الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشهد الإقليمي ..حريق طائفي

المشهد الإقليمي ..حريق طائفي

26.08.2014
عبدالله بن بجاد العتيبي



الاتحاد
25/8/2014
التصريحات الأميركية التي صدرت مؤخراً ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا هي تصريحاتٌ مستغربةٌ من الإدارة الأميركية الحالية حيث ظلّ نهج الرئيس الحالي طوال فترتي حكمه وحتى الآن يرفض بشكلٍ قاطعٍ أي شكلٍ من أشكال التدخل العسكري في مشكلات العالم ومنطقة الشرق الأوسط.
لقد رفض أوباما التدخل في سوريا على الرغم من كل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام بشار الأسد بما فيها استخدام الأسلحة الكيمياوية المحظورة دولياً ضد شعبه، ولكنّه قرر التدخل ضد تنظيم "داعش" لعدة أسباب معلنةٍ منها تهديده للأقليات المسالمة "الإيزيدية" والمسيحية ومنها قرب عناصره من أربيل التي يعمل فيها ضباط أميركيون وبعدما تدخلت الطائرات الأميركية وقيام تنظيم "داعش" بنحر الصحافي الأميركي جيمس فولي وتسجيل العملية وبثها على مواقع الإنترنت، تصاعدت لهجة الإدارة الأميركية من أن "داعش" أخطر من "القاعدة"، وأنها قادرةٌ على فعل إجرامي يقارب جريمة الحادي عشر من سبتمبر في أميركا، وأن قتل الصحفي الأميركي يُعد بمثابة اعتداء على البيت الأبيض، وهو ما يشي بتصعيدٍ عسكريٍ قادمٍ ضد "داعش".
لقد كتب منذ بداية الأزمة السورية أن التخاذل عنها وترك التحالف الطائفي الإيراني السوري مع "حزب الله" وكتائب شيعية عراقية يقتل الشعب السوري كيفما يشاء سيخلق تطرفاً طائفياً سنياً يوازي في بشاعته ما يجري في سوريا وقد حصل وخرج تنظيم "داعش" بكل البشاعة والوحشية غير المسبوقة من تنظيمات الإرهاب المعاصرة التي تعد نهجاً مستمراً للتنظيم.
وقد قيل إن ترك الحبل على الغارب لنظام الأسد، وترك الفوضى المسلحة تنمو تحت سمع العالم وبصره سينقلب شراً مستطيراً على الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية عموماً، وقد حصل لجهتين التخطيط لضرب مصالح أميركية وغربية في العالم وتجنيد عناصر إرهابية من تلك الدول، وقد صرّح رئيس الوزراء البريطاني بأن "الداعشي" الذي نحر الصحفي الأميركي من المرجح أن يكون بريطانياً، وقد بدأت القوات الأميركية بالتدخل في سوريا بعملية لإنقاذ الرهائن الأميركيين وصرح وزير الدفاع الأميركي أنه لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بحل الأزمة السورية، وهو مؤشرٌ مهمٌ قد يكون مبشراً بإنهاء الأزمة السورية.
تمّت إدانة تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" دولياً بالإرهاب، وهي إدانة مستحقة دون شكٍ، ولكن هذا لا يكفي للقضاء على الإرهاب في المنطقة، فثمة تنظيماتٌ وجماعاتٌ شيعيةٌ تعيث إرهاباً في سوريا والعراق واليمن، ولا يمكن بحالٍ محاربة الإرهاب السُني وإطلاق يد الإرهاب الشيعي، فهذه المعادلة غير قابلة للتطبيق، ولا يمكن لها النجاح، إن الإرهاب يجب أن يُدان بكل الأشكال ومهما كان دينه أو طائفته أو عرقه، وأوضح الأمثلة عليه المجزرة التي ارتكبتها مليشياتٌ شيعية في مسجد مصعب بن عمير شمال مدينة بعقوبة في ديالى بالعراق، وقتل فيها ما يقارب المئة من المدنيين السنّة.
