الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعضلة السورية

المعضلة السورية

05.04.2014
أسامة عجاج


العرب القطرية
الخميس 3/4/2014
أعتقد أن مرور ثلاث سنوات على المأساة الإنسانية، ونزيف الدم المستمر طوال تلك الفترة في سوريا يجعل السؤال منطقيا، لماذا نجحت ثورات الربيع العربي في خلع أنظمة لا تقل بوليسية ولا بطشا عن النظام السوري؟ مثل الوضع في تونس مثلا، أو بصورة أشد في الجماهيرية العربية الاشتراكية العظمي تحت حكم معمر القذافي، كما تشابهت الأوضاع في مصر مبارك، وأخفق السوريون. لماذا تم إسقاط نظام مثل بن علي؟ والذي استمر منذ العام 1978، خلال فترة وجيزة، أو مبارك الذي احتفظ بالسلطة أكثر منذ ذلك، وانهار نظامه خلال 18 يوما بالتمام والكمال، أو حتى القذافي الذي قاوم بعنف وشراسة، وكادت البلاد تدخل في أتون حرب أهلية، حتى كانت النهاية التراجيدية، التي شهدها الجميع بعد عدة أشهر، أو علي عبدالله صالح في اليمن، الذي استمر في الحكم حقبا من الزمان أكثر من عمر بشار نفسه، ولكنه في نهاية الأمر غادر السلطة، غير مأسوف عليه من أحد، سقط كل هؤلاء وفقط الأسد الذي ما زال يقاوم رياح التغيير التي تهب على سوريا، هل لأن بشار يعتمد على الطائفة العلوية في سوريا؟ وهي متجذرة في الأجهزة الأمنية ومفاصل الدولة والجيش. ولكن ذلك لا يبدو تفسيرا مقنعا، فكل الآخرين أيضاً اعتمدوا على مجموعات المصالح المتشابكة، مع أفراد الأسر الحاكمة في تلك الجمهوريات، لقد تمت كل حركات التغيير والثورة عبر المظاهرات في الشوارع، والاعتصام في الميادين، وسوريا لم تكن بعيدة عن احتجاجات مماثلة، منذ ثلاث سنوات، حتى التجربة الليبية وإن كانت مختلفة بدأت بمطالبات وتظاهرات جماهيرية، قوبلت بعنف غير مسبوق، فكان التدخل الأجنبي من حلف الناتو، الذي مثل غطاء لنضال الثوار وحماية جوية لهم، ولكن سوريا أيضاً تحولت إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي، دون أن يصل الأمر إلى التدخل العسكري، ويظل النموذج اليمني هو الأساس المتاح حاليا، والذي أشرف على تنفيذه كل من مجلس التعاون الخليجي بدعم من الأمم المتحدة، التي عينت مبعوثا لها لمتابعة التطورات، حتى وافق علي عبدالله صالح على مغادرة السلطة، مع ضمانات بعدم الملاحقة القضائية، واستمرار حزبه وجزء من نظامه شريكا مع المعارضة في الحكم، وحتى ذلك الخيار اليمني، يبدو بعيد المنال في سوريا. رغم أن الاتفاق الذي تم على أساسه جينيف 2 وجنيف 1 قائمة، على الحكومة الانتقالية أو المشاركة في السلطة، بين فصائل المعارضة وأركان الحكم، المهم لدى المعارضة أن يغادر بشار السلطة، إذا لماذا الصمت الدولي على تلك المأساة؟ وما هو سر القدرات الخارقة لنظام بشار الأسد؟ التي أهلته إلى التماسك، وعدم السقوط، هل لأن الأمر يتعلق بأزمة طارئة؟ الأمر ليس كذلك، فنحن أمام مأساة مستمرة، منذ ثلاث سنوات بالتمام والكمال، كما أن أركان المأساة متكاملة، لا تنقصها أي ملمح، والأرقام لا تكذب ولا تتجمل، خاصة أن الأسد ومنذ اليوم الأول لم يبحث في اتخاذ إجراءات أو خطوات إصلاحية، تهدأ من ثورة الجماهير، ولكنه اختار المواجهة الأمنية، وقتل المتظاهرين، وتشير إلى أن عدد الشهداء وصل إلى 130 ألف قتيل، وهناك اثنان مليون ونصف لاجئ في دول الجوار، وأربعة مليون داخل سوريا، ناهيك عن الآلاف المعتقلين، وتم استخدام كل الأسلحة الفتاكة من قوات النظام، ضد المدن والقرى المحاصرة، ومنها أسلحة محرمة دولية، مثل الكيماوي وغيره، كما أن سوريا تراجع تصنيفها في كل المؤشرات التنموية، لتحتل المركز قبل الأخير عربيا، وقد أشارت تقارير دولية إلى أن دمشق خسرت 37 عاما من التنمية، خلال السنوات الثلاث الماضية، ووصلت خسائر الاقتصاد السوري يوميا إلى 109 مليون دولار، وارتفعت نسبة البطالة إلى 15 بالمئة، وانخفض إنتاج النفط، وتراجع الاحتياطي النقدي، ووصلت السياحة إلى درجة الصفر.
