الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعركة على سوريا

المعركة على سوريا

07.05.2013
د. نسرين مراد

البيان
الثلاثاء 7/5/2013
منذ ما يربو على عامين من الزمن، تجري في سوريا حرب مدمِّرة للدولة والشعب. "أبطال ميادين" هذه الحرب سوريون وضحاياها سوريون، ويدفع تكاليفها الشعب السوري من دمه واقتصاده ومستقبل أجياله. حرب أهلية تجري تحت عناوين مختلفة، لكن في النهاية تحدد مستقبل سوريا طبقاً لمصالح دولية وإقليمية ومحلية. هذه المصالح لا تمت بعظيم الصلة لمصالح وتطلعات الشعب السوري، وشعوب المنطقة بشكل عام. المعركة على سوريا تدور بين فئات وأحزاب وقوى متنافسة، ذات مصالح خاصة بها، بالدرجة الأولى.
كان بالإمكان، ولم تزل الفرصة سانحة بالرغم من تلاشيها، تفادي نتائج حرب مدمِّرة، لو استخدمت الأطراف الحد الأدنى من العقلانية والتعقل إزاء الأمور. الأطراف المتناحرة ركبت موجة العز بالإثم، حين تمسّك كل طرف بمواقفه المتعنتة؛ مواقف تنكر حقوق الآخر، ومنها حقه في الاستمرار حتى في الحياة. أدى ذلك لاستقطاب القوى المحلية والإقليمية والدولية، تتنافس فيما بينها. خلال فترة وجيزة تكوّن محوران؛ الأول يدعم النظام السوري الحاكم، ويتكون من روسيا وإيران وقليل من القوى الإقليمية والمحلية. المحور الثاني تقوده الدول الغربية وتركيا وبعض الأنظمة العربية المؤثرة. هنالك خلل واضح في ميزان القوى الدولي، يميل بشكل حيوي لصالح قوى المعارضة للنظام السوري.
يتحمل النظام السوري القسط الأكبر من المسؤولية عن الحرب وما آلت إليه الأمور. كان من المنتظر أن يبدأ الرئيس السوري الشاب بشار الأسد، بتطبيق ما يمكن أن يسمى "ثورة من فوق"، لإصلاح الصورة الدكتاتورية العسكرية التي تركها الرئيس الراحل حافظ الأسد. استمر رأس النظام السوري في تلك الصورة المشؤومة في نظر الكثيرين، وكان بالإمكان العمل على تغييرها في فترة ناهزت العشر سنين. ذلك قبل أن تبدأ وتستعر ما يمكن أن يطلق عليها "ثورة من تحت"، ثورة تقوم بها عامة الشعب وبعض النخب السياسية والاجتماعية والعسكرية والمثقفة.
تقترب الحرب بين النظام والمعارضة من نهايتها، ثمة ببطء، مع انتقال ميادين المواجهة إلى أحياء دمشق، وحول المقار المركزية الحكومية والعامة الهامة. أخيراً تقوم الولايات المتحدة بتدخل عسكري شبه مباشر، عن طريق تسليح المعارضة عبر تركيا. الحرب الآن تميل لأن تكون أكثر فظاظة على النفس، وتأتي على ما تبقّى من حساب البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، وطبعاً العسكرية. سوريا تتجه لأن تصبح مثل جثة هامدة، ثمة تقطر دسماً، تصلح للاقتسام والبيع بين القوى المنتصرة؛ بما لدى الأخيرة من شركات ومؤسسات اقتصادية وثقافية واجتماعية و"عقائدية".
لن يتوقف مسلسل سقوط أحجار الدومينو في المنطقة عند النظام السوري. هنالك قوى محلية وإقليمية تتصدر لائحة انتظار الزوال من الخريطة الجيو-سياسية للمنطقة، ومنها حزب الله اللبناني، والنظام السياسي الحالي في بغداد. ذلك ما يترك "الأسد الإيراني" وحيداً في المواجهة. تتبع الإدارة الأمريكية والقوى الغربية، تكتيك الاقتراب من الأسد الإيراني عن طريق التعامل معه من ذيوله بدل رأسه! بالتزامن مع ذلك، فالنظام الإيراني ينهكه الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية الإقليمية والدولية.
تمثل الحرب في سوريا وعليها، مقدمة لإنهاء أنظمة سياسية، ترتكز في وجودها على فرص بقاء النظام السوري، وبشكل حساس، بل حرج.
المتتبع لأحداث الثورة السورية، يرى أنها حرب مفروضة على المنطقة بشكل عام، وبالدرجة الأولى سوريا. لا ينفي ذلك ضرورة الثورة للتخلص من نظام دكتاتوري في دمشق، ينخره الترهل والفساد. تلقت قوى المعارضة الضوء الأخضر من القوى الدولية الرئيسية بزعامة الولايات المتحدة. قدمت الأخيرة دعماً سياسياً وإعلامياً وعسكرياً حاسماً، مكّن المعارضة من الانتقال من طور التظاهر والدفاع، إلى طور الهجوم والتحكم في سير الحرب والمعارك، الصغيرة والكبيرة.
الآن تتم ملاحقة فلول النظام في الأحياء والأزقة والقواعد العسكرية شديدة الولاء والتحصين. ما بدأ بنقمة وتذمر شعبي واسع، انتقل بسرعة قياسية إلى مرحلة سقوط أحد الأنظمة الموسومة بالاستبداد والقمع، معمّداً بالتعذيب الوحشي للنساء، انتقاماً من أقربائهن المعارضين للنظام.