الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشهد السوري واستمرارية عدم الحسم

المشهد السوري واستمرارية عدم الحسم

02.10.2017
محمد بدر الدين زايد


الحياة
الاحد 1/10/2017
يتأكد كل يوم أن الأزمة السورية هي أحد أكثر أزمات العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية تعقداً وصعوبة، نظراً إلى تعدد الأطراف المتداخلة دولياً وإقليمياً، وما يمثله هذا الصراع في مستقبل التوازن الدولي، ومن ثم فإن الاقتراب من حسم ناتج هذه الأزمة مازال مستعصياً، وتأتي التطورات المحيطة بكردستان والمسألة الكردية لتضيف فصلاً جديداً إلى هذا التعقد الفريد.
التطورات التي تشهدها سورية أخيراً معروفة، حيث تواصل قوات النظام السوري مدعومة بالقوات الروسية تقدمها في دير الزور، واتساع مساحة الأراضي التي يسيطر عليها الجيش السوري وفي شكل كان يعطي انطباعات لمعسكر مؤيدي النظام ولبعض المراقبين بأن هناك حسماً قريباً للمسألة السورية، وأن روسيا تواصل السيطرة على أوراق هذه المسألة، وحققت أخيراً خطوة أخرى في مسيرة طويلة لإجراءات بناء الثقة والتهدئة وفقاً لما حدث في جولة الآستانة الأخيرة، إلا أن أموراً أخرى سارت جنباً إلى جنب مع هذه التطورات وكانت تؤشر إلى ابتعاد فرص الحسم للطرف الروسي – الأسد وحلفائهم.
الأول هو الإستراتيجية الأميركية منذ بعض الوقت، بنشر مئات عدة من جنودها لإكساب الحصانة لقوات سورية الديموقراطية الكردية للتقدم في مناطق دير الزور لمحاصرة عناصر داعش وطردها، وبينما بدا المشهد وكأن روسيا والولايات المتحدة يستهدفان الإكمال على "داعش" في مناطق دير الزور والرقة، فإن الأكثر أهمية هو أنه بينما تتسع سيطرة دمشق على مناطق متزايدة من الأراضي السورية بالدعم الروسي فإن هناك تحركاً عكسياً من الجانب الكردي السوري للسيطرة على مناطق كردية سورية في شمال شرقي البلاد، كما أن هناك، وهو الأخطر، وجوداً عسكرياً أميركياً في الشأن السوري، وبكلفة زهيدة نسبياً لا تتعدى مئات من الجنود، تواجه فلول "داعش" المنهارة بدرجة كبيرة بفعل القصف الروسي المستمر، وبعد أن ثبت أن التنسيق الروسي – الأميركي محدود نسبياً، فقد وصلت الرسالة إلى الجانب الروسي والعالم، إن واشنطن ليست في حاجة لكلفة سياسية ومادية كبيرة للتدخل، فضلاً عن أن كلفة التدخل العسكري الكبير لا تحقق بالضرورة الانتصار الكامل، ولكن الردع الأميركي الروسي المتبادل قادر على إحداث توازن معقد، أو على الأقل ضمان دور في ساحات المعارك التي تدور بالوكالة، أو مباشرة بين الجانبين. وهذا الوجود الأميركي يمكن أن يكون له عائد في المشاركة في الترتيبات النهائية أولاً وفق المسألة الكردية، كما سنعرض بعد قليل.
أما التطور الثاني، فهو الاجتماع الذي عقد أخيراً بين أطراف غربية وعربية، وكرر مطالبه في شأن إزاحة الأسد، وربط هذه الإزاحة بالمشاركة في جهود إعادة إعمار سورية، ليصبح بالتالي أمام الراعي الروسي للترتيبات النهائية أحد طريقين: إما استيعاب هذه المطالب في التسوية النهائية، أو على الأقل البحث عن صيغة حل وسط بهذا الصدد، أو يرعى تسوية أمر واقع لا يملك كلفتها الاقتصادية، كما أنها ليست في إمكان الحليف الإيراني، وهنا تثور التساؤلات حول المدى الذي تستطيع به الصين الدخول إلى حلبة النفوذ السياسي الحقيقي والمكلف مادياً، خصوصاً بعد لقاء المبعوث الصيني الجديد لدى سورية مع نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف أخيراً، وإثارته رغبة الصين في المشاركة في صيغة الآستانة، وهل تصبح سورية هي مدخل العملاق الاقتصادي الصيني إلى نادي النفوذ والتأثير السياسي والدولي؟ أمر قد يكون سابقاً لأوانه ولكن أظن أن احتمالاته عالية.
