الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المصلحة الأوروبية في تسليح المعارضة السورية

المصلحة الأوروبية في تسليح المعارضة السورية

03.06.2013
د. عوض السليمان

القدس العربي
الاثنين 3/6/2013
يبدو للوهلة الأولى أن قرار الاتحاد الأوروبي برفع حظر السلاح عن سورية كان مفاجئاً لدرجة كبيرة. بينما يراه ثوار الداخل عديم المعنى والفائدة. وإنني أميل إلى رأي قيادات الجيش الحر وعناصره داخل سورية. فمن المفيد التذكير بأن الاتحاد الأوروبي نفسه هو الذي تفرج على الشعب السوري يذبح لمدة عامين دون أن يحرك ساكناً. في حين ذهبت القوات الفرنسية دون موافقة مجلس الأمن لتتدخل في مالي. ونذكر جيداً أن وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ هو نفسه من رفض توريد السلاح إلى المعارضة السورية بسبب الحظر الذي فرضه الاتحاد على التسليح.

وكان من الواضح أن الاتحاد فرض الحظر لمنع وصول السلاح إلى الثوار بانتظار أن يرى توجهات الثورة وقادتها ويعرف ميولها، خاصة وأنه يعيش حالة من السلم والسيطرة في ظل وجود بشار الأسد كرئيس لسورية. أضف لذلك فإن الغرب يريد على الدوام ضمان أمن الكيان الصهيوني وهذا ما دفعه إلى تبني ذلك الحظر.
وهكذا مرت سنتان على الشعب السوري ارتقى فيهما مائة ألف شهيد ودمر مليون منزل، ناهيك عن المهجرين والمعاقين. ومع أن المسؤولين الغربيين رأوا كل ذلك وتابعوه عن كثب، تماماً كما رأوا رضعاً جزت أعناقهم وأطفالاً تم اغتصابهم، ورأوا غرائب لا يتحملها العقل البشري، إلا أنهم تمسكوا على الدوام بحظر السلاح بل توجهوا في مرحلة ما إلى مغازلة الأسد، وكلنا يذكر تعليق وسائل الإعلام الغربية على مصورة ‘أبي صقار’ بينما تم تجاهل مائتي ألف مصورة تظهر وحشية الأسد وبربرية جنوده في تعذيب المعتقلين بالأسيد وتقطيع أوصالهم أحياء وحرقهم .’علاوة على ذلك فإن هيغ وصحبه يعلمون أن روسيا وإيران تنقلان السلاح إلى الأسد جهاراً نهاراً، وما تدخل حزب الله في القصير إلا شاهداً على صمت المجتمع الدولي والغرب على تدمير سورية وتحجيم الثورة ومنعها من إسقاط الأسد.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا إذاً يرفع الأوروبيون الحظر على السلاح اليوم، ولا يزال التوجه الإسلامي غالباً على الثورة؟ بحيث لم تشهد سورية إلى اليوم كتيبة علمانية واحدة تقاتل النظام. ولا يزال الأسد إلى الآن حامي حمى الصهيونية. فما الذي دفع إلى القرار الجديد؟
بالتمعن في قرار الاتحاد نلاحظ جملة خبيثة تقول: إن أعضاء الاتحاد ملتزمون بعدم نقل أي سلاح إلى المعارضة السورية في الوقت الراهن. وهي الجملة التي كررها الوزير البريطاني. وأشار صحفيون أن الأوروبيون اتفقوا على إمكانية تسليح المعارضة ابتداء من الشهر الثامن، وهذا يوضح على الفور أن الحظر لم يرفع بالمعنى العملي للكلمة، بل صنع المجتمعون قراراً سياسياً موجهاً للأسد بضرورة حضور مؤتمر جنيف، وفي نفس الوقت يجامل القرار المعارضة ويدعمها معنوياً لحضور المؤتمر ذاته، وهذا ما يسمى بسياسة العصا والجزرة فالأولى للنظام والثانية للمعارضة والهدف تمرير جنيف من أجل تسوية ما.
في الوقت نفسه نتساءل عن موقف غربي جديد يريد على ما يبدو أن يتخلص من الأسد في المشهد السوري، وأعتقد أن ذلك صحيح فلم يعد بشار قادراً على حماية الحي الذي يسكنه فكيف له أن يحمى حدود الصهاينة. ثم إن الشعوب الغربية غير راضية عن سياسة حكوماتها، إذ كيف يتفرج الساسة على شعب يذبح من أجل دكتاتور فاسد.
يدرك الغرب أن الثورة سورية منتصرة لا محالة وهم يعتمدون في ذلك على معلومات استخبارية تشير إلى انهزام الأسد وفقدان سيطرته على البلاد فضلاً عن السلاح الذي قد يهدد الكيان الصهيوني حال سقوطه بيد الثوار. وهم بالتالي يريدون أن يضبطوا هذا السلاح من خلال التخلص من الأسد فاقد الصلاحية ومن خلال التحكم بتوجهات الثورة، وما مشكلات توسعة الائتلاف إلا دليلاً على ذلك.
الغرب لن يوصل السلاح إلى جبهة النصرة ولا إلى لواء التوحيد واليرموك وغيرها، بل سيرسله إلى ‘المعتدلين’، وأعتقد جازماً أن السلاح الغربي سيستخدم في مرحلة ما لتصفية قادة ثوريين ساهموا في إضعاف الأسد وشل قدرته، وفي اغتيال المجاهدين العرب ومحاولة التخلص منهم دفعة واحدة.
مسألتنا أخيرتان أشير إليهما سريعاً وأظن أن لهما دوراً في القرار الجديد، الأولى هي بدء سيطرة الثوار على كثير من حقول النفط، إذ يريد الغرب حصته النفطية، والثانية مقاومة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها أوروبا من خلال السماح للشركات ببيع أكبر كمية ممكنة من السلاح مع ما يعنيه ذلك في المنظور الاقتصادي.
أعلم ويعلم ثوارنا أن الغرب لم يرد خيراً لهذه الأمة منذ صلاح الدين إلى بيع فلسطين واحتلال العراق والعمل على تمكين الصهاينة، ولكنني أعلم أيضاً أن السياسة تفرض علينا الترحيب بهذا القرار، والتعامل معه بإيجابية وحذر في الوقت نفسه. دون الاضطرار بالطبع إلى تقديم أي تنازلات سياسية قد تؤدي لا سمح الله إلى سيطرة الغرب على دمشق.