الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعارضة السورية والظاهرة الباراميسيومية

المعارضة السورية والظاهرة الباراميسيومية

15.07.2014
منير الخطيب



الحياة
الاثنين 14/7/2014
الباراميسيوم كائن وحيد الخلية، يتكاثر (لا جنسياً) من طريق الانقسام، فيما نواتج عملية الانقسام متشابهة إلى درجة التطابق الكامل، ولا تحمل أي فرق أو اختلاف.
وانقسامات المعارضة السورية التي حدثت، وما زالت تحدث على هوامش الثورة السورية، تذّكر، إلى حد كبير، بانقسامات الباراميسيوم. فهي لا تتضمن جديداً، ولا تشكّل أية بداية جدية لتجاوز وضعية عدم الفعالية وانعدام الوزن، ولا تعدو كونها عملية استنساخ مكررة لتجارب مماثلة.
تتشابه الظاهرة الباراميسيومية الحالية مع الظاهرة الانشقاقية، التي عرفتها الأحزاب الأيديولوجية في النصف الثاني من القرن الماضي، على رغم اختلاف الأسباب. الظاهرتان تعّبران عن انزياح النخب إلى الهوامش. الظاهرة الانشقاقية عن الأحزاب الأيديولوجية كانت، في أحد وجوهها، تعبيراً عن الهامشية الناجمة عن تغّول "الدولة- السلطانية" من جهة، وركود "المجتمع" المطلق في مواجهة الاستبداد المطلق من جهة ثانية. بينما الظاهرة الباراميسيومية، في أحد وجوهها، تعبير عن الهامشية الناجمة عن انفجار قيعان "المجتمع" السوري وتفلّته من ركوده المديد، وتجزؤ الاستبداد الواحدي المطلق إلى مجموعة لا حصر لها من الإرادات المستبدة الجزئية على امتداد الجغرافيا السورية.
وإطاحة الانفجار السوري بجملة من المفاهيم الكلاسيكية، التي يقف في رأسها مفهوم الطليعة أو النخبة، ودورهما الوظيفي في عمليات التحول ذي الطبيعة التاريخية، إنما تجلت في مرحلة الثورة السلمية باستحواذ التنسيقيات والاتحادات ومختلف التشكيلات، التي شكلها الشباب والناشطون في الميدان، على الفعالية المجتمعية المتصاعدة، ما أبقى الأحزاب والشخصيات المعارضة التقليدية على الرصيف. لا بل، إن روح الحراك في هذه المرحلة كان يتعارض مع المنظومات الأيديولوجية الشمولية، بشقيها السلطوي والمعارض. وفي مرحلة التسليح، ازداد منسوب تهميش المعارضات السياسية، لأن السيطرة الميدانية باتت للفصائل الإسلامية العسكرية. كما أن تعدد مصادر التمويل مع تعدد وتعارض المصالح الإقليمية، سهما في تعميق حالة انعدام الفاعلية للمعارضات السياسية.
تمفصلت ظاهرة تشظي الكيانات السياسية المعارضة إلى وحدات صغرى متماثلة ومتشابهة، مع واقعة فوضى الفصائل العسكرية ومحلويّتها وتصادمها واختلاف أهدافها ومصادر تمويلها من جهة، ومن جهة ثانية، مع الانقسامات المجتمعية العمودية التي أفصحت هشاشة "الوطنية" السورية عن مدى عمقها وتجذرها.
وولّد ذلك مناخاً عاماً من سماته التفكك والتفتيت والتعفن. ودعّمت هذه السيرورة من الانفراط، موضوعياً في أحسن الأحوال، نهج النظام في تحطيم السوسيولوجيا السورية، كما تناقضت مع الحاجة الوطنية السورية إلى بناء الدولة-الأمة، التي هي في المحصلة النهائية مجموعة من عمليات التجريد والتوحيد والمركزة، بما يتيح تجاوز واقع التشظي في المجالين الاجتماعي والسياسي.
لقد كثرت، مؤخراً، الدعوات من معارضين سوريين، لتشكيل جسم سياسي بديل عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، ولا تخرج هذه الدعوات عن مضمون الظاهرة البارامسيومية عينها، لأن تكاثر الفصائل العسكرية والسياسوية الذي تشهده الحالة السورية، يؤكد مبدأ الهوية، وينفي مبدأ الفرق والاختلاف الذي هو أساس عملية التقدم. وتلك الفصائل متهاوية (من هوية واحدة)، فلا يوجد أي اختلاف أو فرق بين داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وغيرها، كما لا يوجد أي اختلاف أو فرق بين المجلس الوطني سابقاً والائتلاف الحالي والائتلاف القادم. والسوريون لا يحتاجون إلى جسم سياسي جديد، ولا إلى فصيل عسكري آخر، فلديهم الكثير منها، ما يحتاجه السوريون هو البدء في مسار، في عمل تاريخي كبير، ماهيته المركزة والتوحيد، يكون نافياً للعقلية الحزبوية والفصائلية، فوق الأحزاب والفصائل والمذاهب والإثنيات، ويندرج في سياق "السياسة - تاريخ".
فمسار الانقسام والتفتت هو مسار تأكيد الصفات الحصرية والخاصة للفصائل والكيانات والمناطق، في حين أن مسار الوطنية السورية مسار نفي الصفات الخاصة، الإسلامية، العربية، المذهبية، الأيديولوجية... وما يحتاجه السوريون بناء مؤسسة عسكرية وطنية نافية للصفات أيضاً. قد يبدو ذلك، في ظل ارتسام جغرافيا الدويلات الطائفية، ضرباً من طوبى حالمة، لكنه أحد ممكنات الواقع السوري الذي ينزع عن تلك الطوبى صفة الحلم.