الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشهد الأخير في دراما الأسد

المشهد الأخير في دراما الأسد

26.10.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 25/10/2015
بغض النظر عن كل التفاصيل فيما يخص علاقة بشار الأسد بسوريا، ثمة حقيقتان يبدو الإجماع عليهما نهائياً منذ زمن. أن دوره انتهى في هذا البلد سياسياً وشخصياً، وأن باب الخروج بعد إسدال الستار على حقبته سيكون من جهة روسيا.
لا يُغيرُ شيئاً في الحقيقة الأولى ما يُطرح من إمكان بقائه بضعة أشهر خلال مرحلةٍ انتقالية، وتأتي زيارتهُ العتيدة إلى موسكو، بإخراجها المتعدد الرسائل، لتؤكد الحقيقة الثانية.
فلسانُ الحال أصدقُ من لسان المقال كما قالت العرب يوماً. ورغم تصريحات روسيا، أثناء زيارة الأسد وبعدها، إلا أن ظروف الزيارة نفسها، بكل ملابساتها وإشاراتها الرمزية، كانت تصب في مسار الحراك السياسي الإقليمي والدولي الحثيث لإيجاد بديل له.
بشكلٍ محدد، بعد قرابة خمس سنوات من قرار (اللا قرار) الذي كان يحكم الموقف الدولي تجاه ثورة الشعب السوري، يبدو أن المشكلات التي نتجت عن ذلك (اللا قرار) تفاقمت لدى الجميع بحيث وصلنا إلى مرحلةٍ لا مفر فيها من وجود قرار.
ولكن، لا داعي للأوهام هنا، فهذه مرحلةُ (كسر عظم) صعبة تسبق الوصول إلى القرار. والأرجح فيما يخص اجتماع فيينا (المقالُ كُتب قبل حصوله) أن يكون محاولةً روسية لاستثمار وجودها العسكري في سوريا وإثباتِها السيطرة على الأسد عبر (استدعائه) بذلك الشكل المُهين، وهي عمليةٌ لاتمانعُ فيها أمريكا أوباما.
من هنا يبدو التركيز ضرورياً، أولاً وأخيراً، على ثبات الموقف العربي الداعم للشعب السوري.. فالأغلب أن القراءة السعودية قريبةٌ من الرؤية أعلاه، وهو ما يُفسر تصريحات وزير الخارجية السعودي الواضحة للصحفيين في فيينا، التي أكد فيها أن التدخل الروسي في سورية خطيرٌ جداً "لأنه يؤجج الصراع"، مؤكداً بعد ذلك أن الجانب السعودي قال هذا للروس بوضوح. ليُعبر بعدها عن مخاوفه من أن يلهب ذلك المشاعر في العالم الإسلامي، ويزيد من تدفق المقاتلين على سوريا، في رسالة واضحة لروسيا التي لاتزال تحاول استهلاك ورقة (الإرهاب) بشكلٍ مُبتذل.
لكن الرسالة الأكثر وضوحاً جاءت حين سُئل الجبير عما إذا كان بإمكان الأسد أن يلعب دوراً في أي حكومة موقتة، وذلك حين قال إن دوره سيكون الخروج من سوريا، مشيراً إلى أن أفضل سيناريو يمكن أن يحدث هو الاستيقاظ صباحاً والأسد غير موجود في سوريا. بهذا الحسم والشفافية تقود السعودية موقف العرب الداعمين للشعب السوري في هذه المرحلة الحساسة جداً.
بهذه الدرجة من الحسم والشفافية تقود السعودية موقف العرب الداعمين للشعب السوري في هذه المرحلة الحساسة جداً. وتفعلُ هذا بإصرارٍ كبير لأنها تدرك أن ملابسات اللحظة لا تسمح بأي تردد أو خفضٍ للسقف يمكن أن تلتقطه الأطراف الأخرى، فتحاولَ بالتالي ممارسة عمليات خلط الأوراق ونشر البلبلة، لبدء العملية السياسية من سقفٍ منخفض.. وهذا ما يبدو واضحاً أنها تفعلهُ بمهارة قبل لقاء فيينا، وبحسابات دقيقة.
في هذا الإطار، يبدو الموقف القطري منسجماً مع الرؤية نفسها. فحين سألت قناة "سي إن إن" وزير الخارجية القطري عما إذا كانت بلاده تؤيد موقف السعودية الذي لا يستبعد الخيار العسكري في سوريا نتيجة لتدخل روسيا، قال الوزير بكل وضوح: "أي شيء سيؤدي إلى حماية الشعب السوري ويحمي سوريا من الانقسام لن نألوا جهداً للقيام به مع إخوتنا السعوديين والأتراك مهما كان هذا الشيء".
