الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعتقلون السوريون في زمن الكورونا

المعتقلون السوريون في زمن الكورونا

05.04.2020
حسن النيفي



سوريا تي في
السبت 4/4/2020
قدّم السيد غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، في الثلاثين من آذار الفائت، إحاطةً مكثفة يوضّح فيها تصوّراته للراهن السوري حيال الخطر الذي باتت تجسّده الجائحة العالمية المتمثلة بانتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، إذ أكّد بيدرسون من خلال تلك الإحاطة على جملة من الأمور، لعلّ أبرزها هو ازدواجية الخطر الذي بات يواجهه السوريون، ويعني بذلك العنف الذي تحمله الحرب، موازاة بالخطر الذي يحمله الوباء الكوروني، كما ألمح إلى ضرورة إيجاد وقف مستدام لإطلاق النار، ليتسنى للجميع مواجهة الوباء، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الهدوء الذي يسود الجبهات في الوقت الراهن، والذي كان نتيجة للتفاهمات الروسية التركية في الخامس من آذار الماضي، ما هو إلّا هدوء حذر، وقابل للانفجار في أية لحظة، لأن التحديات التي تحول دون تفاهم كامل ومستدام مازالت ترمي بثقلها على الأطراف المتنازعة. إلّا أن المسألة الأهم التي يمكن الوقوف عندها في إحاطة السيد بيدرسون، هي قضية المعتقلين والمعتقلات في السجون.
لقد أشار بيدرسون في الفقرة (16) من إحاطته إلى التحديات التي يحملها وباء كورونا إلى المعتقلين في السجون السورية، ذاكراً في الوقت ذاته، مرسوم العفو الذي أصدره بشار الأسد بتاريخ ( 22 – آذار 2020 ) الذي يتضمن عفواً عن عددٍ من مرتكبي الجرائم – مخدرات – قتل – سرقة إلخ، مستثنياً – كما هو مُتوقَّع – معتقلي ومعتقلات الرأي، وأي معتقل آخر دخل السجن بسبب موقفه المناهض لنظام الحكم.
لعلّ السقطة الأخلاقية الكبيرة التي لا ينفرد فيها السيد بيدرسون وحده، بل يشاطره بها المجتمع الدولي ممثَّلاً بهيئاته الرسمية، هي أنهم جميعاً ما يزالون يخاطبون رأس النظام، باعتباره ممثلاً شرعياً للسوريين
ولعلّ الذي لا يريد المجتمع الدولي الوقوف عنده، ويصرّ على تجاهله، وكذلك السيد بيدرسون، هو أن قضية الاعتقال السياسي، بالنسبة إلى نظام الأسد (الأب والابن معاً)، هي ليست إجراءً وقائياً تمارسه السلطة حيال خصومها السياسيين، وفقاً لما تمليه الأعراف الدستورية والقانونية والإنسانية، بل هي عملية انتقام يمارسها حاكم متوحّش لم يرَ فيمن خالفه الرأيَ أو شقّ عصا الطاعة سوى عدوٍّ يجب الإجهاز عليه والتخلص منه، دون أيّ اعتبار لرادع قانوني أو أخلاقي أو إنساني، ولا أعتقد أن المجتمع الدولي، بات بحاجة إلى ما يؤكّد جرائم نظام الأسد بحق المعتقلين والمعتقلات السوريات، حيال التوثيقات الدامغة التي وثّقتها هيئات عالمية ومحلية مختصة، لعل أبرزها ما وثقه المصوّر ( قيصر)، فضلاً عما وثقته المنظمات الإنسانية الأخرى.
