الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعاني الخفيّة لطلب "النصرة" حذفها من قائمة الإرهاب

المعاني الخفيّة لطلب "النصرة" حذفها من قائمة الإرهاب

04.09.2014
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الاربعاء 3/9/2014
وجّه رفع "جبهة النصرة" العلم الذي تعارف عليه السوريون على أنه يمثل الثورة السورية على معبر القنيطرة في هضبة الجولان السورية نوعاً من المفاجأة تبعته مفاجأة أكبر حين طالبت "الجبهة" الأمم المتحدة بإخراجها من لائحتها للمنظمات الإرهابية.
مبعث المفاجأة الأولى هو أن "جبهة النصرة" تعتبر الممثل "الشرعيّ والوحيد" لتنظيم "القاعدة" في سوريا، وذلك بإعلان صريح من تنظيم "القاعدة"، كما أن "الجبهة" بالمقابل كانت قد أعلنت مبايعتها لأيمن الظواهري، القائد الافتراضي للتنظيم، وأظهرت أكثر من مرة امتثالها لقراراته وتوجيهاته.
رفع علم الثورة السورية بدلاً من علم تنظيم "القاعدة" الشهير يمثّل تغييرا رمزياً كبيراً فالمعروف عن شقيقات "النصرة" المنتميات لأسرة "القاعدة"، تحت أسماء شتّى، التمسّك المتعصّب والشديد براية "القاعدة"، والذي ليس إلا تنويعاً على أشكال التعصّب الدوغمائية الأخرى والتي خاضت "القاعدة" لأجلها معارك قد تصل الى حدّ إفناء معارضيها.
غير أن الإشارة السياسية الأخرى التي لا تقلّ أهمية عن الأولى كانت في مطلب "الجبهة" حذف اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية الخاصة بالأمم المتحدة، فمن المعروف أيضاً عن التنظيمات الشقيقة لـ "القاعدة" في أرجاء العالم، موقفها السياسي المناهض للمنظمات الأممية عموما، وقد سبق لـ "القاعدة" أن استهدفت الأمم المتحدة بشكل مباشر كما حصل في 19 آب/أغسطس عام 2003 وقتل في التفجير ممثل الأمين العام للأمم المتحدة (آنذاك) كوفي عنان إضافة الى 21 شخصا وجرح اكثر من 100 آخرين.
طلب "جبهة النصرة" ترافق مع خطف 45 جندياً فيجياً من قوة حفظ السلام على هضبة الجولان المحتلة، لكن كونه أقرب للتهديد والابتزاز، لا يقلّل من قيمة الدلالات السياسية له، فرغم معرفة "الجبهة" أن اسم "القاعدة" مرتبط بفظاعات إرهابية عالمية، وأن عناصر التنظيم و"شقيقاته" مطلوبون من كل السلطات في العالم، وأن عملية الخطف نفسها تدخل في باب الإرهاب، فإنّها لابد تعلم أيضاً أن التاريخ السياسي الحديث يحفل بمناسبات غيّر فيها العالم، ومسح أو عدّل، تعريفاته السابقة للإرهاب بل ورفع بعض الإرهابيين السابقين وحوّلهم الى رؤساء دول ووزارات بل إن بعضهم نال جوائز نوبل للسلام!
إضافة الى ذلك فمجرّد مطالبة الأمم المتحدة بحذف "النصرة" من قائمة المنظمات الإرهابية العالمية هو شكل من أشكال الاعتراف بالمنظمة الأممية، وإذا عطفناه على فعل الإنضمام الرمزي للحالة السورية (رفع علم الثورة)، أمكننا اعتبار ذلك علامات تغيّر وتحوّل مهمّين في الوضع السوريّ، بقدر أهميتهما للعالم.
والواقع أن ممارسات تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي انشقّ عن تنظيم "القاعدة" وحاول استئصال "جبهة النصرة" قد تعتبر العامل الأساسي في دفع "النصرة" لتمييز متزايد لنفسها عن ذلك التنظيم الذي بزّ كل التنظيمات المتطرفة السابقة عليه في وحشيته وتطرفه، ومن ذلك ما كان من طريقة تعامل "النصرة" مع راهبات دير مار تقلا في بلدة معلولا والتي أدت الى مفاجأة إشكالية حين قامت رئيسة الدير الأم بيلاجيا سياف بالثناء على أمير "جبهة النصرة" في يبرود واصفة إياه بـ "الإنسان الشريف" فشن مؤيدو النظام السوري حملة كبيرة عليهن مطالبين بطردهن من الخدمة الكنسية، لأنها، بحسب عريضة قدمت للبطريرك يوحنا العاشر، "متعاطفة تماماً مع المجرمين". وينطبق الأمر كذلك على إطلاق "جبهة النصرة" لخمسة من العسكريين اللبنانيين، فيما قام تنظيم "الدولة الإسلامية" بذبح أحدهم وبث شريط فيديو للعملية وأرسل جثمانه إلى أهله، في سعي متقصّد لمضاعفة أثر الإرهاب.
والحال أن تمييز "جبهة النصرة" لنفسها عن "الدولة الإسلامية"، مع الإبقاء على مبايعتها لأيمن الظواهري وتنظيم "القاعدة"، يخلقان إشكالية محلية وعالمية، فـ "النصرة"، برفعها علم الثورة السورية، تحلّ نفسها بطريقة مواربة من علاقتها بممارسات "القاعدة" التقليدية، كما أنها تطرح نفسها كمثال جديد لإمكان قبول "القاعدة"، بعد ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، بتغيير متدرّج لاستراتيجيتها، وهو أمر لا يجب أن يقلّل العالم من شأنه بالتأكيد.