مضيفاً، لمزيدٍ من التفصيل، قوله: "إذا كان التدخل العسكري سيحمي الشعب السوري من وحشية النظام السوري فبالطبع سنقوم به".. وأخيراً، لوضع الأمور في نصابها ختمَ بقوله: "لا نخشى أي مواجهة ولهذا سندعو للحوار من موقع القوة، لأننا نؤمن بالسلام والطريق الأقصر للسلام يكون بالحوار المباشر".
وفي نفس المسار، يأتي الموقف التركي الرافض، حسب رئيس الوزراء التركي "لأي مرحلة انتقالية لحل الأزمة التي تشهدها سوريا تفضي ببقاء الأسد في السلطة"، وذلك في تصريحات أدلى بها رئيس الحكومة التركية لوسائل إعلامية محلية.
لاشك، من باب الواقعية، أن الموقف الأمريكي هامٌ وأساسي. لهذا، يكون جيداً أن يتحدث وزير الخارجية كيري عن اتفاق دول اجتماع فيينا على "مبادئ مشتركة" حول مستقبل سوريا، ثم يؤكد قائلاً: "لكنّ أمامنا شخصاً يجب إزاحته بسرعة، هذا الشخص هو بشار الأسد".
من المُعبِّر أن كل التصريحات المذكورة أعلاه، وما صاحبها من حراكٍ سياسيٍ ودبلوماسي مُعلنٍ وخفي، حصل خلال أيام قبل طباعة هذا المقال الذي كتب يوم الجمعة قبل لقاءات جنيف. وبغض النظر عما سيتمخض عنها، إلا أن الأرجح أن عبارة كيري قد تكون دليلاً آخر على الوصول لمرحلة (قرارٍ) سيُتخذ خلال اللقاءات المذكورة أو بعده بزمنٍ لن يطول. رغم أننا اعتدنا سماع مثل هذه التصريحات إلى درجةٍ مُبتذلة.
من هنا، يكون السؤال الجوهري في الموضوع: بالنسبة لنا كعربٍ وكسوريين، ما هو دورنا وما هي أدواتنا في التأثير على طبيعة القرار بحيث يصب في مصلحتنا؟ لا شك أن عاملاً أساسياً جداً يكمنُ في الموقفَ العربي المذكور أعلاه. ولئن كان هذا الموقف ينبثق من إدراك أهمية سوريا المستقبل في استقرار المنطقة وصد الهجمة الإيرانية عليها، فوق تعاطفه مع الشعب السوري، فإن على السوريين، ممثلين في معارضتهم السياسية والعسكرية، الارتقاء إلى مستوى جدية الموقف الإستراتيجي الراهن، دون ترددٍ لم يعد لائقاً ولا مفهوماً، قد يكون هذه الأيام عنصرَ الإرباك الأكبر في عملية إنهاء المشهد الأخير من دراما الأسد.
ثمة (طفولةٌ) سياسية، ليس لها مكانٌ اليوم، في تكرار (لازمةٍ) تنوحُ وتشتكي من "خروج الموضوع من يد السوريين". لا ننفي صوابيةً مُعينة في مضمون هذه العبارة.. لكن المشكلة تكمن في أنها باتت، بتفكيرٍ سياسيٍ محترفٍ معاصر، من (لزومِ ما لايلزم)، أو في أحسن الأحوال كلمة حقٍ يُرادُ بها الباطل، لدى البعض على الأقل.
فالوقوف عندها لتبرير العجز الكامل قصورٌ في فهم معنى الثورة السورية بمعناها الكبير ابتداءً، وغفلةٌ عن أهمية وحساسية الجغرافيا السياسية / (الجيوبوليتيكس)/ السورية بالنسبة للنظامين الإقليمي والعالمي كليهما.. والذي يَنظرُ للموضوع، ويُنظﱢرُ له، من هذا المدخل لا مكان له في عالم السياسة، بغض النظر عن نواياه وعواطفه.
فيما عدا ذلك، يمكن بالتأكيد للسوريين أن يكون لهم دورهم، ودورهم المؤثر. وإذا تعلم بعضهم حقاً من دروس السنوات الماضية وتجاربها، وامتلك شيئاً من الإبداع السياسي والتفكير الخلاق، يمكن لأمثال هؤلاء أن يكونوا جزءاً من الحل بدل أن يبقوا جزءاً من المشكلة، وسبباً لتأخير الحسم في اتخاذ القرار وتنفيذه.