هذه المجزرة ستكون دون ريبٍ امتحاناً صعباً لرئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي، وهل سيديرها كسلفه نوري المالكي بطائفيةٍ مقيتةٍ أم سيديرها كرجل دولةٍ معني باستقرار الدولة وفرض هيبتها وحماية مواطنيها؟ لأن هذه المجزرة ستكون مقياساً لوعيه السياسي وشخصيته كقائدٍ لوطنٍ لا مرشحٍ لحزبٍ ولا لطائفةٍ، ولن تحلّ مشكلة العراق، ولا أزمات المنطقة ما لم تكن المواطنة هي المعيار الأول للتعامل مع المواطنين بغض النظر عن مكوناتهم الدينية والطائفية والعرقية.
لا يمكن القضاء على الإرهاب بمحاباة جماعاتٍ إرهابيةٍ على حساب جماعةٍ إرهابيةٍ أخرى، فلا يمكن القضاء على "داعش" في العراق دون القضاء على المليشيات الشيعية الإرهابية، ولا يمكن القضاء على تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي دون القضاء بالمقابل على "حزب الله" اللبناني الإرهابي الذي يقاتل في سوريا، أي انحيازٍ لطرفٍ دون آخر في هذه المعادلة سيفسدها بأكملها، وإن نجحت تكتيكياً في القضاء على تنظيمٍ ما، فإن البيئة الفوضوية والمواقف المنحازة ستعيد خلق تنظيماتٍ أخرى قد تكون أشرس وأكثر عنفاً ودمويةً.
مع تصريحات المسؤولين الغربيين والجنرالات الأميركيين بعدم إمكانية القضاء على "داعش" عبر محاربته في العراق وتركه في سوريا لأنه تنظيم ألغى فعلياً الحدود بين البلدين يكون السؤال: كيف سيكون التدخل الأميركي في سوريا لملاحقة تنظيم "داعش"؟ الجواب حسب ما هو مطروح حالياً هو بناء تحالفٍ ضد التنظيم، ولكن ما طبيعة هذا التحالف؟ ومن سيكون عضواً فيه؟ وما هو هدفه؟
الإجابة على هذه الأسئلة ستوضح الفرق في النتائج، فإن كان معروفاً أن هذا التحالف سيشمل دولاً غربيةً ودولاً من المنطقة، فإن السؤال الأخطر هل سيكون نظام بشار الأسد عضواً في هذا التحالف؟ وهو أمرٌ تسرب شيءٌ منه لوسائل الإعلام، وهو ما يعني باختصار استمرار خطيئة غض الطرف عن جرائم الأسد، لا بل عن التحالف معه، وهو ما سيقوّض التحالف وسيزيد من أزمات المنطقة.
ما يجري في العراق وسوريا لا ينفك عما يجري في اليمن، فاليمن تمرّ بمرحلة من أخطر مراحل تاريخها الحديث، فالدولة اليمنية دولة فاشلة وغير قادرةٍ على فرض الاستقرار ولا حماية الوحدة ولا بسط الأمن، وحركة "الحوثي" تتقدم باتجاه العاصمة بالقوة المسلحة، وهي تزعم أنها تقيم مظاهرات سلميةٍ داخل صنعاء وأمام الوزارات السيادية كالداخلية أو المؤثرة كالإعلام، ولا يمكن لعاقلٍ أن يصدق أن من يحاصر العاصمة بالسلاح يمكن أن يكون سلمياً داخلها.
حركة "الحوثي" هي حركة شيعية إرهابية ويجب إدانتها دولياً، وهي حركة أنشأها حسين الحوثي الأب الروحي للجماعة، وهو رجل إيران في اليمن، وقد قام هو وورثته بمجازر ضد الجماعات والقبائل السنية، ولم يزالوا، وتهديدهم للعاصمة صنعاء تهديدٌ لكل دول الإقليم وللمنطقة برمتها.
ظلّ المذهب الزيدي يصنف لقرونٍ على أنه أقرب المذاهب الشيعية إلى السُنة، وهذا التقارب يتزايد مع أئمة كبار في الفقه الإسلامي كانوا ينتمون للمذهب الزيدي، ثم اتجهت اجتهاداتهم الفقهية والعقدية باتجاه السُنة، وخطورة ما صنعه "الحوثي"، هو أنه نظّر بكثافة لإبعاد الزيدية عن السُنة وإلحاقها بالتشيع السياسي والمذهبي.
أخيراً، فالحريق الطائفي سيأكل الأخضر واليابس ما لم تكن هناك حلولٌ متكاملةٌ لمشكلات المنطقة وخلق آليات للتعايش السلمي بين كافة المكونات، وهو ما يبدو حلماً بعيد المنال.