الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشهد التركي الروسي.. حقائق لا يراد لها أن تظهر!

المشهد التركي الروسي.. حقائق لا يراد لها أن تظهر!

03.12.2015
د. إبراهيم الشيخ



الشرق القطرية
الاربعاء 2/12/2015
من العجيب غير المستغرب، انتفاضة بعض الأصوات التي لا تفكّر بعقولها، وإنما بحقد أسود يملأ قلوبها على أمتنا، متمنين حربا انتقامية لروسيا ضد تركيا. السبب طبعا، قيام أنقرة بعمل (إرهابي) تمثّل في حماية حدودها وسيادتها، من اختراق متكرر لمجالها الجوي، من طائرات عسكرية روسية، تريد الانتقال عبر المجال الجوي التركي، لضرب وإبادة المدنيين داخل سوريا، انتصارا لحلف إيران-الأسد الدموي.
طبعا تلك الأمنيات، ليس لها معنى ولا قيمة، سوى فضح أصحابها، في زمن باتت أحداثه كالمنخال، يتساقط منه العشرات يوميا، ما بين مرتمٍ في أحضان أعداء أمتنا وأوطاننا في العلن، وما بين منافقين، ينخرون صفوفنا من الداخل، يحملون أسماءنا ويتكلمون بلساننا، ولكنهم (بارعون) في طعن هذه الأمة من الخلف، وفي أحلك المواقف. قد لا نستغرب إذا علمنا أن أولئك، ينتصرون لروسيا رغم اصطفافها مع نظام مجرم، قتل أكثر من 400 ألف سوري، بينما يقفون ضد تركيا التي تربطها مع غالبية دولنا علاقات إستراتيجية طيبة.تقارير سياسية كثيرة، تحدثت عن شبه استحالة تدخل روسي في حرب مباشرة مع تركيا، ولأسباب كثيرة، أهمها الممرات المائية الدولية التي تعتبر رابط روسيا البحري للعالم.
لو صعدت روسيا، لن يكون من الصعب أبداً على تركيا، أن تحجب روسيا وهي المطلة على البحر الأسود من الولوج إلى مضيقي البسفور والدردنيل، ما يعني بأن هناك سكينا تركية على الرقبة الروسية، قد تجعلها تفكّر ألف مرة قبل اتخاذ أي خطوات أكبر من حجمها.
تركيا ليست جورجيا التي تعيث فيها موسكو خرابا منذ 2008، ولا أوكرانيا التي شاهدنا ما حدث فيها من قريب، ولكن يبدو أن غرور بوتن يصدّه عن تلك الحقيقة. عضوية الناتو التي تمتلكها تركيا، والتي انتصرت لها مؤخرا بتصريحات داعمة ومساندة لأنقرة، واستقلالية الأتراك في صنع أسلحتهم ودباباتهم وطائراتهم، هي نقاط قوة تصب في الجانب التركي والعربي والإسلامي، لا يمكن تجاهلها.
أما دندنة البعض على إمكانية روسيا وقف تصدير الغاز لتركيا، فالنتيجة الحتمية لذلك القرار، هي خسارة روسيا مليارات الدولارات، بينما البدائل المتوافرة لن تكون بعيدة المنال بالنسبة إلى تركيا.
حديث البعض بأن قيمة التبادل التجاري بين البلدين التي تبلغ قيمته 31 مليار دولار سنويا، سينعكس ضررها على تركيا، وسيضرب السياحة التركية في مقتل. فهذا كلام غير واقعي، حيث بلغ عدد السياح إلى تركيا العام الماضي مثلا 42 مليون سائح، كان عدد الروس منهم 10% فقط!
ومن يقرأ هذا الجانب، عليه أن يقرأ عدد السياح الأتراك الذين ستخسرهم روسيا أيضا، بل عدد التجار العرب والمسلمين الذين بدأوا بالفعل بتحويل أموالهم عن موسكو، نصرة لسوريا وتركيا.
نعم، روسيا تحاول جاهدة الانتقام لكرامتها التي أهينت لأسباب هي من يتحمل نتيجتها. روسيا تلقت صفعة من نوع أرض جو، تجاوز أثرها الوجه إلى الإهانة، في الوقت الذي تعلم بأن الخطأ خطأها، وأنها لا يمكنها أن تصعّد إلا في حدود غير مؤثرة، كمن يضرب رأسه بالحائط، لأنه لا يستطيع أن يفعل أقصى مما فعل!
روّج بعض المنهزمين بأن تركيا اعتذرت، والحقيقة تقول إن تركيا صعّدت، وهددت بوتن بعدم اللعب بالنار، وهاهنا نسمع عن تقارير تحالفات عسكرية تركية سعودية مدعومة من دول أخرى، ستقوم بدور يحمي المدنيين من القصف والقتل الذي تقوم به الطائرات الروسية هناك، وبدعم إيراني أسدي. صورة المستقبل قد لا تكون واضحة بصورة كبيرة جدا، لكن سوادها بالنسبة للروس وحلفائهم الإيرانيين ومن يحمونه ممن بقي من نظام الأسد، قد يكون أكثر قتامة، إذا استمرت تركيا في قراءة المشهد سياسيا وعسكريا واقتصاديا بصورة دقيقة، واستطاعت حشد كل قواها، واستغلت اصطفاف قوات الناتو معها.
أخيرا، لعل بوتن يعلم ويدرك جيدا، كيف تسبب الناتو سابقا، في انهيار الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، ولا أظنه سيضحي بكل سلطانه لأجل مستقبل غامض، قد يتسبب بزواله.