إن خشية السيد بيدرسون من تسلل فيروس كورونا إلى السجون السورية، ربما تصبح أشبه ب ( النكتة) إذا ما علم أن نظام الأسد يرى في تسلل كورونا فرصة مناسبة للتخلص من ضحاياه، ألم يعمد نظام الأسد في ربيع عام 2019 إلى إبلاغ دوائر السجل المدني في المدن والبلدات السورية بقوائم تتضمن أسماء الآلاف من المعتقلين، زاعماً أنهم قد ماتوا داخل السجون ميتةً طبيعية، تعود في معظم حالاتها إلى أزمات قلبية أو قصور كلوي أو جلطة دماغية إلخ، فما الذي يمنع نظام الأسد – والحال كذلك – من الإجهاز على آلاف أخرى من المعتقلين والمعتقلات داخل سجونه، تحت غطاء وباء كورونا؟ ألا تتيح هذه الجائحة الوبائية ذريعة جديدة وغطاء إضافياً للمضيّ في إجرامه؟ وذلك في ظل الظروف الجهنمية التي يعيشها المعتقلون داخل السجون، والتي تكاد تكون كافية للموت دون الحاجة إلى كورونا، بل لعله ليس ضرباً من المبالغة إن اعتقدنا أن الموت بتأثير كورونا، يكاد يكون أرحم بكثير من الموت تحت وسائل التعذيب الفظيعة التي يمارسها الجلادون في سجون الأسد، وهل من يقوم بإلقاء جثث المعتقلين في أحواض (الأسيد) في سجن صيدنايا، أو مَن يقوم بفقء عيونهم وهم أحياء، سيكون رحيماً أو مشفقاً عليهم من فيروس كورونا؟.
إن خشية السيد بيدرسون من تسلل فيروس كورونا إلى السجون السورية، ربما تصبح أشبه ب ( النكتة) إذا ما علم أن نظام الأسد يرى في تسلل كورونا فرصة مناسبة للتخلص من ضحاياه
لعل السيد بيدرسون قادر على إعفاء نفسه من أية مسؤولية إنسانية حيال قضية المعتقلين السوريين، بزعمه أنه ليس (فاعل خير) وفق التعبير الشعبي، لذا علينا ألّا نتوقع أن شكاوانا ومواجعنا سيكون لها مساحة في أجندته، ولكنه وسيط دولي يعمل على مراقبة تنفيذ قرارات صادرة عن أعلى هيئة دولية (الأمم المتحدة)، إلّا أن هذا الأمر بالذات، ما يجعله أكثر عرضةً للانتقاد، بل لسخط معظم السوريين، ذلك أن قضية المعتقلين لم تكن بعيدة عما صدر من قرارات أممية، فالقرار ( 2254 لعام 2015 ) يؤكّد بوضوح في بنوده ( 12 – 13 – 14 ) على أن قضية المعتقلين ملزمة التنفيذ، كإجراءات حسن نية، فضلاً عن كونها فوق تفاوضية، وبناء عليه، كان على السيد بيدرسون أن يؤكد، ليس في إحاطته الأخيرة فحسب، بل في جميع تقاريره السابقة، على عدم انصياع نظام الأسد وتنفيذه للبنود ذات المنحى الإنساني، كمقدمة تمهّد للشروع في مفاوضات سياسية، أما مناشداته الخجولة واستجداؤه لنظام الأسد، بعبارات تنزع نحو المواربة والتعميم غير المبرَّر، فما هي إلّا مجاراة حيناً، وتماهٍ تام أحياناً أخرى، مع الرغبة الروسية الرامية إلى عدم السماح بإدانة نظام الأسد في المحافل الدولية الرسمية.
ما من شك في أن قسماً كبيراً من أوزار مئات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات في السجون السورية، ما يزال في عهدة ضمير شاحب لمجتمع دولي، جعل مصالحه المادية فوق أي اعتبار إنساني، ولم يعد يعنيه من الكرامة البشرية سوى ما يلبي جشعه ونزوعه نحو الهيمنة وسطوة النفوذ، ولكن ضمور الحسّ الأخلاقي لدى المجتمع الدولي كان مسبوقاً – بلا أدنى ريب – بشحٍّ أخلاقي أكثر فظاعةً لدى ذوي القربى، ليصل إلى دركه الأسفل، لدى من فاوض باسم السوريين، وكان المفرِّط الأول، ليس بحياة المعتقلين فحسب، بل بجانب كبير من حقوق السوريين.