الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشروع الروسي لسوريا.. قراءة تفكيكية

المشروع الروسي لسوريا.. قراءة تفكيكية

26.10.2015
مهنا الحبيل



اليوم السعودية
الاحد 25/10/2015
كان مشهد استدعاء الأسد لموسكو ملفتاً بالفعل، وكانت طريقة عرض التلفزة الروسية المذلة له، تؤكد رسالة حرصت موسكو عليها، حضر الأسد لموسكو دون إعلان ودون بروتوكولات رسمية مع الرئيس الروسي، بل أُدخل عليه كموظف طلبه بوتن لمراجعته في أدائه، أو إبلاغه بمهام جديدة، وكان الأسد المضطرب، الذي فقد صلف أبيه المظهري، وإن اتفق معه في جرائم الإرهاب النازية، مهزوما ومهزوزا، لكن ما الذي دفع الروس لتقديم بشار في هذه الصورة.
ليس بالضرورة أن يكون الروس قد هدفوا لهذا المستوى من الإذلال لرجل إيران ورجلهم في دمشق، فلربما أضر المشهد بالهدف الاستراتيجي للرسالة، أو أثّر على مسارات أخرى تسند النظام، فتضطرب من هذه الصورة، وطوال الحرب الباردة، لم تكن موسكو تستطيع منافسة عدسة الأمريكيين المنافسة، والأقدر على خلق تبرير لحروبها الباردة مع السوفييت أو لغزوها الإمبريالي ضد العالم الجنوبي وتقديمه على أنه عالم من المتوحشين، وإنما يغزو السوبرمان الأمريكي، للتبشير بحضارته وسرقة النفط والمصالح، من أولئك الاوباش لصالح العالم المتحضر.
في حين ركز الاعلام السياسي وسينما هوليود، على الجحيم الذي عاشته بلدان الغزو الشيوعي، وهو جحيم بالفعل، لكنه لا يبعد كثيرا عن جنة الغرب المزيفة التي بشرت بها العالم الثالث ثم قدمته هيكلا من حروب وتدخلات، ارتفعت فيها الخرافة الطائفية الدامية، بسلاح المارينز.
والصورة اليوم والخبر يلعبان دوراً مهما في تمرير المشاريع المتنافسة، على ما تبقى من الشرق بعد الحرائق التي داهمته، من مؤججي هذه الحرائق أو صانعيها الأصليين، بما فيها حرائق جماعات العنف الوحشي التي لم يعرفها الشرق إلا بعد حروب الغرب، ومآسي العالم الثالث وخاصة الإسلامي على يديه.
ورسالة الصورة بالإمكان أن تُفهم بوضوح، موسكو تقول لواشنطن وللعرب ولكل الأطراف انني أمسك بخيوط اللعبة، وبالتالي بالإمكان أن تُنهَى الأزمة الروسية، عن طريقي، وهل هي إنهاء أم تصفية أم تسوية، هذا لا يعني الروس أبداً بحسب نص حديثهم وتصريحاتهم، وبالتالي ماذا سيحدث بعد هذه التصفية للقضية السورية، هل ستهدأ الأوضاع بالفعل ولو وقفت الحرب العسكرية، أم أنها ستتحول الى بركان بجانب البركان العراقي؟
وماذا عن تداعياتها على المنطقة، باعتبار أنها تصفية وليست تسوية، وإذا كانت تصفية أين ستذهب آثار هذه التصفية وإلى أين ستتسرب ومن هم ضحاياها الجدد، وما دام أن طهران وموسكو هما الحليفان الميدانيان الأمنيان، الى أين سيُدفع هذا التسرب خارج مصالحهم ومواقعهم.
