الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعارضات السورية تضيع في متاهات اللغة

المعارضات السورية تضيع في متاهات اللغة

28.12.2017
علي العائد


العرب
الاربعاء 27/12/2017
يقول المثل الإنكليزي: الحجر المتحرك لا يجمع الأشنيات (a rolling stone gathers no moss). ويقول نظيره الشعبي العربي “كثير الجمز (الحركة) قليل الصيد”. بالطبع، المثل الإنكليزي أكثر بلاغة، فإذا كان الهدف النظافة فحركة الحجر محمودة، أما إذا كان الهدف جمع الأشنيات فثبات الحجر هو المحمود. أما حكمة المثل العربي فتؤكد على أن الصيد الناجح يحتاج إلى الثبات والصبر في انتظار أن تصبح الفريسة في مرمى البندقية، أو شص الصنارة.
في ما يخص المعارضات السورية فهي لم تحافظ على نظافة حجرها أو يدها أو لسانها، ولم تعط أي فائدة للسوريين في اصطفافها القلق هنا وهناك، مع النظام أو مع المجتمع الإقليمي والمجتمع الدولي.
بل إن كل ما نتج عن وجودها بتغير أسماء هيئاتها وممثلي تلك الهيئات أضاع هيبة الثورة السورية التي أرعبت الأنظمة المحافظة، الإقليمية والدولية، كما فعلت أخواتها من الثورات العربية، فعجلت قوى الخوف بإجهاض نتائج تلك الثورات قبل أن يشتد عودها.
أقلق ثباتَ المعارضات السياسية افتقادُها للقائد، في كل مرة، رغم محاولات إقناعنا بأنها تمارس ديمقراطية المؤسسات، فتنتخب رئيسا للائتلاف كل ستة أشهر، وبأكثرية ولايتين متتاليتين فقط.
كما أقلق المعارضات المسلحة تشتتها وكثرة المال والسلاح، منذ نهاية عام 2011 إلي نهاية عام 2015، ليبدأ صيد الممولين الذين أغلقوا حنفيات الدعم تدريجيا وصولا إلى نهاية عام 2016، حيث جفت منابع الدعم، لتصبح بركة الإغراءات أرضا يبابا.
سوريا الآن، تكاد تكون كفا مقروءة بوضوح، بعد سنوات من التكهن، وعقد الآمال على هذا الطرف، أو ذاك، كي يثبت على موقفه الداعم للثورة وللشعب السوري. كل الوجوه أسفرت عن حقيقتها، وأصبح كل من في البلاد عدوا، بل كل ما يحيط بالبلاد، بما فيها “مؤسسات الثورة”، التي ينوب ضعفها عن خيانتها، رغم حالة التخوين السائدة بعد مؤتمر الرياض2.
وكما حدث للفلسطينيين، في المراحل الأولى من قضيتهم، حين لم يكن الفلسطينيون ممثلين لأنفسهم، فتمت صياغة قرارات في الأمم المتحدة حمَّالة أوجه ضاعت في متاهات اللغة، يحدث هذا الآن للسوريين لكن بيد هيئة التفاوض الجديدة.
ولعل أشهر أفخاخ اللغة في القضية الفلسطينية كان القرار 242، بنصه الإنكليزي على وجوب انسحاب “إسرائيل” من “أراض” عربية احتلتها عام 1967، أما في النصوص الفرنسية والروسية والإسبانية والصينية فقد دخلت “أل” التعريف على كلمة أراض.
وبالطبع، لم يستطع الفلسطينيون تغيير منطوق القرار، حين أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، فوجدوا أنفسهم أسرى قرار الأمم المتحدة هذا، وغيره، كونهم لا يملكون غيرها مستندا ثابتا في ظل تقدم “إسرائيل” في تغيير الحقائق الجغرافية على الأرض، حتى وصلوا مجبرين إلى أقبية أوسلو التي أنتجت ظاهرة اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للدولة العبرية.
فخ “الرياض 2” كان في اعتبار قرار مجلس الأمن رقم 2254 (18 ديسمبر 2015) واضحا وصريحا، لجهة النص على وجوب تشكيل هيئة حكم انتقالية، تمهيدا لتخليص سوريا من حكم الأبد الأسدي، لكنه لم ينص صراحة على وجود، أو عدم وجود، دور لبشار الأسد في المرحلة الانتقالية. ويقول النص “تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا في غضون ستة أشهر”.
