضيات مصالحها المشتركة مع دولها، بعيداً عن منطق المناورات. ليس مهماً في هذا الإطار أن تكون تلك المناورات ناجمةً عن حسابات مقصودة أو نتيجة غباءٍ في الرؤية دفعت المنطقة، ومعها العالم، ثمنهُ أكثر من مرة في العقود الأخيرة، فالنتيجة واحدة في نهاية المطاف، ولايمكن للدول صاحبة العلاقة أن تقف أمامها موقف المُتفرج.
خطة "وقف الأعمال العدائية" التي خرج بها اجتماع ميونيخ الأخير غامضةٌ في أحسن الأحوال، وليس من مصلحة أحد أن تقبل بها المعارضة السورية، وأن تعود إلى جنيف بناءً على وجودها ورقياً كما تريد روسيا، دون أي اختبارٍ حقيقي على الأرض لمعنى تلك الخطة ونتائجها. خاصةً أن وجود المعارضة في جنيف هو، بحد ذاته، غطاءٌ مناسب لاستمرار مجمل عملية خلط الأوراق الجارية في المنطقة. وإذا كان مجرد التلويح بالوجود على الأرض السورية برياً خطوةً كافيةً لتحريك الوضع بالطريقة التي رأيناها، فإن استمرار عملٍ يوحي بجدية تلك الخطوة سيكون ورقة الضغط التي تضع الجميع أمام مسؤوليتهم بوضوح