لعل أول تفسير لقدرة الأسد على البقاء، مرتبط بفكرة تحول الأزمة إلى ساحة للاستقطاب الإقليمي والدولي، ونجحت في فرز مواقف دول داعمة ومتورطة مباشرة في الصراع، ومن ذلك روسيا وإيران والصين، لاعتبارات مختلفة، منها ما هو متعلق بالمصالح الاقتصادية، فالتجارة السورية الروسية تشكل 20 بالمئة من التجارة مع كل العالم العربي، والاستثمارات الروسية تصل إلى 20 مليار دولار، كما أن سوريا أكبر سوق للسلاح الروسي، وقد زودت موسكو الجيش السوري، بمعدات عسكرية متطورة، منها طائرات من دون طيار، ودبابات ومدرعات وأجهزة مراقبة وناقلات جنود ودبابات ميدانية وطائرات ميج 29، كما أن الدب الروسي يرى في دمشق موطأ قدم أخير له في المنطقة، من خلال قاعدة طرطوس. والأمر نفسه يعود إلى إيران، التي ترى في سقوط الأسد انتهاء لمشروعها في المنطقة، ولذلك فقد دعمت طهران نظام الأسد سياسيا وعسكريا بمشاركة عناصر من الحرس الثوري في العمليات، وحماية المناطق الاستراتيجية، ويأتي تورط حزب الله أيضاً في نفس الإطار، أما جبهة المعارضة للنظام عربيا وإقليميا ودوليا فهي متنوعة ولكنها مختلفة في مواقفها، ولعل تراجع أميركا مثلا عن خططها بالقصف الجوي لقوات النظام، بعد تورطه في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، عزز من النظام وكشف عن انتهازية سياسية، لأن المقابل الذي حصلت عليه واشنطن، بالضغط على نظام الأسد للتخلي عن أسلحته الكيماوية، جاء خصما من قدرات سوريا، وصب في صالح مزيد من الخلل في التوازن الاستراتيجي السوري الإسرائيلي، والذي يبدو أن من مصلحة واشنطن ومن بعدها تل أبيب، ترك الأمور دون حسم لأنه يمثل استنزافا للنظام، وحربا بالوكالة بين حزب الله والقاعدة، وفقا لرؤية واشنطن. وتمثل أيضاً مستنقعا لإيران، خاصة أن واشنطن كانت تؤكد في بداية الأزمة على ضرورة أن يذهب النظام. كما أن انقسام المعارضة السورية، وتشتتها صب في صالح النظام، الذي نجح إلى حد كبير في تصوير الصراع في سوريا، على أنه مواجهة للإرهاب، وقد استفاد النظام كثيرا من دخول الجماعات الجهادية على الخط، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش، وجبهة النصرة، بالإضافة إلى تنظيمات مثل كتائب أبناء الرسول، وتجمع أنصار الإسلام، والغريب أن هناك شبه اقتناع أميركي بهذا الطرح، الذي أكده ما قاله جون كيري، من أن سوريا أصبحت مثل مغناطيس يجذب الإرهابيين، وتؤكد كل المؤشرات والتطورات الأخيرة، أن الطرفين أصبحا على قناعة بعدم قدرة كل منهما على حسم الصراع عسكريا، وفي الوقت نفسه صعوبة الوصول إلى حل سياسي، رغم أن البعض يؤكد أن هذا العام هو سنة الحسم، خاصة أنها قد تشهد انتخابات رئاسية أعلن بشار الأسد عن خوضها، كما أن مباحثات جنيف 2 ومن قبلها جنيف 1، تؤكد أن العالم لا يملك الإرادة السياسية الكافية، لتغيير النظام أو العمل على إسقاطه، والشعب السوري وحده من يدفع الثمن!!