الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشكلة السورية تطرق أبواب العالم

المشكلة السورية تطرق أبواب العالم

10.09.2015
د. رحيل محمد غرايبة



الدستور
الاربعاء 9/9/2015
ما كان للمشكلة السوريّة أن تتطور وتتفاقم إلى هذا الحد من الفظاعة لولا التدخل الخارجي الصارخ في شؤون الشعب السوري، والتدخل الإقليمي والدولي الفاضح في شؤون الدولة السورية من كل الأطراف وفي كل الاتجاهات وعلى حميع المحاور.
لقد فتح الباب على مصراعيه أمام دخول المقاتلين والمليشيات المسلحة من قبل الطرفين المتصارعين، وفتح الباب على مصراعيه لتدفق الأسلحة والمساعدات المالية من كل حدب وصوب، وسمح للفوضى أن تكون سيدة الموقف، وفي ظلال الفوضى والدم المسفوح نبتت فكرة التطرف والعنف المنفلت من كل أعراف البشر وقيم الإنسانية.
ما يحدث في سوريا يتم تحت نظر العالم وبصره، بل بتوجيه ورعاية من الأطراف القوية والمتنفذة في مصائر الشعوب المستضعفة، وسكت العالم على المجزرة المروعة بحق الشعب السوري، وأصبح سقوط مئات الآلاف من الضحايا نساءً وأطفالاً؛ خبراً عادياً على نشرات الأخبار اليومية، لا يحرك شعرة في جلود المتحضرين وأرباب حقوق الإنسان، والقائمين على المؤسسات الدولية وهيئة الأمم ومجلس الأمن، الذي يعيش غفوة طويلة الأمد إزاء ما يحدث، لأن التقارير المرفوعة تتحدث عن انحصار الضرر في الشعب السوري من الطرفين، وإن "إسرائيل" في سلام، وإن آبار النفط في سلام، وإن غرب العالم وشرقه في سلام، ولذلك فإن قليلاً من التبرعات المادية، وقليلاً من الجهود الرخوة الكسولة تكفي، ريثما يتم الاقتراب من فناء الطرفين.
كل التنظيرات التي ملأت الأفق خلال العقود السابقة عن "العولمة" وأن العالم أصبح قرية صغيرة، ولا بد من إزالة كل الحواجز التي تحول دون انسياب البضاعة والمنجزات الصناعية، وتسهيل حركة المال، كله كان يتم بعين عوراء وفي اتجاه واحد ونحو تحقيق مصلحة الكبار فقط، أي بما يكفل انسياب بضاعتهم واستثماراتهم وحركة رؤوس أموالهم، وحماية أفكارهم وابتكاراتهم، ولا تشمل العولمة تسهيل حركة مرور الأشخاص من الجنوب إلى الشمال، ولا يسمح لفقراء العالم الثالث بالبحث عن فرص العمل في بلاد الأغنياء، ولم يعد العالم قرية صغيرة في ظل استيعاب المهجرين والمعذبين وضحايا الحروب والقمع والاستبداد.
إن طوفان الهجرة السورية والعراقية اليوم الذي انطلق من عقاله و تحدى كل الحواجز والجدران الفولاذية، وطرق عواصم الدول الأوروبية بقوة، وجاء آلاف المحمولين على قوارب الموت، وتحت جنح الظلام يبحثون عن المأوى في أرض السلام والأحلام، يطرقون الأبواب الموصدة ويمتحنون أكاذيب العالم، وتنظيرات العولمة المضللة والخادعة.
إن جموع المشردين من الشعبين السوري والعراقي، تضع العالم كله على المحك، وأمام الامتحان العسير، فكان أول الساقطين: نظريات المقاومة والممانعة التي استطاعت أن تضلل العرب لمدة تزيد عن أربعين عاماً، ثم سقطت كل أقاويل انظمة العرب السياسية وشعاراتهم وتنظيراتهم الجوفاء، والآن تسقط نظرية العولمة وكل قيمها، التي تعد أكبر أكذوبة في التاريخ الإنساني، ويصدق الشاعر : ما حك جلدك مثل ظفرك .... فتولَّ أنت جميع أمرك.
كل هذه الامتحانات تدعو الأجيال للوقوف على الحقيقة المرة، ليس من أجل الندب والبكاء، ورفع شعارات اليأس والإحباط، ولكن من أجل فهم الواقع وفهم الحقيقة والتعامل معها بمصداقية وتفكير وتعقل، وتجديد العزم نحو التغيير بعيداً عن الارتجالية والعبث والتقليد الأعمى.