ثم يأتي التطور الثالث والمهم، والأكثر خطورة في مستقبل المشرق العربي، وهو مصير كردستان العراق، وإلى أين ستتجه هذه المسألة، والآن وقد تم إجراء الاستفتاء ضد إرادة الحكومة العراقية، والنظام الإقليمي العربي، وضد إرادة كل من تركيا وإيران، وادعاء دولي غربي بعدم تأييد هذه الخطوة، وكان التأييد الواضح طبعاً من جانب إسرائيل والمتوقع أيضاً، هنا يثور السؤال المعقد حول الدور الأميركي الذي يدّعي عدم ترحيبه بعقد الاستفتاء في وقت كان الداعم التاريخي للأكراد ودعاة الانفصال، وفي وقت يتحالف مع فصيل كردي سوري في عملية عسكرية مثيرة للتساؤلات في سورية، وأن يأتي كل هذا متزامناً لتتضاعف هذه التساؤلات، ولأنه من الواضح أن مسألة انفصال كردستان ستواجه بتعقيدات كثيرة، فإنه من المؤسف أن هذه التعقيدات والضغوط قد تؤدي إلى مزيد من احتمالات تكريس الانفصال، وقد تحدث مواجهات عسكرية لترسيم الحدود، ومراعاة مطالب وحاجات الحكومة العراقية، وقد تواصل أطراف إقليمية بخاصة تركيا محاصرة هذا الإقليم، وأياً كان مصير هذه التفاعلات التي أشرنا إليها في مقال سابق وقد نتناولها بمزيد من التحليل في ما بعد، فإن السؤال يظل مطروحاً بالنسبة إلى سورية المعقدة بما يكفي، وهو أي دلالات وانعكاسات ستؤثر في المشهد السوري المعقد بما يكفي مع تكريس سيطرة عسكرية كردية مدعومة بحصانة أميركية على بعض مناطق فيها أقلية كردية في سورية على خريطة التوازنات الجديدة في المنطقة. المعنى إذن أنه لا يمكن فصل المشهد الكردي العراقي عن نظيره السوري، وهذا ما يفسر تصاعد اتهامات قوات سورية الديموقراطية في الأيام الأخيرة ضد ما سموه تصعيداً روسياً ضد أهداف لها بما في ذلك قصف متعمد، وفي التقدير أنه مع احتمالات بدء ترتيبات جادة في الشأن الكردي أن روسيا ستعمد إلى انتهاز كل فرصة لا توجد فيها قوات أميركية لتقليص المساحات التي سيسيطر عليها الجانب الكردي السوري في هذه المعارك، ما يبقى في النهاية متضمناً قدراً كبيراً من الأخطار والاحتمالات التي تحتاج إلى ضبط أعصاب شديد من الجانبين الأميركي والروسي، خصوصاً أن تركيا قد تدعم روسيا في هذه العمليات الانتقائية مستقبلاً، ما لا يترك مرونة تكتيكية عسكرية أميركية كافية.
أما مقدرة واشنطن على مقايضة هذا الدور بمساحة أكبر في التسويات النهائية للأزمة السورية، فترتبط بمدى احتمالية انفصال كردستان، وأي أولوية ستعطيها واشنطن وهل يكون لها دور في الترتيبات السورية النهائية، أم لتمكين الأكراد من إقامة كيانهم السياسي المستقل عن كل من العراق وسورية كبداية. ولأن الشواهد تشير إلى توقع الكثير من التفاعلات في شأن كردستان العراق، فإن الموقف في سورية بصدد الرقة ودير الزور قد يصل إلى حالة من الجمود والكمون النسبي بعد استكمال محاصرة وطرد "داعش"، أو قد يتم التباطؤ من الجانبين في هذه المهمة، ويبقى التماس بين الجانبين الأميركي والروسي هادئاً لحين حسم كردستان العراق.
في النهاية تواصل روسيا لعب دور محترف بهدوء وصبر لافتين لجمع كثير من خيوط الأزمة والتحكم في الموقف في يدها، ولكنها لن تتمكن من فرض إرادتها كاملة وسيكون عليها إيجاد صيغة مقبولة إلى حد ما من الفاعلين الرئيسين العرب والدوليين، كما ستكون عليها رعاية رؤية متكاملة لقضية إعادة إعمار سورية واستكمال إعادة النازحين الذين بدأ بعضهم في العودة فعلاً وعليها هنا أن تلزم النظام السوري رعايتهم واحترامهم، ولأن هذه الشروط مازالت بعيدة يظل المشهد السوري غير جاهز بعد لتسوية نهائية وشاملة.