ونود أن نؤكد هنا أن الزيارات الدبلوماسية، وسماع موقف موسكو وغيرها، هي ضمن خيارات العمل الدبلوماسي المتاحة لكل دولة، وليس بالضرورة أن يكون هناك تطابق، وعلى سبيل المثال فتصريحات الدبلوماسية السعودية لا تزال في نفس الموقف من زاوية الاختلاف مع موسكو، بعد تبادل الزيارات، كما أنها تهدف الى وضع إمكانية التعامل مع طريق ثالث، حين يبدو لهذا الطرف أو ذاك عجزه عن تنفيذ مشروعه، وهي لغة دبلوماسية معروفة، ومسألة الفترة الانتقالية للأسد، هي ضمن حديث الدبلوماسية حين يَرِد السؤال، لو قرر التنحي، وفي الحقيقة أن إسقاط نظام الأسد كنظام، ليس واردا أبداً في مشروع الروس.
وهي هنا القاعدة الأولى لتفكيك المشروع الروسي، والروس الذين أصروا على جنيف، هم ذاتهم الذين أعاقوا تقدمه، بتعطيل أهم بند وهو انتقال الحكم تدريجيا، خارج سلطة الأسد، ووقفوا ضد نزع السلطة الأمنية من يده في التعامل مع المتظاهرين السلميين، وشجعته على القتل، ثم اليوم تقتلهم بطيرانها وسلاحها المباشر.
وعليه هل تغيرت المعطيات الرئيسية اليوم لدى موسكو، للقاء فيّنا القادم، أم أن الروس الذين يشعرون بأنهم حصلوا على توكيل ضمني من الغرب، إما لعجز واشنطن أو لقرارها في إعادة تموضعها الاستراتيجي في الخليج العربي، أو قناعة من الاتحاد الأوروبي، بأن جُرأة الروس على القتل والتصفية الدموية، ستكفل لهم التخلص من تأثيرات الأزمة السورية، وضغط اللاجئين، وضمان أمن إسرائيل، والذي دفع تل ابيب للمشاركة في عمليات الروس لوجستيا، كما أعلنت ذلك موسكو.
من هنا فإن ما يمكن استخلاصه من هذه الخريطة الدقيقة نُجمله في الآتي:
1- قاعدة التغيير لدى الروس وحلفائها الجهريين والسريين، تصفية الثورة السورية، ودفعها عسكريا لهزيمة تعلن بعدها انسحابها.
2- مسألة إعادة صناعة النظام السوري، دون الأسد ممكن، ولكنها من ذات النظام، وخاصة الأقليات التي أكّد عليها بوتن في لقائه، وليس ضمن إطار وطني مستقل، وبالتالي لا تغيير مطلقا في روح الحكم.
3- هذا المشروع لا يزال الطرف الرئيس فيه طهران، التي بارك مرشدها رسميا الاتفاق النووي مؤخرا، وبدأت تدخل بقوة مع الشراكة الغربية، التي لا يضيرها هتافات الموت لأمريكا.
4- وعليه فإن الروس يهدفون الى استدراج زماني ومرحلي مهم، لتحقيق مشروعهم، والتخلص من أي ارتدادات سلبية عليهم، بأخذ تفويض ضمني لعملياتهم، التي تأتي في إطار احتلال مباشر، بالضبط كما فعل الأمريكيون سابقا، وقال لهم الأمير سعود الفيصل لقد قدمتم العراق على طبق من فضة لإيران.
5- وشراكة موسكو في الغنيمة السورية الجديدة مع إيران، ليست اقل سوءًا بل أشنع.
والمأسسة السياسية، للتمهيد لهذا المشروع، سيدفع الخليج تكاليفها غاليا، فضلا عن نكبة جديدة للعراق وسوريا، حين تتبدد سحب دبلوماسية الروس، وتفيض على المنطقة موجات عنف أكبر.
إن ما نقله السيد نواف عبيد المستشار الإعلامي السابق للخارجية السعودية، عن دبلوماسي سعودي رفيع المستوى، بأن المملكة ستدعم مشروع انقرة بكل حزم، وهو المشروع الذي يقوم على تحقيق المنطقة الآمنة للاجئين، والسلاح النوعي للثوار، هو المفصل المنتظر، والباب الذي سيُحقق أرضية لتسوية سياسية، لكن عبر هزيمة النظام لا الشعب.