الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعارضة السورية والماراثون السياسي

المعارضة السورية والماراثون السياسي

23.08.2014
عبدالناصر كحلوس



الحياة
الخميس 21/8/2014
فيما تواصل الثورة السورية مشوارها الشاق في ظل تطورات معقدة دخلتها في عامها الرابع، مع استمرار التخاذل الدولي والصمت العربي على جرائم النظام، وبروز "داعش" وتمددها في الداخل السوري والعراقي، إضافة للتردي الكبير في الوضع الإنساني للسوريين في الداخل وفي دول اللجوء، تستمر المعارضة السورية بمؤسساتها الاغاثية والتنفيذية والسياسية في حالة من العطالة الفعلية تجاه الثورة التي يفترض أنها تمثلها، إذ لم تقدم للسوريين إلا النذر اليسير الذي هو اقل بكثير من طموحاتهم وتطلعاتهم ومطالبهم واحتياجاتهم المتزايدة.
فوحدة تنسيق الدعم "ACU" التي تشكلت في كانون الأول (ديسمبر) 2012 والتي أخذت على عاتقها توحيد جهود الدعم والإغاثة، لم تفلح في إحراز الاستقلالية عن التوجّهات والتجاذبات السياسية، ودخلت في معترك الصراع السياسي في الدوائر الأعلى المتحكمة بتعيين رأس الهرم فيها وتناوب عليها أكثر من سبعة مديرين في سباق ماراثوني محموم خلال عمرها القصير. وهو ما ينعكس سلباً على أداء الوحدة وموظفيها على رغم محاولة بعض المخلصين فيها العمل وفق حسه وضميره الوطني. وهذا فتح الباب أمام صيحات الداخل الجريح، ثم توجيه الاتهامات بالفساد والسرقة والهدر والمطالبة بكشف الحساب، وهو حق لهم على من يدعي تمثيلهم ويقبض باسمهم! وبدوره عرف الائتلاف الذي تأسس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 أربعة رؤساء، وأتيحت لأحمد الجربا فرصة تجديد منصبه، فيما خلا هذا الجسم السياسي من أي جديد أو تجديد لمصلحة الشعب. وبقي الائتلاف أسير تجاذبات الكتل والاصطفافات التي شكلته، ناهيك عن تجاذبات اللاعبين الكبار والذين يشكلون ركناً مهماً في القرار السياسي غير المستقل من دون تحقيق أية مكاسب تذكر للسوريين. فهو لم يستطع أن يقدم الوجه السياسي الحقيقي والحي للثورة بما يتناسب وحجم تضحيات الشعب المحاصر والمنكوب في الداخل.
أما الحكومة الموقتة فبقيت موقتة بكل ما حملته هذه المفردة ولم تستطع تجاوز كونها حكومة سلة غذائية اغاثية طبية بالحد الأدنى، مع الإقرار بوجود الكثير من المعوقات وأولها بقاؤها في تبعية للائتلاف. وعلى رغم وجود شخص كأحمد طعمة ذي السمعة الحسنة على رأسها ووجود بعض المخلصين فيها إلا أن الإخلاص وحده لا يكفي إن لم يترافق مع الخبرة والاستقلالية في القرار. وهو ما غاب عنها لظروف تتعلق أصلاً بتشكيلها وبرسم طبيعة علاقتها بالائتلاف وبوضوح مهماتها واستراتيجيتها واستقلالية تمويلها وديمومته. ولم يفت الحكومة الركب بل نالت نصيبها من الماراثون بشكل أبطأ، وعبر رئيسين، وفي حالة شبه فراغ حالي غير واضح الملامح ربما لأجل غير قريب في انتظار، انتهاء المحاصصات ضمن أروقة الائتلاف، ما قد يعطل عملها الضعيف أصلاً والمحكوم بدعم الداعمين.
وهو مشهد لا يحتمل أي تبرير يصدر عن هذه المؤسسات في ظل جفاف هائل تعانيه كل المناطق السورية من كل الاحتياجات الاغاثية والتنموية والطبية وحتى اللوجستية والعسكرية. وعليه فعلى المعارضة اليوم، وعلى كل المعارضين والثوريين، إعادة النظر في هذه المؤسسات الثلاث الرئيسية والأساسية للثورة، وإصلاحها وتفعيلها وإعادة هيكلتها بعيداً من مبدأ التقاسم والمحاصصة وإعادتها الى دورها الرئيس في خدمة الثورة السورية، سيما أنها حصلت على الاعتراف الدولي والإقليمي، ولأن الوقت لا يسمح بإعادة تشكيل جسم آخر أو مؤسسات أخرى. فوقت السوريين من دم، وذاكرة السوريين لا تمحى.
* كاتب سوري