الآن، مضى أكثر من عامين على صدور القرار دون الاتفاق على فهم موحد له حتى بين أطراف المعارضة المختلفة، ويكاد الائتلاف يكون وحيدا في اعتقاده أن رحيل بشار الأسد شرط للدخول في عملية الانتقال السياسي، بينما تنظر منصتا موسكو والقاهرة إلى رحيل الأسد كشرط مسبق مرفوض من قبلها كونه يعيق التوصل إلى حل سياسي في سوريا.
إذا، فالمشكلة ليست في رفض النظام لفكرة رحيل النظام الأسدي، وليس في غموض موقف منصتي موسكو والقاهرة حول هذه الفكرة، بل في القرار نفسه، وفي اعتبار الائتلاف القرار أساسا للحل السياسي في سوريا.
فالقرار 2254 مرَّ في ما مرَّ فيه القرار 242، كونهما نتاج توافق في مجلس الأمن الدولي كي لا تستخدم روسيا أو أميركا حق النقض، وكي لا يصبح القرار وكأنه لم يكن. ولا حاجة للقول هنا إن السوريين والعرب لم تكن لهم يد بيضاء أو سوداء في إصدار القرارين.
وعلى ذلك، يمكن الآن الربط بين تنازلات الائتلاف والفصائل المعارضة المسلحة، وبين توقيت صدور القرار 2254، فبعد عام من صدوره خسرت المعارضات حلب، ثم بدأ مسار أستانة، وظاهرة مناطق خفض التصعيد. بالإضافة إلى بدء معارك التحالف ضد داعش في الموصل، ثم منبج، والرقة، والآن في عموم ديرالزور. ترافق ذلك مع تراجع الدعم الأميركي لفصائل الجيش الحر بالمال والسلاح، والذي سيتوقف تماما مع نهاية هذا العام، كما أعلنت إدارة ترامب منذ شهور.
والاستنتاج هنا، بوجود توافق روسي أميركي على كل ذلك، يشبه الاستنتاج أن روسيا تفردت في فرض كل تلك الخطوات رغم أنف أميركا التي لا حيلة لها. فكلا الاستنتاجين خاطئ، تماما مثل توقع صدام روسي أميركي في سوريا.
الثابت أن الإنجاز العسكري الأميركي من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية، لم ينتج عنه أي إنجاز سياسي على عكس الإنجاز العسكري الروسي المستند إلى انسحاب عربي من دعم الفصائل المسلحة خصوصا. أما غير الثابت، فهو استمرار هيئة التفاوض في تخبطها، وفي حركة حجرها غير النظيف، غير الثابت، والعاجز عن جمع الأشنيات.
الإنجاز العسكري الأميركي لا مستقبل له على المدى المنظور، ومهمته الحالية هي حماية الأكراد من جيش النظام وحلفائه ومن تركيا ومن الجيش الحر في محيط من الأعداء، لكن ليس لوقت طويل على عادة أميركا في الغدر، وعادة الأكراد في تلقي الخيبات. فالوجود العسكري للولايات المتحدة مرهون بالتوصل إلى نهاية للحرب، من دون أي تفصيلات، أو تصور للمستقبل السياسي لأصدقائها وأعدائها، الذين لا ينتمي الشعب السوري إلى أي أحد منهم بوضوح.
إذا، متاهات اللغة، وصياغة الأقوياء لها، نقضت فكرة ثورة الحرية والكرامة السورية، بفعل روسي إيراني وليس بقوة النظام الأسدي، مع مفاعيل أشد غموضا إذا تنازلت هيئة التفاوض عن شرط رحيل رأس النظام قبل بدء المرحلة الانتقالية، منها متاهة الدستور الذي سيكون حمَّال أوجه بدوره، ومنه الانتخابات المراقبة دوليا وأمميا، فالدول والأمم التي عجزت عن إدخال حليب الأطفال والدواء إلى الغوطة ستكون أشد عجزا في مواجهة تزوير مخابرات النظام لأي انتخابات، حتى لو اتفقت المعارضات السورية على مرشح قوي يمكن أن يجمع الأشنيات للشعب السوري المنتظر على رصيف اللغة.