الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المصريون والأسد ... مثلاً

المصريون والأسد ... مثلاً

30.09.2014
معن البياري



العربي الجديد
الاثنين 29-9-2014
جهدٌ علمي ثمينٌ ينجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في إصداره "المؤشر العربي"، والذي لا تزيّد في وصفه بأنه الاستطلاع الأهم والأضخم لقياس الرأي العام العربي سنوياً، بشأن قضايا المجتمعات العربية، المعيشية والسياسية وغيرهما.
 وتتضاعف قيمته في أنه يقف على التغيّرات التي تطرأ في منظورات المواطنين بشأن هذه القضايا، من عام إلى آخر، ويقع، في مسحٍ وافٍ، على مختلف العوامل المؤثرة عليها. وإذ تتيسر مطالعة "المؤشر العربي 2014"، (الثالث بعد سابقيْه في السنتين الماضيتين)، بعد إعلانه الأسبوع الماضي، على الموقع الإلكتروني للمركز، ومطبوعاً في 300 صفحة، مدعماً بوسائل إيضاحية مدققة، وبفهرسة مريحة، فإن صناع القرار والمهتمين والباحثين والإعلاميين العرب مدعوون إلى الإفادة منه، إذ يتيح لهم معطياتٍ موثقةً، وصالحة، علمياً وسياسياً، للبناء عليها، في إنتاج الاجتهادات والتحليلات، فمخرجاته لا تلتفت إلى انحيازاتٍ أو أفكار مسبقة، ويوضح المشرفون عليه كيفيات عملهم، والتزامهم بمقتضيات البحث الاستقصائي الميداني.
بين حزمةٍ متنوعةٍ من المسائل (كثير منها شائق)، يفيدنا القياس الجديد للرأي العام العربي الذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بأن 69% من المواطنين العرب يؤيدون تنحّي بشار الأسد، وكانوا 77% في مؤشر العام الماضي، من دون أن يعني أن كل هذا التناقص زاد معارضي التنحّي، (ارتفعوا من 13% إلى 16%)، بل في زيادة من لم يُبدوا رأياً، من 10% إلى 15%. واللافت، (وربما المدهش)، أن المتسجيبين المصريين في الاستطلاع، أجمعوا، بنسبة 91%، على تأييدهم تنحّي الأسد في استطلاع العام الماضي، وانخفضوا انخفاضا جوهرياً، العام الجاري، إلى 44%، ولكن، ليس لصالح من يعارضون، بل لمن لا يعرفون ويرفضون الإجابة ولا رأي لديهم، فقد صار هؤلاء 47%. ولا نقع على مثل هذه التحولات، وبهذه الكيفية الحادة في مجتمعات عربية أخرى.
لأهل الدرس والتحليل الاجتماعي أن يجتهدوا في تفسير قفزة إخواننا المصريين هذه إلى "اللاأدرية" (هل تصح هذه المفردة؟)، في الشأن السوري، والذي صار عويصاً وشديد التشوش أخيراً، ما جعل مواطنين عرباً كثيرين لا يرون في المحنة السورية الأسد وحده.
 وربما يسعف في تفسير الأمر أن 16% من المصريين يصفون أنفسهم، حالياً، بأنهم "متدينون جداً"، فيما كانوا في المؤشرين السابقين، 22% و8% على التوالي، والذين يرون أنفسهم "متدينين إلى حد ما"، 65%، وكانوا 69% و88%، غير أن الذين لا يعرفون الإجابة باتوا 13%، وكانوا في المؤشر السابق 5%، وفي الذي قبله 1% (!). ويعرّفنا مؤشر 2014 بأن لدى ثلث المصريين مخاوف من الحركات الإسلامية، و20% لا مخاوف لديهم، وأن نسبة الذين لم يُبدوا رأياً 41%. وللاستزادة، قال 25% من المستجيبين المصريين إنهم غير مهتمين بالسياسة، فيما 22% مهتمون، و10% مهتمون جداً.
تُراها، هذه السطور، تقع في ارتجال متسرّع، إذا ما ذهبت إلى أن حالة تشوشٍ مستعصية يُغالبها المصريون في راهنهم المستجد في العامين الأخيرين، وهم الذين يستمد 76% منهم معرفتهم بشؤون بلدهم وبالعالم من الفضائيات المحلية.
 لم يعد للأسد مطرحه الذي كان في مشاغلهم، وهم الذين يتعرّضون لصنوفٍ وفيرة من المفاجآت والصدمات والمتاهات في خرائط الطرق الملتبسة. لم يعد كثيرون منهم يُحسنون توصيف أنفسهم، ولا تشخيص الأرض التي يقفون عليها. لم يعودوا معارضين ومؤيدين فحسب، بل بات لغير المعنيين وغير العارفين كتلتهم الوازنة، الأرجح والأثقل أحياناً.
عندما أضافت السلطة الحاكمة في مصر يوماً ثالثاً للاقتراع في (الانتخابات) الرئاسية إياها، كانت تتوسل الذين لا يعرفون ولا يدرون ولا يريدون، وعندما تفوقت الأصوات الباطلة على أصوات حمدين صباحي، كان الذين لا يريدون ولا يدرون ولا يعرفون، يؤكدون موقعهم في المشهد المصري الحزين، وكانوا يدللون على صحة نتائج المؤشر العربي 2014 قبل إعلانه.